الاثنين، 18 سبتمبر 2017

عارض الإخوان ثم اعتقل بتهمة الانضمام إليهم.. حقوقي مصري يروي شهادته عن أيام "الدماء والكهرباء"

عارض الإخوان ثم اعتقل بتهمة الانضمام إليهم.. حقوقي مصري يروي شهادته عن أيام "الدماء والكهرباء"

بدأ كابوس "حسين" في الساعات المبكرة من يوم 17 يونيو/حزيران 2017، عندما كسر طرقٌ مفاجئ على الباب الصمت في منزل عائلته بقرية كفر حمزة شمال القاهرة. أجابت والدته لتجد أكثر من 50 ضابطاً ورجل أمن مدججين بالسلاح ينتظرون بالخارج.

طارق حسين، الشهير بـ"تيتو"، هو محامٍ حقوقي يبلغ من العمر 24 عاماً كانت الشرطة المصرية قد اختطفته مؤخراً واحتجزته بصورةٍ غير قانونية، وتحدَّث عن تجربته التي مر بها على يد وزارة الداخلية المصرية، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

يروي الناشط المؤيد للديمقراطية والذي اشتهر بعد أنَّ سُجِنَ أخوه المراهق دون تهمة لأكثر من عامين لارتدائه تيشيرتاً كُتِبَ عليه "وطن بلا تعذيب"، قائلاً إنه طلب من الضابط رؤية أمر الاعتقال الصادر بحقه، ولكن الضابط أجابه بالقول "أنت تعلم أنَّ الأمور لم تعد تسير بهذا الشكل حاليّاً".

اختفى حسين بعدها في متاهةٍ كابوسية من البيروقراطية القانونية والعنف الممنهج لـ42 يوماً. ونُقِل في ذلك الوقت بين العشرات من أقسام الشرطة، والزنازين، والمحاكم في شمال مصر، وفي معظم الأحيان لم تكن أسرته تعلم بمكان تواجده.

وقال حسين: "إن كنتَ تحلُم بتغيير مصر إلى الأفضل، وبالعيش في بلدٍ يسوده القانون ويُمنَع فيه العنف غير القانوني من قبل الدولة، فهناك ثمنٌ لتحقيق ذلك. هذا النظام يعتقد أنَّ الكفاح من أجل حقوقك هو جريمة، لكنَّ الجريمة الحقيقية هي ما يجري داخل سجون مصر".




التهمة الجاهزة






خلال احتجازه، استجوبته السلطات مراراً بشأن أفكاره حول ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، وعلاقته برموزٍ بارزة في المعارضة المصرية، ومقالاتٍ كان قد كتبها لمنظمات حقوقية دولية. ولم يُبلَغ في البداية بالتهم المُوجَّهة إليه، ومُنِعَ من التواصل مع محاميه.

وعندما مَثَل أخيراً أمام النيابة، اتُّهِمَ بالتحريض على الدولة والانضمام لجماعةٍ محظورة؛ جماعة الإخوان المسلمين.

كانت هذه التهمة بعينها عبثية نظراً لأنَّ حسين كان معارضاً بارزاً للإخوان أثناء فترة رئاسة الرئيس المصري السابق محمد مرسي.

أمر قاضٍ في وقتٍ لاحق بإطلاق سراح حسين مقابل كفالة، ولكنَّ ضباط الأمن تجاهلوا الأمر القضائي، وزعموا أنَّ حسين متهمٌ في عدة قضايا في مناطق مختلفة في جميع أنحاء مصر.

وتضمنت القضايا المزعومة جرائم مثل البناء دون ترخيص وتزوير الشيكات، وهي جرائم من المفترض أنَّها ارتُكِبَت في مدنٍ لم يزرها حسين من قبل، ونُفِّذَت عندما كان لا يزال طفلاً.

وقال حسين إنَّه احتُجِزَ على مدار الأسابيع التالية في مواقع مختلفة، أحياناً في الحبس الانفرادي، وأحياناً أخرى في زنزانةٍ مكتظة بالنزلاء بها نحو 150 سجيناً آخر، أو في سيارة شرطة مكتظة متوقفة بالخارج في الشارع تحت حرارة شمس الصيف الحارقة.

وعندما ساءت حالته الصحية وبدأ يتقيأ دماً، لم تُوفَّر له الرعاية الطبية اللازمة. وأخبروه أنَّه حُكِمَ عليه بالسجن لمدة عام، لكن لم يخبره أحدهم بالجريمة التي ارتكبها.




أسوأ مكان






وقال حسين إنَّ أسوأ تجاربه كانت في مركز احتجاز يُعرَف باسم سجن معسكر العمل بقرية بدر البحيرة غرب منطقة الدلتا.

وتحدث عن ذلك قائلاً: "من اللحظة التي وصلتُ فيها هناك، كان واضحاً أنَّ الإجراءات في ذلك السجن قاسية ووحشية".
أجبر الضباط الوافدين الجدد على خلع ملابسهم ومواجهة الحائط، لينهالوا على ظهورهم ضرباً بالخراطيم البلاستيكية.

ويقول حسين: "عبر الممر كان يمكنني سماع صرخات المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب وصوت الصدمات الكهربائية. وفي مقابلنا من الناحية الأخرى رأيتُ معتقلين قادمين تغطيهم الدماء".

وأضاف: "أنا محامٍ حقوقي، ومن المفترض أنَّ عملي هو الدفاع عن البشر من هذا النوع من الوحشية.. كانت هذه هي اللحظة التي أدركتُ فيها حقاً ما معنى أن تُكسَر".

وقال حسين بيومي، مسؤول الحملات ببرنامج مصر في منظمة العفو الدولية، إنَّ المحنة التي مر بها طارق حسين تعبر عن أزمة حقوق الإنسان الكبرى التي تجتاح مصر، حيث تفرض السلطات حالة الطوارئ، وتحظُر التظاهر دون ترخيص، وتحتجز عدداً من الصحفيين، وتراقب مئات المواقع الإلكترونية في حملةٍ لقمع حرية التعبير.

وأضاف بيومي: "استهدفت السلطات المصرية طارق لأنَّه يجرؤ على الدفاع عن ضحايا انتهاكات الدولة، ولأنَّه يجرؤ على التعبير عن آرائه بسلمية. والدرجة التي يصفها من سوء المعاملة والتعذيب مقلقة للغاية".




ضرب وكهرباء






يتهم حسين المسؤولين المصريين بمحاولة انتزاع اعترافاتٍ كاذبة من المعتقلين، وحرمانهم من الحصول على المشورة القانونية، وممارسة أساليب استجواب عنيفة تتضمن الضرب المبرح واستخدام الصدمات الكهربائية، وهو ما ينتهك الدستور المصري والقانون الدولي.

وتأتي شهادة حسين بعد أيامٍ من صدور تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش المُفصَّل، والذي يحذر من انتشار "وباء التعذيب" في مصر تحت حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي أصبح رئيساً للبلاد منذ 3 سنوات.

وقالت المنظمة إنَّ حجم ونطاق انتهاكات حقوق الإنسان في مصر "ربما يشكل جريمةً ضد الإنسانية".

ولكنَّ وزارة الخارجية المصرية استنكرت التقرير، ووصفته بأنَّه "واهٍ"، وأنَّه "محاولة متعمدة للتشهير بسمعة مصر".

وطلبت صحيفة الغارديان البريطانية من الحكومة المصرية الرد على اتهامات حسين المحددة بسوء معاملته أثناء الاعتقال، لكنَّها لم تحصل على أي ردٍ حتى وقت النشر.




معدل مقلق للاختفاء القسري






كانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت تقريراً العام الماضي قدََّرت فيه أنَّ معدل الاختفاءات القسرية في مصر ارتفع بشدة لدرجة أنَّ قوات الأمن أصبحت تختطف نحو أربعة مواطنين في اليوم وتحتجزهم بمعزلٍ عن العالم الخارجي.

والضحية الأخيرة لسياسة الاختفاء القسري هذه هو أحد زملاء تيتو في العمل الحقوقي، وهو المحامي إبراهيم متولي حجازي، مؤسس رابطة أسر المختفين قسرياً، والذي اختطفته السلطات المصرية منذ أسبوع بينما كان في طريقه لحضور مؤتمر الأمم المتحدة في جنيف حول الاختفاء القسري.

حجازي، والذي يواجه عقوبةً قد تصل إلى السجن لخمسة أعوام، مرتبطٌ كذلك بالتحقيق في قضية مقتل جوليو ريجيني، طالب الدكتوراه الإيطالي بجامعة كامبريدج، والذي اكتُشِفَت جثته في ضواحي القاهرة العام الماضي.

أما حسين فرغم خروجه من السجن، فإنه ما زالت هناك بعض القضايا ضده مفتوحةً، ويعلم أنَّه يمكن لقوات الشرطة طرق بابه مجدداً في أي وقت. ولكن، في الوقت الحالي، تعهَّد حسين بالاستمرار في عمله الحقوقي.

وقال عن ذلك: "قد يبدو ذلك رومانسياً، ولكن الاستمرار هو ما يضفي معنىً على هذه التجربة برمتها. مصر تستحق أكثر من ذلك".


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/18/story_n_18028204.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات