الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

وَلْيتَلطَّفْ

وَلْيتَلطَّفْ

هكذا نصح أصحاب الكهف صديقهم في تعامله مع أهل القرية، اللُّطف..
تلك الفضيلة التي أوشكت على الاندثار من معالم واقعنا الحياتي.

وبرغم كوننا في بلاد تكتظ بالمسلمين، فإن اللطف لم يعد له وجود في حياتنا اليومية.

ففي تجوالك في الشوارع أثناء روتينك اليومي تجد عراكاً بالأيدي على أسبقية المرور، وصياحاً شديداً على شباك تذاكر قطار الأنفاق، وإحداهن تلطمُ طفلها؛ لأنه يريد اللعب على عكس رغبتها، وربما أثناء اتفاقات الزواج تجد ما هو أشد من ذلك!

لم ننظرُ -نحن المسلمين- إلى التاريخ حيث يداعبُ الحبيب -صلوات ربي عليه- الطفل الصغير الذي طار عصفورُه، فيقول: "يا أبا عمير.. ما فعل النغير؟".

لم ننظر إلى رفق النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بمَن أساءوا إليه، ففي الحديث أن عوف بن الحارث كان ممن قاتل المسلمين مع قومه، حتى قام على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسيف، فقال: "مَن يمنعك منّي؟"، قال صلى الله عليه وسلم: "الله"، فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السيف، فقال له: "مَن يمنعك منّي؟

قال: "كن خير آخِذ". قال: "تشهد ألا إله إلا الله؟"، قال: "لا ولكن أعاهدك على ألا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك".
فخلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبيله، فجاء إلى أصحابه فقال: "جئتكم من عند خير الناس".. فتأمّل..

وكما نسينا ذلك نسينا وصاياه صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة: "لم يدخل الرفق في شيء إلا زانَه، ولم ينزع من شيء إلا شانه".
ويوم غاب الرفق واللطف.. يوم غابت الرحمة بيننا، فاستحققنا غياب رحمة الله، فالراحمون يرحمهم الرحمن.

ولم تغِب رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ولطفه ورفقه حتى عن الحيوان، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرَة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعَرِّشُ (ترفرف بجناحيها)، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (مَن فجع هذه بولدها؟، ردّوا ولدها إليها).

ولتنظر في أحوال التابعين، يوم كان اثنان منهما يسيران فانقطع حذاء أحدهما فخلع الآخرُ نعليه وأمسكهما.. فسأله الأول ماذا تفعل؟ فقال: "أشاركك في الحفاء"! ما ألطف هذا! أي قلوب كانت في صدور هؤلاء العابدين؟

نسينا أن من أسماء الله الحسني "اللطيف"، وهو الذي ييسر للعباد أمورهم ويستجيب منهم دعاءهم، فهو المحسن إليهم في خفاء وستر من حيث لا يعلمون.
كم مرة كادت سيارة أن تصدمك فلطف الله بك ونجاك؟
كم مرة ارتفعت حرارة ابنك الرضيع حتى أوشك على الموت فنجّاه الله لك؟
وكم مرة وفقك الله في امتحانك بلطفه وأنجحك مع كونك كنتَ مفرطاً؟

فإن كان الرب -جل جلاله- لطيفاً بنا أوَليس الأحرى بنا أن نتلاطف فيما بيننا؟ وأن يكون الرفق هو ديدن تعاملاتنا؟

فلا تسألوا عن ذهاب الغمة وتطور المجتمع واللحاق بركب الحضارات إلا بعد التشبع تماماً بمكارم الأخلاق.

ولا تُعَّول على خبراتك العميقة في النجاح في مقابلة عمل جديدة وقد تأففت في وجه أمك الحنونة قبل النزول لهذه المقابلة؟

ولا تتمنّ أن تُرزق بأولاد رفيقين بك إلا بعد أن ترفق بالناس.. ولا تزاحم الناس على طوابير النجاح إلا بعد مزاحمتهم على طوابير الأخلاق.. وليبدأ كل منا بنفسه، ولْنر أثراً طيباً بمشيئة الله تعالى.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/sabry-abdalla-zain/post_16008_b_18109602.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات