الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

متى نصر الله؟! "1"

متى نصر الله؟! "1"

منذ قدومي لبلاد الدنمارك لفت انتباهي الفارق الكبير بين الليل والنهار في فصلي الصيف والشتاء.

ما زلت أذكر أول ليلة قضيتها في هذه البلاد وأنا أنظر من النافذة المطلة على حقل كبير؛ حيث الأفق ممتد والسماء صافية.

كانت عقارب الساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل، والقمر قد توسط السماء محمراً كقطعة من المرمر.. هكذا بدا لي، فإذا بصديق دنماركي يقول لي: (إنها بقايا من ضياء الشمس وقد صبغت قمرنا بهذا اللون يا زيدان.. ضياء الشمس لا يكاد يغادر سماءنا في الليل طوال أشهر الصيف).

من وقتها وأنا أرقب حركتي الليل والنهار على مدار العام.

نهار طويل جداً في الصيف، وقصير جداً في الشتاء.. غروب شمس ما بعد العاشرة مساءً صيفاً مع شروق شمس يقارب التاسعة صباحاً شتاءً.

تذكرت آيات اختلاف الليل والنهار في القرآن الكريم، وأن الله -سبحانه وتعالى- ذكر أنهما آيتان من آياته في الكون، فكان الفارق البيّن بين الليل والنهار في هذه البلاد في ذاته آية بالنسبة لي.

لكن بتعاقب السنين تبين لي أمر آخر: ذروة الصيف (من حيث درجات الحرارة) هي في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، ذروة الشتاء هي في شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني.

تأملت فوجدت أن في ذروة الصيف في البلاد الإسكندنافية (آواخر شهر يونيو) يبدأ الليل في الازدياد، وفي ذروة الشتاء (في آواخر شهر ديسمبر) يبدأ النهار في الازدياد.

كما لو كان (أن في ظاهر الأمر يبدو الصيف في أوج مجده وعنفوانه بدرجات حرارة مرتفعة، لكنه من الباطن يحتضر بزيادة مدة الليل تدريجياً)، والأمر كذلك بالنسبة للشتاء.

هل وصلتكم الفكرة؟!

أي لا تغتر بما تراه أمام عينيك من علو وازدهار (سواء للحق أو للباطل)؛ لأن حقيقة الأمور تكون عادة مختلفة.

إذا قال أحدهم: ولماذا هذا الربط بين الليل والنهار وبين الحق والباطل؟

السبب في ذلك هو أمران:

السبب الأول: هو أن هذا التناقض بين ظاهر الأمر وباطنه يتشابه عندي بين افتتان الناس بعلو الظلم (أو حتى بعلو الحق) فينخدعون بظاهر الأمر، وحينئذ يظهر السؤال المتكرر على مر العصور: (متى نصر الله؟).
وهذا يأتي جلياً في آية سورة البقرة:
"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: 214).

لاحظتم معي (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا...) قمة وذروة التضييق، لكن النصر قريب؛ لأن باطن الأمور مختلف تماماً.

أما السبب الثاني فهو في أن آيات الليل والنهار في القرآن الكريم غريبة جداً.

لقد قمت ببحث بسيط عن آيات القرآن التي ذكر الله فيها الليل والنهار فوجدت أمراً عجيباً، وجدت أن آيات (يولج الليل في النهار) هي خمس (على حسب بحثي البسيط) والسياق الذي ذكرت فيها هذه الخمس آيات تتكلم جميعها عن الملك وعن الحق والباطل.

1- آيه آل عمران:
"تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (آل عمران:27)
فماذا قالت الآية السابقة لها؟!
"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران: 26).

2- آية سورة الحج:
"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (الحج: 61).
ماذا عن الآية اللاحقة:
"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" (الحج: 62).

3- آية سورة لقمان:
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (لقمان: 29).
ثم الآية التالية:
"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" (لقمان: 30).

هل لاحظت التطابق العجيب بين كل من آيتي الحج ولقمان؟!

4- آية سورة فاطر:
"يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ" (فاطر: 13).
ختام الآية يتحدث أيضاً عن الملك.

5- أخيراً آية سورة الحديد:
"يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" (الحديد: 6).
والآية السابقة:
"لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" (الحديد: 5).

هل لاحظتم الربط بين الأمرين؟!
سبحان الله!

هناك سؤال آخر فرض نفسه بعد هذا الربط: كيف يزول الظلم؟ وكيف يختفي الحق؟
أي ماذا يحدث حتى يزول الباطل؟ وما هي مقدمات زوال الحق؟
هذا ما سوف أتطرق له -إن شاء الله- في الجزء الثاني من هذه التدوينة.

الله أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يستخدمنا ولا يستبدلنا.. آمين.
والله الموفق وله الأمر كله.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-h-zedan/-_13383_b_18031426.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات