انتقد دوغ باندو المساعد الخاص للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والباحث الأقدم في معهد كاتو الحملة السعودية الإماراتية على قطر، معتبراً أنها فشلت وارتدت عليهما لأنها ألقت الضوء على دورهما في دعم الفكر المتطرف الذي يؤدي للإرهاب.
وقال باندو في مقال نشر بالنسخة الأميركية لهاف بوست "لقد توقَّعت دولتا السعودية والإمارات النفطيتان المُدلَّلتان انتصاراً سريعاً على قطر بعد فرضهما حصاراً رباعياً على جارتهما".
وأشار إلى أن الأزمات التي شهدتها العلاقات في الماضي قد حُلَّت سلمياً، لكن هذه المرة طالب خصوم قطر باستسلامها عملياً، وخصوصاً التخلي عن سياستها الخارجية المستقلة. واعتقدت الدولتان أنَّهما قد حازتا دعم واشنطن.
وقال "لكن يا للأسف، لم تكن أسابيع التدخُّل تلك مُترفِّقة بالرياض والإمارات. فهما الآن تقولان إنَّهما على استعدادٍ للتفاوض حول ما كان قبل ذلك مطالب "غير قابلة للتفاوض". ويبدو مزيدٌ من التراجع أمراً مُرجَّحاً".
وحسب الكاتب "فقد بدأ كل شيء يسير في الاتجاه الخاطئ عندما أشار وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس إلى دعمهما للدوحة".
وقد أظهر تيلرسون نفاد صبرٍ واضحاً تجاه المطالب التي قُدِّمت لقطر ونظر إليها باعتبارها مغالية ولا تستحق حتى التفاوض بشأنها، ووصف موقف قطر بأنَّه "معقول للغاية".
ثُمَّ نبَّه عددٌ لا بأس به من المنتقدين إلى أنَّ الرياض ودبي مذنبتان بصورةٍ أكبر حتى من قطر في ما يتعلَّق بتمويل الإرهاب. كان أحدهم هو بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، والذي شكا من أنَّ "مقدار الدعم الذي قدَّمته السعودية للإرهاب يُقزِّم ما تفعله قطر".
وبالفعل، ظلَّت المملكة طويلاً أخطر حاضنة للتعصُّب في الشرق الأوسط بأكمله. ورداً على هذا الخِلاف، وقَّعت الدوحة اتفاقاً مع الولايات المتحدة يستهدف تمويل الإرهاب، وهو الأمر الذي لم تفعله أيٌّ من الدول التي تُوجِّه الاتهامات لقطر.
ولاحظ مارك لينش، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن، أنَّ "الخطاب المُتطرِّف والطائفي الذي أحضرته بعض القوى الخارجية إلى التمرُّد السوري كان مشكلةً تجاوز قطر بكثير".
وقد أُدين مطلب إغلاق الجزيرة من جانب دول الحصار التي ليست لديها صحافة حرة وجرَّمت حتى مجرد التعاطف مع قطر عالمياً.
ثُمَّ جاءت التقارير التي تفيد بأنَّ الاستخبارات الأميركية خلُصت إلى أنَّ الإمارات قد اخترقت موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية قبل شهرين، مُختلِقةً المواقف المُهيِّجة التي زُعِم نقلها عن أمير قطر، والتي ساعدت في إطلاق الأزمة.
وعلى العكس، نُظِر إلى البحرين ومصر، اللتين التحقتا بعربة المناوئين للدوحة، على أنَّهما مجرد دُمى؛ تفعلان ما يُقال لهما من الدول التي قدَّمت لهما المساعدة المالية والعسكرية، حسب تعبيره.
وبعد أن بدأ التحالف المناوئ لقطر الأعمال العدائية دون أن تكون هناك خطة احتياطية بديلة، لم يعد بمقدوره لا المُضي قُدُماً ولا العودة إلى الخلف دون إراقة جزءٍ كبير من ماء الوجه.
لكن البقاء في هذا المسار يبدو أفضل قليلاً. فقد تسبَّبت السعودية والإمارات في دفع القطريين إلى الاحتشاد خلف الأسرة الحاكمة، وتقويض مجلس التعاون الخليجي، والتخفيف من عُزلة إيران، وجرّ تركيا مباشرةً داخل الشؤون الخليجية، وتحدي واشنطن. ياله من إنجاز.
وقد أسفرت تلك التجربة عن عدة دروس مهمة.
يبدي الرئيس دونالد ترامب انزعاجه ويشكو، لكن ليست لديه علاقة كبيرة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة. فمع أنَّه انتقد السعودية سابقاً، إلّا أنَّه تقلَّب حتى أصبح عملياً وكيل الضغط لصالح الرياض في واشنطن. ومع ذلك، كان لتفضيلاته العلنية تأثيرٌ لا يُذكَر على السياسة الأميركية، التي انتهى بها المطاف منحازة بقوة ضد الإمارات والسعودية. وأقرَّ مؤخراً بأنَّه والوزير تيلرسون "بينهما القليل من الاختلاف فقط فيما يتعلَّق بالنبرة".
يقول الكاتب "لقد أثبتت السعودية أنَّها نمرٌ من ورق أكثر منها قائدةً إقليمية".
فقد أنفقت بسخاء على الأسلحة، ودعمت البلدان الإسلامية الأخرى، وسعت للإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وأطلقت حرباً وحشية ضد اليمن، لكنَّها لم تمتلك رداً مُعدَّاً حين رفضت قطر مطالب الرياض. ثُمَّ منع الوزير تيلرسون بفعاليةٍ أي تصعيد.
فمع انتهاء المهلة السعودية الإماراتية قبل أسابيع مضت، خشي بعض المراقبين من أن تفرض السعودية والإمارات عقوباتٍ إضافية، أو أن تطردا قطر من مجلس التعاون الخليجي، أو أن تغزو هاتان الدولتان حتى جارتهما المستقلة. لكنَّ الوزير تيلرسون جعل كل تلك الخطوات أكثر صعوبة، إن لم تكن مستحيلة، عملياً.
وبالفعل، أجبرت الدبلوماسية المكوكية للوزير تيلرسون دعماً لمحاولة الوساطة الكويتية مُوجِّهي الاتهامات لقطر حتى على التفاوض بالفعل بشأن ما وصفوه بأنَّه غير قابل للتفاوض. فقالت نورة الكعبي، وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون المجلس الوطني الاتحادي: "نحن نريد حلاً دبلوماسياً. ولا نسعى إلى التصعيد".
ومؤخراً، عرضت أبوظبي والرياض، إلى جانب حليفتيهما المدعومتين، البحرين ومصر، المشاركة في حوارٍ مع قطر. ولا عجب في ذلك؛ فالسعوديون، الذين اعتقدوا ذات مرة أنَّهم استحوذوا على الرئيس الأميركي، يشكون الآن من أنَّ وزير خارجيته يدعم الدوحة.
يرى المسؤول الأميركي السابق ان الدبلوماسية السعودية باهظة التكاليف في الخارج مشكوكٌ في قيمتها، ولم تُكسِب المملكة سوى قليلٍ من الأصدقاء.
فقد نظَّمت الرياض والإمارات تحالفاً غير متكافئ يضم مصر والبحرين التابعتين، وجزر المالديف التي لا تتمتَّع بأهمية على الساحة الدولية، وإحدى الحكومات المتنازعة في ليبيا المُمزَّقة.
ومنذ ذلك الحين، فشلت المجموعة في الفوز بأي دعمٍ حقيقي من أي دولةٍ أخرى. ما المشكلة إذن؟ القضية الحقيقية ليست الإرهاب، بل مخاوف أكثر أنانية، مثل دعم المعارضين السياسيين المحليين.
أدَّت النقاشات حول الأزمة بصورة حتمية تقريباً إلى إعارة مزيد من الانتباه إلى السلوك السيئ للرياض وأبوظبي، خصوصاً في ما يتعلَّق بقمعهما الوحشي لأي معارضٍ سياسي وديني في الداخل، والتمويل السعودي السخي للتطرُّف والتفسير الوهابي المُتعصِّب للإسلام، والاستهلال الإماراتي للأعمال العدائية الإلكترونية ضد الدوحة.
فقد نشر توم ويلسون، الباحث بمؤسسة هنري جاكسون ومقرّها لندن، مؤخراً تقريراً يصف الرياض بأنَّها المُموِّل "الأول" للإرهاب في المملكة المتحدة، مُشيراً إلى مخاوف من أنَّ "حجم التمويل للتطرُّف الديني الآتي من بلدان مثل السعودية الأمر قد تزايد في حقيقة الأمر في السنوات الأخيرة".
وفي حين كانت قطر عُرضةً للانتقاد بسبب دعمها لبعض المجموعات المُتطرِّفة، فإنَّ الرياض وأبوظبي قد تعرَّضت لهجماتٍ أميركية أشد قسوةً حتى.
استمرت إيران في جني مكاسب بسبب تصرُّفات خصومها أكثر مما تجنيه نتيجة جهودها هي.
فكلٌ من الدوحة وطهران تتشاركان بحقل غازٍ طبيعي. والعلاقات بينهما تُمثِّل واحدة من الشكاوى الرئيسية للسعودية.
وتُعَد إيران فاعلاً شريراً، غير أنَّ الرياض، الديكتاتورية السُنّيّة الشمولية، هي أكثر سوءاً، حسب تعبيره، إذ يقول "فقد تدخَّلت السعودية عسكرياً في البحرين للحفاظ على العائلة الملكية السُنّيّة ضد الأغلبية الشيعية، ودعمت تمرُّداتٍ مُتطرِّفة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وأشرف ولي العهد المُتهوِّر الجديد، محمد بن سلمان، على الحرب المُهلِكة التي جاءت بنتائج عكسية في اليمن، وأيضاً الهجوم الدبلوماسي/الاقتصادي على قطر بغرض تحقيق انسجام خليجي.
والآن، ودون أن تُطلق طلقة واحدة، ساعدت السعودية إيران في إحباط آخر مخططات الرياض، وحازت امتنان القطريين، وأضفت وجهاً معتدلاً على النظام الإسلامي فيها.
يقول المسؤول الأميركي السابق "يستحق الوزيران تيلرسون وماتيس أن يُنسَب إليهما فضلٌ خاص. فقد ساعدا، بتجاهلهما لحماس ترامب الذي أساء التوجيه تجاه النظام الملكي السعودي، على إعادة تحويل انتباه الرأي العام إلى الرياض وأبوظبي. إذ لم تُظهِر أيٌّ من الدولتين اهتماماً كافياً بقطع تمويل الإرهابيين".
فعلى سبيل المثال، في برقيةٍ طويلة تعود إلى 30 ديسمبر/كانون الأول 2009، نشرها موقع ويكيليكس، انتقدت وزارة الخارجية الأميركية قطر والإمارات، لكنَّ انتقاداتها الأشد وُجِّهت للسعودية: "يُمثِّل الأمر تحدياً مستمراً من أجل إقناع المسؤولين السعوديين بالتعامل مع تمويل الإرهاب النابع من السعودية كأولوية استراتيجية"، وعلاوة على ذلك، "يُشكِّل المُتبرِّعون في السعودية المصدر الأهم لتمويل المجموعات الإرهابية السُنّية في مختلف أنحاء العالم".
والمملكة "تبقى قاعدة دعمٍ مالي مهمة لتنظيم القاعدة" وغيره من التنظيمات الإرهابية. وعلى الرغم من سياسات الرياض، "تواصل المجموعات (السعودية) إرسال الأموال إلى الخارج، وفي بعض الأحيان تُموِّل التطرُّف في الخارج".
يقول الكاتب "إذا كانت السعودية والإمارات تهتمان بشأن الإرهاب، فإنَّ عليهما أن تبحثا في الداخل أولاً. وأن تُوقِف الرياض تمويل الوهابية، وهي تعاليم إسلامية مُتعصِّبة تُشوِّه من يؤمنون بعقائد مُختلفة.
وربما تكون تبعات هذا التمويل أطول أمداً من المدفوعات التي تُوجَّه للمجموعات الإرهابية ويكون تأثيرها قصير الأمد.
ونقل عن المُحلِّل النرويجي المتخصص في شؤون مكافحة الإرهاب توماس هيغهامر، قوله: "لو أنَّ إصلاحاً إسلامياً كان ربما ليحدث في القرن العشرين، فإنَّ السعوديين على الأرجح قد منعوه بتعزيزهم للحَرفية (في التفسير)".
ونبَّه ويلسون إلى أنَّ "مجموعة متزايدة من الدلائل قد ظهرت وتشير إلى التأثير الكبير الذي لعبه التمويل الأجنبي فيما يتعلَّق بدفع التطرُّف الإسلامي في بريطانيا والدول الغربية الأخرى".
حسب الكاتب فإن الأمر الذي يُزعِج السعودية والإمارات حقاً هو دعم الدوحة لمجموعات المعارضة. فعلى سبيل المثال، تخشى كلٌ من الرياض ومصر من جماعة الإخوان المسلمين، التي تطرح فلسفة حياة جدية، ولا تروِّج للإرهاب، حسب تعبيره.
والعائلة السعودية المالكة ليست في مأمنٍ لأنَّ النظام الملكي الكلبتوقراطي (حكم اللصوص) والشمولي لا يحظى بقبولٍ يُذكَر لدى أي أحدٍ بخلاف بضعة آلاف من الأمراء الذين يعيشون في بذخٍ على حساب الآخرين كلهم. وعلى نحوٍ مشابه يأتي المطلب السعودي الإماراتي لإغلاق قناة الجزيرة، التي وجَّهت انتقاداتٍ لكلا النظامين.
وترغب الرياض أيضاً في تجنيد كل جيرانها في حملتها لعزل إيران، ومع ذلك لم تُمارِس أي ضغطٍ على الإمارات التي، شأنها شأن قطر، تحتفظ بعلاقاتٍ مع النظام الإسلامي هناك.
وعلى أي حال، سيكون من الأفضل كثيراً الترويج لتغييرٍ طويل الأجل من خلال الاستمرار في اجتذاب الشعب الإيراني غرباً في مواجهة النخب الإسلامية. ومن خلال اضطلاع الدوحة بدور المضيف لمجموعاتٍ متنوعة بقدر طالبان وحماس، فإنَّها في حقيقة الأمر قد جذبت منظماتٍ مثيرة للجدل بعيداً عن حكومات أكثر تطرُّفاً، مثل الحكومة الإيرانية، ومكَّنت الغرب من الحصول على تواصل غير رسمي مع مجموعاتٍ هو رسمياً على خلافٍ معها، مثل طالبان.
لقد زرعت الرياض وأبوظبي الريح، والآن سيحصد الخليج بأكمله العواصف. فهجومهما على قطر سيُزعزِع الشرق الأوسط بصورةٍ أكبر، ويزعج العديد من أقرب حلفاء واشنطن.
وقد انتهى المطاف بالسعوديين والإماراتيين في مأزقٍ عالمي، وعزلوا أنفسهم أكثر مما عزلوا قطر. وليس لدى الأخيرة دافع يُذكَر للخضوع، بينما ستواجه الأولتان إهانةً مُثخنة إذا تخليتا عن مطالباتهما. وتتوقَّع الحكومات الأخرى على نحوٍ متزايد أن تكون هناك أزمةً طويلة. وتنبَّأ الوزير تيلرسون بأنَّ "الحل النهائي قد يستغرق بعض الوقت".
ولن يفيد ذلك أحداً، سوى إيران ربما. فلن يفيد قطر، ولا الولايات المتحدة، وبالتأكيد لن يفيد السعوديين والإماراتيين.
وليس باستطاعة الولايات المتحدة أن تفرض تسويةً على حلفائها المثيرين للمشكلات. لكنَّ واشنطن بإمكانها أن تُسلِّم أنَّه "لا توجد أيد نظيفة هنا"، كما نبَّه مُتحدِّثٌ باسم الخارجية الأميركية مؤخراً. ويجب أن تُحمِّل إدارة ترامب مسؤولية الأزمة الحالية لمن يجب أن يتحمَّلها، الرياض وأبوظبي. ويجب أن تكونا هما الدولتان اللتان تُعاقَبان بالعُزلة الدولية.
وقال باندو في مقال نشر بالنسخة الأميركية لهاف بوست "لقد توقَّعت دولتا السعودية والإمارات النفطيتان المُدلَّلتان انتصاراً سريعاً على قطر بعد فرضهما حصاراً رباعياً على جارتهما".
وأشار إلى أن الأزمات التي شهدتها العلاقات في الماضي قد حُلَّت سلمياً، لكن هذه المرة طالب خصوم قطر باستسلامها عملياً، وخصوصاً التخلي عن سياستها الخارجية المستقلة. واعتقدت الدولتان أنَّهما قد حازتا دعم واشنطن.
وقال "لكن يا للأسف، لم تكن أسابيع التدخُّل تلك مُترفِّقة بالرياض والإمارات. فهما الآن تقولان إنَّهما على استعدادٍ للتفاوض حول ما كان قبل ذلك مطالب "غير قابلة للتفاوض". ويبدو مزيدٌ من التراجع أمراً مُرجَّحاً".
كيف ارتدت الحملة على أصحابها؟
وحسب الكاتب "فقد بدأ كل شيء يسير في الاتجاه الخاطئ عندما أشار وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس إلى دعمهما للدوحة".
وقد أظهر تيلرسون نفاد صبرٍ واضحاً تجاه المطالب التي قُدِّمت لقطر ونظر إليها باعتبارها مغالية ولا تستحق حتى التفاوض بشأنها، ووصف موقف قطر بأنَّه "معقول للغاية".
ثُمَّ نبَّه عددٌ لا بأس به من المنتقدين إلى أنَّ الرياض ودبي مذنبتان بصورةٍ أكبر حتى من قطر في ما يتعلَّق بتمويل الإرهاب. كان أحدهم هو بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، والذي شكا من أنَّ "مقدار الدعم الذي قدَّمته السعودية للإرهاب يُقزِّم ما تفعله قطر".
وبالفعل، ظلَّت المملكة طويلاً أخطر حاضنة للتعصُّب في الشرق الأوسط بأكمله. ورداً على هذا الخِلاف، وقَّعت الدوحة اتفاقاً مع الولايات المتحدة يستهدف تمويل الإرهاب، وهو الأمر الذي لم تفعله أيٌّ من الدول التي تُوجِّه الاتهامات لقطر.
ولاحظ مارك لينش، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن، أنَّ "الخطاب المُتطرِّف والطائفي الذي أحضرته بعض القوى الخارجية إلى التمرُّد السوري كان مشكلةً تجاوز قطر بكثير".
وقد أُدين مطلب إغلاق الجزيرة من جانب دول الحصار التي ليست لديها صحافة حرة وجرَّمت حتى مجرد التعاطف مع قطر عالمياً.
ثُمَّ جاءت التقارير التي تفيد بأنَّ الاستخبارات الأميركية خلُصت إلى أنَّ الإمارات قد اخترقت موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية قبل شهرين، مُختلِقةً المواقف المُهيِّجة التي زُعِم نقلها عن أمير قطر، والتي ساعدت في إطلاق الأزمة.
دور مصر والبحرين
وعلى العكس، نُظِر إلى البحرين ومصر، اللتين التحقتا بعربة المناوئين للدوحة، على أنَّهما مجرد دُمى؛ تفعلان ما يُقال لهما من الدول التي قدَّمت لهما المساعدة المالية والعسكرية، حسب تعبيره.
وبعد أن بدأ التحالف المناوئ لقطر الأعمال العدائية دون أن تكون هناك خطة احتياطية بديلة، لم يعد بمقدوره لا المُضي قُدُماً ولا العودة إلى الخلف دون إراقة جزءٍ كبير من ماء الوجه.
لكن البقاء في هذا المسار يبدو أفضل قليلاً. فقد تسبَّبت السعودية والإمارات في دفع القطريين إلى الاحتشاد خلف الأسرة الحاكمة، وتقويض مجلس التعاون الخليجي، والتخفيف من عُزلة إيران، وجرّ تركيا مباشرةً داخل الشؤون الخليجية، وتحدي واشنطن. ياله من إنجاز.
وقد أسفرت تلك التجربة عن عدة دروس مهمة.
يبدي الرئيس دونالد ترامب انزعاجه ويشكو، لكن ليست لديه علاقة كبيرة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة. فمع أنَّه انتقد السعودية سابقاً، إلّا أنَّه تقلَّب حتى أصبح عملياً وكيل الضغط لصالح الرياض في واشنطن. ومع ذلك، كان لتفضيلاته العلنية تأثيرٌ لا يُذكَر على السياسة الأميركية، التي انتهى بها المطاف منحازة بقوة ضد الإمارات والسعودية. وأقرَّ مؤخراً بأنَّه والوزير تيلرسون "بينهما القليل من الاختلاف فقط فيما يتعلَّق بالنبرة".
نمر من ورق
يقول الكاتب "لقد أثبتت السعودية أنَّها نمرٌ من ورق أكثر منها قائدةً إقليمية".
فقد أنفقت بسخاء على الأسلحة، ودعمت البلدان الإسلامية الأخرى، وسعت للإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وأطلقت حرباً وحشية ضد اليمن، لكنَّها لم تمتلك رداً مُعدَّاً حين رفضت قطر مطالب الرياض. ثُمَّ منع الوزير تيلرسون بفعاليةٍ أي تصعيد.
فمع انتهاء المهلة السعودية الإماراتية قبل أسابيع مضت، خشي بعض المراقبين من أن تفرض السعودية والإمارات عقوباتٍ إضافية، أو أن تطردا قطر من مجلس التعاون الخليجي، أو أن تغزو هاتان الدولتان حتى جارتهما المستقلة. لكنَّ الوزير تيلرسون جعل كل تلك الخطوات أكثر صعوبة، إن لم تكن مستحيلة، عملياً.
وبالفعل، أجبرت الدبلوماسية المكوكية للوزير تيلرسون دعماً لمحاولة الوساطة الكويتية مُوجِّهي الاتهامات لقطر حتى على التفاوض بالفعل بشأن ما وصفوه بأنَّه غير قابل للتفاوض. فقالت نورة الكعبي، وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون المجلس الوطني الاتحادي: "نحن نريد حلاً دبلوماسياً. ولا نسعى إلى التصعيد".
ومؤخراً، عرضت أبوظبي والرياض، إلى جانب حليفتيهما المدعومتين، البحرين ومصر، المشاركة في حوارٍ مع قطر. ولا عجب في ذلك؛ فالسعوديون، الذين اعتقدوا ذات مرة أنَّهم استحوذوا على الرئيس الأميركي، يشكون الآن من أنَّ وزير خارجيته يدعم الدوحة.
دبلوماسية باهظة التكاليف، فما مكاسبها؟
يرى المسؤول الأميركي السابق ان الدبلوماسية السعودية باهظة التكاليف في الخارج مشكوكٌ في قيمتها، ولم تُكسِب المملكة سوى قليلٍ من الأصدقاء.
فقد نظَّمت الرياض والإمارات تحالفاً غير متكافئ يضم مصر والبحرين التابعتين، وجزر المالديف التي لا تتمتَّع بأهمية على الساحة الدولية، وإحدى الحكومات المتنازعة في ليبيا المُمزَّقة.
ومنذ ذلك الحين، فشلت المجموعة في الفوز بأي دعمٍ حقيقي من أي دولةٍ أخرى. ما المشكلة إذن؟ القضية الحقيقية ليست الإرهاب، بل مخاوف أكثر أنانية، مثل دعم المعارضين السياسيين المحليين.
سلوك وحشي
أدَّت النقاشات حول الأزمة بصورة حتمية تقريباً إلى إعارة مزيد من الانتباه إلى السلوك السيئ للرياض وأبوظبي، خصوصاً في ما يتعلَّق بقمعهما الوحشي لأي معارضٍ سياسي وديني في الداخل، والتمويل السعودي السخي للتطرُّف والتفسير الوهابي المُتعصِّب للإسلام، والاستهلال الإماراتي للأعمال العدائية الإلكترونية ضد الدوحة.
فقد نشر توم ويلسون، الباحث بمؤسسة هنري جاكسون ومقرّها لندن، مؤخراً تقريراً يصف الرياض بأنَّها المُموِّل "الأول" للإرهاب في المملكة المتحدة، مُشيراً إلى مخاوف من أنَّ "حجم التمويل للتطرُّف الديني الآتي من بلدان مثل السعودية الأمر قد تزايد في حقيقة الأمر في السنوات الأخيرة".
وفي حين كانت قطر عُرضةً للانتقاد بسبب دعمها لبعض المجموعات المُتطرِّفة، فإنَّ الرياض وأبوظبي قد تعرَّضت لهجماتٍ أميركية أشد قسوةً حتى.
من المستفيد الوحيد من الأزمة؟
استمرت إيران في جني مكاسب بسبب تصرُّفات خصومها أكثر مما تجنيه نتيجة جهودها هي.
فكلٌ من الدوحة وطهران تتشاركان بحقل غازٍ طبيعي. والعلاقات بينهما تُمثِّل واحدة من الشكاوى الرئيسية للسعودية.
وتُعَد إيران فاعلاً شريراً، غير أنَّ الرياض، الديكتاتورية السُنّيّة الشمولية، هي أكثر سوءاً، حسب تعبيره، إذ يقول "فقد تدخَّلت السعودية عسكرياً في البحرين للحفاظ على العائلة الملكية السُنّيّة ضد الأغلبية الشيعية، ودعمت تمرُّداتٍ مُتطرِّفة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وأشرف ولي العهد المُتهوِّر الجديد، محمد بن سلمان، على الحرب المُهلِكة التي جاءت بنتائج عكسية في اليمن، وأيضاً الهجوم الدبلوماسي/الاقتصادي على قطر بغرض تحقيق انسجام خليجي.
والآن، ودون أن تُطلق طلقة واحدة، ساعدت السعودية إيران في إحباط آخر مخططات الرياض، وحازت امتنان القطريين، وأضفت وجهاً معتدلاً على النظام الإسلامي فيها.
هذه الأدلة على أن السعودية المصدر الأول لتمويل للإرهاب
يقول المسؤول الأميركي السابق "يستحق الوزيران تيلرسون وماتيس أن يُنسَب إليهما فضلٌ خاص. فقد ساعدا، بتجاهلهما لحماس ترامب الذي أساء التوجيه تجاه النظام الملكي السعودي، على إعادة تحويل انتباه الرأي العام إلى الرياض وأبوظبي. إذ لم تُظهِر أيٌّ من الدولتين اهتماماً كافياً بقطع تمويل الإرهابيين".
فعلى سبيل المثال، في برقيةٍ طويلة تعود إلى 30 ديسمبر/كانون الأول 2009، نشرها موقع ويكيليكس، انتقدت وزارة الخارجية الأميركية قطر والإمارات، لكنَّ انتقاداتها الأشد وُجِّهت للسعودية: "يُمثِّل الأمر تحدياً مستمراً من أجل إقناع المسؤولين السعوديين بالتعامل مع تمويل الإرهاب النابع من السعودية كأولوية استراتيجية"، وعلاوة على ذلك، "يُشكِّل المُتبرِّعون في السعودية المصدر الأهم لتمويل المجموعات الإرهابية السُنّية في مختلف أنحاء العالم".
والمملكة "تبقى قاعدة دعمٍ مالي مهمة لتنظيم القاعدة" وغيره من التنظيمات الإرهابية. وعلى الرغم من سياسات الرياض، "تواصل المجموعات (السعودية) إرسال الأموال إلى الخارج، وفي بعض الأحيان تُموِّل التطرُّف في الخارج".
الوهابية
يقول الكاتب "إذا كانت السعودية والإمارات تهتمان بشأن الإرهاب، فإنَّ عليهما أن تبحثا في الداخل أولاً. وأن تُوقِف الرياض تمويل الوهابية، وهي تعاليم إسلامية مُتعصِّبة تُشوِّه من يؤمنون بعقائد مُختلفة.
وربما تكون تبعات هذا التمويل أطول أمداً من المدفوعات التي تُوجَّه للمجموعات الإرهابية ويكون تأثيرها قصير الأمد.
ونقل عن المُحلِّل النرويجي المتخصص في شؤون مكافحة الإرهاب توماس هيغهامر، قوله: "لو أنَّ إصلاحاً إسلامياً كان ربما ليحدث في القرن العشرين، فإنَّ السعوديين على الأرجح قد منعوه بتعزيزهم للحَرفية (في التفسير)".
ونبَّه ويلسون إلى أنَّ "مجموعة متزايدة من الدلائل قد ظهرت وتشير إلى التأثير الكبير الذي لعبه التمويل الأجنبي فيما يتعلَّق بدفع التطرُّف الإسلامي في بريطانيا والدول الغربية الأخرى".
لماذا ينزعجون من قطر؟
حسب الكاتب فإن الأمر الذي يُزعِج السعودية والإمارات حقاً هو دعم الدوحة لمجموعات المعارضة. فعلى سبيل المثال، تخشى كلٌ من الرياض ومصر من جماعة الإخوان المسلمين، التي تطرح فلسفة حياة جدية، ولا تروِّج للإرهاب، حسب تعبيره.
والعائلة السعودية المالكة ليست في مأمنٍ لأنَّ النظام الملكي الكلبتوقراطي (حكم اللصوص) والشمولي لا يحظى بقبولٍ يُذكَر لدى أي أحدٍ بخلاف بضعة آلاف من الأمراء الذين يعيشون في بذخٍ على حساب الآخرين كلهم. وعلى نحوٍ مشابه يأتي المطلب السعودي الإماراتي لإغلاق قناة الجزيرة، التي وجَّهت انتقاداتٍ لكلا النظامين.
وترغب الرياض أيضاً في تجنيد كل جيرانها في حملتها لعزل إيران، ومع ذلك لم تُمارِس أي ضغطٍ على الإمارات التي، شأنها شأن قطر، تحتفظ بعلاقاتٍ مع النظام الإسلامي هناك.
وعلى أي حال، سيكون من الأفضل كثيراً الترويج لتغييرٍ طويل الأجل من خلال الاستمرار في اجتذاب الشعب الإيراني غرباً في مواجهة النخب الإسلامية. ومن خلال اضطلاع الدوحة بدور المضيف لمجموعاتٍ متنوعة بقدر طالبان وحماس، فإنَّها في حقيقة الأمر قد جذبت منظماتٍ مثيرة للجدل بعيداً عن حكومات أكثر تطرُّفاً، مثل الحكومة الإيرانية، ومكَّنت الغرب من الحصول على تواصل غير رسمي مع مجموعاتٍ هو رسمياً على خلافٍ معها، مثل طالبان.
لقد زرعت الرياض وأبوظبي الريح، والآن سيحصد الخليج بأكمله العواصف. فهجومهما على قطر سيُزعزِع الشرق الأوسط بصورةٍ أكبر، ويزعج العديد من أقرب حلفاء واشنطن.
وقد انتهى المطاف بالسعوديين والإماراتيين في مأزقٍ عالمي، وعزلوا أنفسهم أكثر مما عزلوا قطر. وليس لدى الأخيرة دافع يُذكَر للخضوع، بينما ستواجه الأولتان إهانةً مُثخنة إذا تخليتا عن مطالباتهما. وتتوقَّع الحكومات الأخرى على نحوٍ متزايد أن تكون هناك أزمةً طويلة. وتنبَّأ الوزير تيلرسون بأنَّ "الحل النهائي قد يستغرق بعض الوقت".
ولن يفيد ذلك أحداً، سوى إيران ربما. فلن يفيد قطر، ولا الولايات المتحدة، وبالتأكيد لن يفيد السعوديين والإماراتيين.
وليس باستطاعة الولايات المتحدة أن تفرض تسويةً على حلفائها المثيرين للمشكلات. لكنَّ واشنطن بإمكانها أن تُسلِّم أنَّه "لا توجد أيد نظيفة هنا"، كما نبَّه مُتحدِّثٌ باسم الخارجية الأميركية مؤخراً. ويجب أن تُحمِّل إدارة ترامب مسؤولية الأزمة الحالية لمن يجب أن يتحمَّلها، الرياض وأبوظبي. ويجب أن تكونا هما الدولتان اللتان تُعاقَبان بالعُزلة الدولية.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/08/01/story_n_17649446.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات