الخميس، 28 سبتمبر 2017

أشهر باحث عالمي متخصص بالشأن الخليجي: قيادة المرأة للسيارة قد تُفكك المجتمع السعودي إلى الأبد

أشهر باحث عالمي متخصص بالشأن الخليجي: قيادة المرأة للسيارة قد تُفكك المجتمع السعودي إلى الأبد

نشر أهم باحث أميركي عالمي متخصص في الشؤون السعودية، مقالاً على موقع معهد واشنطن الأميركي، يحذِّر فيه من أن الخطوة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويصفه بالمغامر إلى حد الخطورة، ربما تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، وتكون نتائجها كارثية بفكِّ التحالف التاريخي الذي قامت عليه الدولة السعودية، بين آل سعود وآل عبدالوهاب.

وقال سايمون هندرسون، هو زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج العربي، إن القرار الجديد من شأنه أن يُفضي إلى تآكل الهيكل الاجتماعي التقليدي السعودي.

واعتبر أن القرار، أو التنويه الصادر الثلاثاء، عن السماح للنساء في السعودية بقيادة السيارات أمرٌ غير عادي من الناحيتين الاجتماعية والسياسية. وهناك أيضاً بُعدٌ اقتصادي مهم: فحالياً، يشغل ما يُقدَّر بمليون رجلٍ أجنبي، معظمهم من جنوب آسيا والفلبين، وظائف القيادة للأسر السعودية. والآن، لن تُصبح العائلات في حاجةٍ إلى كثيرٍ منهم.

وقال شيخ سعودي الأسبوع الماضي، ربما توقعاً لأخبار الأمس، إنَّ حظر قيادة النساء للسيارات يجب أن يظل سارياً. وجادل بأنَّ النساء لا يمتلكن سوى نصف القدرات الذهنية للرجال؛ وحين يذهبن إلى التسوق تقل قدراتهن إلى "ربع عقل". وكانت الغضبة فورية، إذ حُظِرَ الشيخ من الإمامة، رغم أنَّه ما زال موظفاً بالحكومة على الأرجح.



ما الذي يجري في السعودية: إصلاح هنا وهناك أم تغيير شامل طال جذور المجتمع؟





ويرى هندرسون أن المجتمع السعودي يُوقِّر كبار السن، ويحترم رجال الدين، على الأقل في العلن. لكن كل هذا ربما يكون في طريقه إلى التغيير. إذ جاء قرار رفع الحظر يحمل توقيع الملك سلمان، لكن من الواضح أنَّ القوة الدافعة وراء القرار كانت ابنه، ولي العهد محمد بن سلمان. يحاول الشاب البالغ من العمر 32 عاماً تغيير وجه اقتصاد المملكة. ورؤية 2030، خطته الكُبرى التي أعلنها العام الماضي لجلب الاقتصاد والمجتمع السعودي إلى القرن الواحد والعشرين، تتخيل اقتصاداً بقاعدةٍ صناعيةٍ أوسع أقل ارتباطاً بالنفط. ويمتلك بن سلمان رؤى أقل محافظة بكثير فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية. إذ سمحت السلطات للنساء بحضور احتفالية بيوم استقلال السعودية في ملعب رياضي هذا الأسبوع. ويتضمن جزءٌ من خطته الاقتصادية تطوير المنتجعات السياحية على طول ساحل البحر الأحمر، جنة الغواصين. وستُبنى المنشآت طبقاً "للمعايير الدولية"، وهو مصطلح يفسره الكثيرون بأنَّه سيسمح ليس فقط بالحمامات المختلطة، بل أيضاً بارتداء البكيني وربما المشروبات الكحولية.

وقال إن "التغيير" كلمة تُستَخدَم بحذر في المملكة. وفي الماضي، كانت أي لمحة من التقدم يجري التستر عليها بكلمة "إصلاح". والسماح للنساء بالقيادة يحطم ذلك القالب، ويثير التساؤلات بشأن نجاح السياسة الجديدة.

في الواقع، لم يُطبَّق حظر القيادة أبداً بنسبة 100%. ففي ريف السعودية، تقود نساء القبائل السيارات منذ عقود، من أجل رعاية الحيوانات وأداء المهام الزراعية. وفي المدن، تسمح مجمعات المغتربين السكنية التي يعيش فيها كثيرٌ من الأجانب للنساء بقيادة السيارات، عالمين أنَّ الشرطة السعودية، أو الأسوأ، الشرطة الدينية، لا يُسمح لها بدخول البوابات. في حين سمحت شركة النفط السعودية أرامكو للنساء بالقيادة داخل مدنها الصغيرة المبنية على الطراز الأميركي، منذ كانت مملوكةً لشركات النفط الأميركية.

وأضاف: ربما يعود فضل هذه الفتوحات إلى ولي العهد محمد بن سلمان، لكنَّ الأرض كانت ممهدة جيداً. إذ واجهت نساء سعوديات شجاعات الاعتقال في احتجاجاتٍ جماعية منظمة منذ تسعينيات القرن الماضي على الأقل. وفي 2005، عادت القضية إلى الظهور حين حاورت الصحفية الأميركية باربرا والترز الملك عبد الله، الذي قال: "مع الوقت، أؤمن بأنَّ الأمر ممكن. وأؤمن بأنَّ الصبر فضيلة". ما أوقف الملك عبد الله حينها كان الأمير نايف، وزير داخلية الملك عبد الله وخصمه، الذي زعم أنَّ اليهود خططوا لهجمات 11 سبتمبر/أيلول. أما ابنة عبد الله، الأميرة عديلة، فكان معروفاً دعمها لقيادة النساء.



الآن بعد السماح للنساء بقيادة السيارة، ما الذي عليهن توقعه؟





السؤال الآن هو ما إذا كانت العائلة المالكة ستُصِر على قرارها. إذ ستمضي بضعة أشهر قبل أن تبدأ النساء في القيادة بصورةٍ قانونية سليمة. وسيتوجب عليهن طلب رخصة قيادة، ثم تلقي دروس تعليم القيادة كما هو مفترض. وربما سيتطلب الأمر نساءً في شرطة المرور السعودية كذلك. وهناك تفاصيل أخرى تستوجب التوضيح. هل تحتاج النساء إلى محرم من الذكور لتحصل على رخصتها؟ (سفير السعودية إلى واشنطن الأمير خالد بن سلمان قال بالأمس إنَّ ذلك لن يكون شرطاً). هل سيُسمح للنساء بالقيادة مع ذكرٍ لا تربطها به صلة قرابة في السيارة نفسها؟ هل يُمكن تجهيز النساء للانتظار؟



هل هذا يعني انتهاء دور المحافظين؟





في المجال السياسي الاجتماعي الأوسع -بحسب هندرسون- يحُد هذا الإجراء أكثر وأكثر من سلطة رجال الدين المحافظين، ذوي المكانة المؤسسية التي تتعرض حالياً لتهديداتٍ متزايدة. ويسبب الإجراء أيضاً تآكل الهيكل الاجتماعي التقليدي، الذي يحتل الرجال الأكبر سناً مركز القيادة فيه. فأن تتحدى المرأة كلمة والدها أو جدها في المنزل؛ فهذا شأنه. أما أن ينظر إليه المجتمع على أنَّه يفتقر بالكامل إلى احترام عائلته خارج المنزل، فهذا أمرٌ آخر.

ويرى هندرسون أن أسلوب قيادة محمد بن سلمان الصاعد هو مزيجٌ من الطاقة، والصراحة، والتباهي. أسلوبٌ مُغامر إلى حد الخطورة. كان محمد بن سلمان مهندس حرب اليمن بصفته وزير الدفاع المُعيَّن في 2015. وبعدها بأشهر، بعد ترقيته إلى منصب ولي ولي العهد، أعلن عن خطة رؤية 2030، وبرنامج بمدى أقصر تحت اسم برنامج التحول الوطني. وشهِد هذا الصيف الشقاق الدبلوماسي مع قطر، حين شعرت المملكة وحليفتها الإمارات بالاستفزاز من الاستقلالية الدبلوماسية لجارتهما الخليجية.

إلا أنَّ اليمن صار الآن مأزقاً كبيراً، وبرنامج التحول الوطني يجري تعديله بعد الاعتراف بأنَّ أهدافه كانت طموحة أكثر من اللازم، ووصلت الأزمة مع قطر إلى طريقٍ مسدود. في ظل هذه الظروف، ما فرصُ أن تمر مُبادرة قيادة النساء بسلام؟



إذاً، هل قيادة المرأة للسيارة ستُنهي التحالف بين آل سعود وآل عبدالوهاب؟





في الماضي، كان يُمكن وصف المملكة العربية السعودية بأنَّها تحالفٌ بين آل سعود وبين المؤسسة الدينية الوهابية. ويرجع تحالفهما إلى عام 1745، حين قرر محمد بن سعود، أحد قادة القبائل، التحالف مع شيخٍ يُدعى محمد بن عبد الوهاب، ليجمعا بين الإقدام في القتال والحمية الدينية من أجل السيطرة على شبه الجزيرة العربية وتطهيرها.

وصحيحٌ أن نفوذ الشيوخ تراجع على مرِّ الأعوام، لكن ما زال ملوك السعودية يعرفون أنَّ دورهم في خدمة الحرمين الشريفين أهم بكثير من الاضطلاع بقيادة العالم العربي أو تصدير النفط. ومن ثم نرى المجهود الهائل كل عام في سبيل تنظيم الحج، حين يتوافد ملايين المسلمين إلى أرض المملكة.

ويقول هندرسون: لقد تعلم الشيوخ المنحرفون عن المسار العام أنَّهم ليسوا آمنين من العقاب، حين اعتقلت الحكومة عدداً منهم في بداية الشهر، لأنَّهم لم يُعبِّرُوا عن كامل دعمهم للسياسة المناهضة لقطر. وترددت المؤسسة الدينية مراراً قبل إبداء أي انتقاداتٍ للملك سلمان ومحمد بن سلمان، ربما انتظاراً لأزمةٍ أو كبوةٍ سياسية تمكنهم من ذلك.

وختم قائلاً: ربما يبدو حق النساء في القيادة أمراً هيناً بالنسبة لباقي دول العالم. لكنَّه ربما يتمخض عن تحولٍ وطني حقيقي في المملكة العربية السعودية، التي تدفع بالتغيرات الاقتصادية في ظل انخفاض أسعار النفط، إلى جانب الأزمات الدبلوماسية في اليمن ومع قطر. أو ربما تكون هذه هي القشة التي ستقصم ظهر البعير.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/28/story_n_18127568.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات