الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

ترامب بالأمم المتحدة.. يتحدَّث عن السلام بالشرق الأوسط دون أفعال.. أزمة أخرى بالمنطقة لديه فرصٌ أكبر لحلِّها

ترامب بالأمم المتحدة.. يتحدَّث عن السلام بالشرق الأوسط دون أفعال.. أزمة أخرى بالمنطقة لديه فرصٌ أكبر لحلِّها

"لن يفعل دونالد ترامب مثل سلفه أوباما"، ولكنه سيحاول لعب دور صانِع السلام في أول ظهورٍ له في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، غير أنه سيتجنب على ما يبدو القضية التي استنفد فيها الرؤساء الأميركيون تاريخياً طاقتهم ونفوذهم في التجمُّعات الدبلوماسية الشبيهة دون نتيجة.

فبدلاً من السعي لإحياء مفاوضات السلام المحتضرة بين إسرائيل والفلسطينيين – كما فعل سلفه باراك أوباما في أول اجتماعاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة – سيخوض ترامب على الأرجح مرةً أخرى في الخلاف الضاري بين قطر وجيرانها الخليجيين، وفقاً لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.



أولويات ترامب





ويبرهن تركيز ترامب على منطقة الخليج بدلاً من الشام على الظروف القاتِمة المزمنة المحيطة بالتوصُّل لاتفاق سلامٍ إسرائيلي – فلسطيني، وأيضاً للدور المتناقص الذي تلعبه عملية السلام في جغرافيا الشرق الأوسط السياسية، وللأولويات الأخرى لهذا الرئيس في المنطقة.

فقال مارتن إنديك، المبعوث الخاص الذي قاد آخر جهود الرئيس أوباما للتوسُّط من أجل اتفاق سلامٍ بين إسرائيل والفلسطينيين: "إذا كانوا يريدون تسوية المشكلة، فإنَّ عليهم مواصلة المفاوضات" مع الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأضاف: "وما لم يكن ترامب مستعداً لإرغام البعض على التعاون، فلن يكون أمامه الكثير ليفعله في هذه الحالة".



الخليج





وبينما تمسَّك ترامب بأمل تحقيق السلام – وقد أثاره من جديد قبل لقائه الإثنين، 18 سبتمبر/أيلول 2017 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – خصَّص وقتاً أكثر كثيراً لتعزيز التحالفات مع ممالك الخليج المسلمة السُنِّية، كسبيلٍ لمواجهة إيران.

وتسبب هذا من الخصومة المُتقيِّحة في الخليج صداعاً أكثر إلحاحاً بالنسبة له من العداء الممتد لعقود بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
فقبل 10 أيام، انتهت جهود ترامب لتسوية الخلاف، عن طريق مكالمةٍ هاتفية ثلاثية مع قادة قطر والسعودية، إلى الفشل.

وسيلتقي في وقتٍ لاحق من هذا الأسبوع الأمير القطري، تميم بن حمد آل ثاني، فضلاً عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يُعَد هو الآخر طرفاً في الخلاف. وقال مسؤولون في الإدارة إنَّ ترامب على الأرجح سيستمر في محاولة إنهاء الخلاف.



غياب بن سلمان





ويواجه ترامب أيضاً معركةً شاقة للتوفيق بين قطر وجيرانها.
فولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لن يأتي للأمم المتحدة، حارِماً بذلك ترامب من فرصة وضعه هو وأمير قطر في الغرفة نفسها.
لكنَّ محلِّلين يقولون إنَّ لدى ترامب نفوذاً على قادة الخليج أكثر مما لديه على الإسرائيليين أو الفلسطينيين.

فقال دينيس روس، الذي عَمِل على قضايا الشرق الأوسط مع العديد من الرؤساء: "يريدنا السعوديون أن نبقى في المنطقة ونتصدى للتوسُّع الإيراني واستخدام الميليشيات الشيعية. ولذا إذا استطعنا إظهار أنَّنا أثَّرنا على القطريين، فإنَّهم لن يقولوا لا لما نصنعه".



"أم الصفقات"





وقال روبرت دانين، الزميل البارز في دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية: "السلام في الشرق الأوسط أمرٌ مرغوب فيه لأنَّه "أم" كافة الصفقات الدبلوماسية. لكنَّ الصراع الجاري في الخليج يُضرَ بمصالح الولايات المتحدة بصورةٍ آنية أكثر".

وكما أوضح ترامب مع نتنياهو، لا تزال جاذبية اتفاق سلامٍ تاريخي قوية. فبينما أبقى رئيس الوزراء الإسرائيلي تركيزه على "الاتفاق النووي الذي يعتبره مُريعاً مع إيران"، تحدَّث ترامب بشكلٍ موسَّع عن اتفاق سلام كما لو كان احتمالاً حقيقياً، وهو ما فاجأ الإسرائيليين بعض الشيء.

إذ قال الرئيس ترامب: "سيكون إنجازاً رائعاً. ونحن نحاول تحقيقه بصورةٍ مطلقة. أعتقد أنَّ هناك فرصةً جيدة لإمكانية حدوثه، رغم أنَّ معظم الناس سيقولون إنَّه لا توجد أي فرصة لذلك".

ونقل راديو "سوا" الأميركي، عن ترامب، قوله - خلال مؤتمر صحفي عقده فى نيويورك - إن بلاده تبذل كل الجهود الممكنة لحل الخلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وأضاف "إن السلام بين الجانبين سيكون إنجازاً رائعاً، وأعتقد أن هناك فرصة جيدة لحدوثه، معظم الناس يقولون إن هذا لن يحدث أبداً، تاريخياً يقول الناس إن السلام فى الشرق الأوسط لن يحدث، وأنا أقول إنه سيحدث".



خفضوا سقف توقعاتكم





لكنَّ حماسة ترامب تلك لا تتشابه بصورةٍ تُذكَر مع الدبلوماسية الفعلية الجارية هنا. فقد حاول المسؤولون الأميركيون بجدٍ تخفيض سقف التوقُّعات بالنسبة للجمعية العامة. فهم لا يعتزمون دفع أيٍّ من الإسرائيليين أو الفلسطينيين للالتقاء، ولا يعتزمون أيضاً طرح أي أفكارٍ جديدة لكسر حالة الجمود بين الطرفين. كما لن يجري ترامب اجتماعاً ثلاثياً مع نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مثلما فعل أوباما في سبتمبر/أيلول 2009.

وقال براين هوك، مدير تخطيط السياسات لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون: "هذه مراحل مبكرة للغاية. ولا يجب علينا بعد أن نتوقَّع حدوث اختراقاتٍ كبيرة أو تقديم مقترحاتٍ تفصيلية".


وقال هوك إنَّ ترامب ونتنياهو كرَّسا مقداراً "مُنصِفاً" من الوقت لعملية السلام، لكنَّ الجزء الأكبر من محادثتهما كان مُتعلِّقاً بالاتفاق النووي وكيفية التصدي للاعتداءات الإيرانية في سوريا والمناطق الأخرى.

وفي الأيام الأخيرة، شنَّت الولايات المتحدة وإيران حرباً كلامية بشأن الاتفاق النووي، واتهمتا بعضهما بانتهاك روح الاتفاق، إن لم يكن انتهاك الاتفاق عملياً. وكان نتنياهو قد عارض الاتفاق بشدة، ولا يزال يؤجِّج المعارضة له.



هذا ما فعله أوباما





وكانت أوجه الاختلاف لدى ترامب مع أولى الجمعيات العامة لأوباما جلية. فقد استغلَّ الأخير اللقاء لإعطاء دفعةٍ للعملية التي شعر أنَّها متثاقلة بعد ثمانية أشهر في منصبه. وبعدما التقى أوباما بكل قائدٍ منهما (نتنياهو وعباس) على انفراد، أشرف على مصافحةٍ مشتركة مترددة بينهما.

وقال أوباما نافذ الصبر آنذاك: "لا يمكننا مواصلة نفس النمط المتمثل في اتخاذ خطواتٍ وقتية إلى الأمام ثُمَّ التراجع بعد ذلك عنها. إنَّ النجاح يعتمد على عمل كافة الأطراف وهم يشعرون بإلحاح الوضع".

وللتأكيد على وجهة نظره، اختار أوباما إلى وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، والمبعوث الخاص جورج ميتشل، وقال إنَّه يُوجِّههم للبناء على حالة الزخم التي تحقَّقت في الأمم المتحدة. وفي النهاية، آلت جهود أوباما إلى الفشل.

وقد اختار ترامب صهره، جاريد كوشنر، وأحد محاميه، جيسون غرينبلات، لقيادة مفاوضات السلام، وهو ما رأى الكثيرون فيه إشارةً على التزامه بعملية السلام. لكنَّه لم يذكر أيَّاً منهما الإثنين في تصريحاته مع نتنياهو.

وكانت آخر مرة سافر فيها الرجلان، برفقة مسؤولةٍ أميركيةٍ بارزة أخرى، هي دينا باول، للمنطقة في أواخر شهر أغسطس/آب 2017 ، وزاروا العديد من البلدان العربية قبل أن يصلوا إلى القدس والضفة الغربية.
ولم يكن ثمة تقدم محسوس باتجاه المحادثات، وكان أكبر إنجازاتهم، استناداً لكافة المقاييس، هو إثناء الفلسطينيين عن التخلِّي عن العملية.



لماذا ستفشل جهوده؟





إذا كان أي شيءٍ قد حدث منذ تولِّي ترامب منصبه، فهو أنَّ ظروف التوصُّل لاتفاق سلامٍ قد تدهورت. فنتنياهو خاضِعٌ لتحقيقات فساد ويواجه إدانةٍ محتملة، ويُستبعَد بصورةٍ كبيرة أن يستعدي تحالفه اليميني عبر القيام بمخاطرةٍ بشأن التوصُّل لاتفاق سلام.
أمَّا عباس، البالغ 82 عاماً ويقترب من إنهاء مسيرته، فيبدو منشغلاً بالخلافات داخل حركة فتح أكثر من عقد اتفاقٍ مع نتنياهو.

وكان هناك بصيص أملٍ في الأخبار يوم الإثنين بأنَّ حركة فتح، التي تدير الضفة الغربية، وحركة حماس، الحركة الإسلامية المسلحة التي تدير قطاع غزة، يمضيان قدماً بخطةٍ من أجل حكومة وحدةٍ فلسطينية تقودها فتح. لكنَّ اتفاقاتٍ كتلك قد أُعلِنت من قبل، فقط لتنهار بعدما يعجز الطرفان عن التوافق بشأن نقل السلطة.

وقال بعض مسؤولي الإدارة إنَّ استخدام اجتماعات الأمم المتحدة لمحاولة فرض المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد يعود بنتائج عكسية لأنَّ المحادثات ستكون محتومة بالفشل، وهو ما من شأنه أن يُغذي التهكم بشأن عملية السلام الأوسع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/19/story_n_18038412.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات