الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

الانتخابات الألمانية قد تجعل اللاجئين أفراداً من الدرجة الثانية.. لماذا يؤيد بعضهم منافس ميركل التي استقبلتهم؟!

الانتخابات الألمانية قد تجعل اللاجئين أفراداً من الدرجة الثانية.. لماذا يؤيد بعضهم منافس ميركل التي استقبلتهم؟!

قبل عامين، كان خالد طبنجة في طريقه لأن يصبح لاجئاً، في رحلةٍ يائسة من وطنه سوريا قبل أن يجد الأمان في ألمانيا، حيث فتحت المستشارة أنجيلا ميركل أبواب البلاد لطبنجة ولأكثر من مليون لاجئ آخر.

واليوم، يؤكد الشاب البالغ من العمر 26 عاماً، لمن له حق الانتخاب في شرق ألمانيا التي كانت خربة في السابق والآن تمت إعادة إحيائها من جديد، على ضرورة التصويت لخصم ميركل في الانتخابات يوم الأحد 24 سبتمبر/أيلول 2017، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.

ما زال طبنجة يحاول التأقلم مع حريته الجديدة، بعد أن غادر البلد الذي قد يُعتقل أو يُعذَّب أو يُقتَل فيه إذا ما شارك في السياسة.

ويقول طبنجة، وهو شابٌ نحيفٌ وأنيق ورقيق الصوت يتعلَّم الألمانية: "لا يُمكنك حتى المقارنة. فهنا توجد ديمقراطية". وتابع: "فحتى وإن لم يكن لك حق التصويت، يمكنك الإدلاء برأيك. وحتى وإن كنت لاجئاً، فبإمكانك أن تكون نَشِطاً سياسياً".

لكن هؤلاء قلائل. فنادراً ما ستجد لاجئين يشاركون في السياسة، ففي حملةٍ جعلت اللاجئين موضوعاً ساخناً للنقاش -بصورةٍ سلبية في معظم الوقت- نادراً ما يُسمَع صوتٌ لـ1.4 مليون لاجئ قدموا إلى ألمانيا منذ الانتخابات الأخيرة قبل أربع سنوات.

لا يشعر الكثيرون بضرورة المشاركة السياسية ولا يرحبون بها؛ إذ أنَّهم في هذا البلد بلا جنسية، وبلا حق في التصويت، علاوة على أنَّهم يناضلون من أجل إيجاد مكانٍ لهم في تلك الأرض الجديدة، بعدما غادروا بلادهم التي تصاعد فيها التوتر بين القادة المستبدين والمواطنين المضطهدين إلى أن شُنَّت الحرب.

لكنَّ السؤال هو ما إذا كان انخراط الوافدين الجُدد في الديمقراطية الألمانية بنهاية المطاف قد يساهم في تحديد ما إذا كانوا سيندمجون بنجاحٍ في المجتمع أم أنَّهم سيظلون على الهوامش.



درجة ثانية كالأتراك





ويقول الخبراء إنَّه بغياب دورٍ سياسي نشطٍ لهم، يمكن أن تنحدر موجة الوافدين، التي اجتاحت أوروبا في أواخر عام 2015 وبدايات عام 2016، إلى وضعيةٍ طويلةٍ ممتدة كألمان من الدرجة الثانية.

ووفقاً لما ذكره تيم مولر، وهو عالم اجتماع في معهد برلين لأبحاث التكامل والهجرة، فإنَّ ذلك صحيحٌ بالنسبة للأجيال السابقة من المهاجرين، الذين لطالما ظلوا مُمثَّلين تمثيلاً ناقصاً في قوائم الاقتراع، وعضوية الأحزاب، وأيضاً فيما يتعلَّق بالمسؤولين المُنتخبين من بينهم.

كما يقول تيم أيضاً إنَّه اعتباراً من الستينيات، دعت ألمانيا العمال من تركيا ومختلف أنحاء جنوب أوروبا لملء الفراغ في سوق العمل.

ونظراً لاعتقادهم بأنَّ وجود تلك العمالة في ألمانيا هو أمرٌ مؤقت، لم تفعل الدولة شيئاً يُذكَر لجعلهم يشعرون بأنَّهم جزءٌ من المجتمع الألماني. وبعد عشرات السنين، ها هي ألمانيا تعاني من أجل دمجهم في المجتمع، وهو النمط الذي يُصرّ المسؤولون على عدم إمكانية تكراره.

وقال ديرك هيلبرت، عمدة درسدن: "لدينا الآن فرصة للتعلم من أخطاء الماضي".

وتابع قائلاً إنَّ صُنَّاع القرار ركّزوا هذه المرة على ضمان تَعَلُّم طالبي اللجوء اللغة الألمانية، والحصول على وظائف، وتجنُّب التكتّل في غيتو للمهاجرين في مدنٍ أو أحياءٍ أو مبانٍ بعينها.

وأضاف أيضاً إنهم يتلقون تعليماً في أساسيات التربية المدنية الألمانية.

ولكن من وجهة نظر مولر، ذلك ليس قوياً بما فيه الكفاية، ولم يتم إيلاء سوى القليل من الانتباه لقضية إدماج اللاجئين في الديمقراطية الألمانية.

وقال: "لقد ركَّز النقاش على سؤال: 'كيف يمكننا التأكد من مغادرة الكثير منهم عندما تنتهي الأزمة؟'، بدلاً من سؤال: 'كيف يمكننا أن نجعلهم مواطنين؟".



يجب أن يرحلوا جميعا





لم تقدم دعايا الحملة الانتخابية لهذا العام أي إغراء للوافدين الجدد من أجل الانخراط في المجتمع؛ إذ نُوقِشَ أمر اللاجئين باعتباره تهديداً أو عبئاً بدلاً من كونه فرصةً لتلك البلد التي شاخت وأصبحت في حاجةٍ إلى العمال والشباب.

وبينما دافعت ميركل عن قرارها بالسماح للاجئين بالمجيء، قالت أيضاً إنَّ ألمانيا لن تقبل أعداداً كبيرة من القادمين الجدد مرة أُخرى في أي وقتٍ قريب.
وتتفق هي وزعيم الحزب المنافس لها، مُرشَّح الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز، على ضرورة تسريع وتيرة عمليات ترحيل أولئك الذين رُفِضَت طلبات لجوئهم.

ويقول الحزب الذي يحتل المرتبة الثالثة في ألمانيا، حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، إنَّ حتى أصحاب طلبات اللجوء القانونية يجب أن يُرحّلوا، جزئياً لأنَّ القادمين الجدد المسلمين في غالبيتهم لا ينسجمون مع الثقافة الألمانية.

وقالت أنكا فيلمز، إحدى المُرشَّحات عن حزب البديل من أجل ألمانيا فى درسدن: "لا أعتقد أنَّ الناس من الدول الإسلامية مستعدون للاندماج والمساهمة في المجتمع هنا".

وكثيراً ما يستخدم الحزب خطاباتٍ لاذعة لمهاجمة المهاجرين وأبنائهم؛ وقد اقترح نائب زعيمة الحزب ألكسندر غاولاند مؤخراً أن يتم "التخلص من" أيدن أوغوز، مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج وإحدى السياسيات الوطنيات القلائل المعروفات من ذوي الأصول المهاجِرة، إلى تركيا.



مثليون ومناخ معاد





وفي مدينة طبنجة الجديدة، دريسدن، كان المناخ السياسي معادياً للاجئين بقوة.

إذ احتشدت حركة بيغيدا، أو وطنيون أوروبيون ضد ما يوصف بأسلمة الغرب، المناهضة للمسلمين والمهاجرين، في وسط المدينة كل يوم إثنين على مدار السنوات الثلاث الماضية. وبالرغم من أنَّ تلك التظاهرات، التي كانت تستقطب في الماضي عشرات الآلاف، قد وصل عدد أفرادها الآن لنحو 1500 فرد فقط، إلا أنَّها ما زالت تعكس عمق العداء لدى بعض سكان المدينة وأهالي الريف الساكسوني المحيط بها.

يدرك طبنجة تلك المشاعر. لكنَّه بجانب ذلك قد شَهِد أيضاً جانبا مختلفاً من تعامل ألمانيا مع اللاجئين، وهو الجانب الذي ألهم نشاطه السياسي.

فبعد وصول طبنجة إلى ألمانيا إثر فراره من سوريا، تعرَّض هو وشريكه لمضايقاتٍ من أقرانهما من طالبي اللجوء في ملجئهم بسبب كونهما مثليين.
وفي أعقاب طلب المساعدة من السلطات، هرب الرجلان بمساعدة سيدة ألمانية ذات شعر أحمر في أواخر الخمسينيات من عمرها، والتي صحبتهما إلى منزلها الريفي وأبلغتهما بإمكانية مكوثهما.

وكان ذلك قبل أسبوعٍ من معرفة طبنجة بأنَّ تلك المرأة هي سياسيّة بارزة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي والتي تشغل منصب وزيرة الهجرة والسكان في ولاية ساكسونيا الألمانية.

وتذكَّرت الوزيرة بيترا كوبينغ القرار الذي اتخذته هي وزوجها بإيواء الرجلين، قائلةً: "لقد كانت حالة طارئة، فلم يكن هناك الكثير من الوقت".

وقد فوجئ طبنجة، الذي كان يُخفي ميوله الجنسية عن عائلته وعن الناس، برد فعل كوبينغ عندما قال لها بحذر إنَّه وصديقه مثليان، وقد أخبرته بأنَّها تعلم ذلك بالفعل وأنَّه لا مشكلة في ذلك.

وقال: "لم يتخيل شريكي أنَّ ذلك قد يمر حقاً بلا مشكلات، وظل يسألها: أحقاً؟".

وفي الأيام الأولى لهما في منزلهما الجديدة، بالكاد ذهب طبنجة وشريكه إلى الخارج؛ إذ كانا قلقين من معاملة الجيران لهما. لكن عندما دعتهم كوبينغ إلى حضور الفعاليات السياسية التي يديرها حزبها، قرَّر طبنجة الانضمام.

ويعمل طبنجة، في الأوقات التي لا يمارس فيها عمله كنادل أو يتلقَّى دروساً في اللغة الألمانية، كمتطوع في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، في مكتب الحزب، ويوزّع منشوراته، ويتحدث مع زملائه اللاجئين عن سبب اختياره للحزب.



زواج المثليين





بالنسبة لطبنجة، ينحصر الأمر في قضيتين: دعم الحزب الديمقراطي الاشتراكي للاجئين، ولحقوق المثليين، بما في ذلك قانون الزواج من نفس الجنس، الذي مرَّره البرلمان الألماني هذا الصيف.

لكنَّه يؤكد أنَّه ليس ضد ميركل، التي لا يزال بعض اللاجئين يحترمونها لأنَّها كانت سبباً في دخولهم ألمانيا، كما أنَّ حزبها، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، هو أقوى المرشحين للفوز بانتخابات الـ24سبتمبر/أيلول القادمة.

وفي اجتماع عُقد مؤخراً للاجئين المثليين في درسدن، وقف طبنجة -ذو الشعر الداكن المصفف والجينز الذي به بعض التمزُّقات التي تساير أحدث صيحات الموضة- بجانب طاولة مفروشاً عليها علم قوس قزح، وجادل بأنَّ الحزب الديمقراطي الاجتماعي هو أفضل الأحزاب الموجودة على الساحة.

وقال إنَّ اللاجئين يجب أن يشاركوا فى السياسة حتى إن لم يتمكنوا من التصويت، لأنَّ مستقبلهم فى البلاد على المحك.

كما سعى إلى تقليل المخاوف بشأن ما يعنيه أن تكون جزءاً من حزبٍ معارض في ألمانيا، وهو مفهوم لا يوجد له مثيلٌ موازٍ في سوريا التي يحكمها المستبدون.

وقال طبنجة: "في بعض الأحيان، يتفق الحزب الديمقراطي الاجتماعي مع الحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وأحياناً لا يحدث اتفاق". وأضاف: "إنَّهما مختلفان فحسب".

وبعد نصف ساعة من محاولات طبنجة اللطيفة لإقناعهم، قال بعض المهاجرين المثليين إنَّهم لا يزالون متشككين في السياسيين وفي وعودهم.
وقالت سها التريكي، التونسية البالغة من العمر 20 عاماً، والتي لم تتمكن من الحصول على حق اللجوء: "لقد قيل لنا إنَّ كل هذه الحقوق لدينا". وأضافت "لكنَّها ليست كذلك".

وقال ربيع، وهو لاجئ لبناني لا يريد الإفصاح عن اسمه الأخير لأنَّ بعض أفراد عائلته لا يعرفون أنَّه مثلي الجنس، إنَّه مهتم بالـ"مرح، والموسيقى، والاستمتاع بالحياة" في ملجئه الجديد أكثر كثيراً من التورُّط في شؤون السياسة الفوضوية.

ولكن بعد أن سمع كلام طبنجة، قال إنَّه سيلتفت إلى ذلك الأمر امتناناً للبلد الذي منحه الفرصة للحصول على بدايةٍ جديدة. وقال: "ألمانيا فتحت ذراعيها لنا".


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/19/story_n_18038506.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات