الخميس، 28 سبتمبر 2017

إسباغ المكاره على القلب

إسباغ المكاره على القلب

(إذا كنت تريد النجاح فثمنه الوحيد سنوات طويلة من الفكر والعرق والدموع) - القصيبي.

من رحمة الله أن يرتطم قارب عمرك ببعض الصخور لتجدّ في التجديف.

في الحج كنت مع أحد الأصدقاء الذين اقتسمت معه كل شيء من أيام المرحلة المتوسطة، وهو من البقية الباقية الذين ما اقتلعتهم رياح الارتخاء.

تناولنا العشاء وحدثني عن برنامجه الثقافي في شهر ذي الحجة (ثماني ساعات) يقضيها في القراءة والسماع والاطلاع ويعدّه كالدوام الوظيفي!
ثماني ساعات لا أظنها مستساغة ومستلذة، لكنه إسباغ المكاره على القلب.

الملاكم الراحل محمد علي كلاي يحكي عن تجربته في إسباغ المكاره على قلبه:
(كنت أكره كل دقيقة في التدريب، لكن كنت أقول لنفسي: تحمّل الآن وعِش بقية حياتك بطلاً).

أحتفظُ بورقة كتبتها مطلع العام 37هـ فيها قرابة (11) من الأهداف الشخصية، تعثرث في تحقيق 3 منها، وبالتفتيش عن الأسباب أجد ضمور (الجدية) وعدم إسباغ المكاره على القلب.

المشاهِد للمحاضن -وحياة الشباب عموماً- يجد أبرز آفة اجتاحتها (نقص الجدّية).

ولعل الواحد منا يشاهد أن الجلسات أصابها الترهل واجتاحتها قيم السوق والمادة فصار حديث المجالس الأفلام، وأبرز المباريات والسفرات والمطاعم وفي أحسن الأحوال مناقشات في قشور السياسة!
ثم نتعذر وننوح بعبء الالتزامات وضيق الوقت.. الوقت -لو صارحنا أنفسنا- ينساب من بين أصابعنا كالماء ويحتاج لقبضة حديدة توقف هدره!

فالوسادة مقوسة من كثرة النوم، والجوال يُشحن مرتين في اليوم لفرط الاستهلاك، والأيام في عدٍّ تنازلي سريع.

من صدف العام الفائت أنّ آخر كتاب قرأته (عظماء منسيون في العصر الحديث)، القاسم المشترك بينهم على اختلاف أنماطهم (التعب والجدية)، سيَر يقف الواحد أمامها مشدوها فاغراً فاه.
برنامج مليء (بالمكاره) من مكافحة الاستعمار والتأليف والتعليم والتربية والمشاركة الاجتماعية والضرب في الأرض لمناصرة القضايا العربية والإسلامية.
تخْرج من هذا الكتاب بدرس بسيط نظرياً عسير عملياً:
"لن تتذوق النجاح ما لم تكابد المشاق وتلعق الصبِر، فالنعيم لا يدرك بالنعيم".
ولو سألنا كم يوماً من 360 يوماً في عامنا المنصرم يستحق أن نسميه يوم الإعياء والتعب و(إسباغ المكاره على القلب) لما خرجنا بالعدّ -ربما- عن أصابع اليد الواحدة!
هناك صورة بلاغية تغريني للأديب الراشد يقول:
(لن يذوق المسلم حلاوة (الحياة) ما لم ترتجف يده إنهاكاً إذا رفع قدح الماء إلى فمه يريد أن يرتشف، ولا يحق له أن يظن أنه مشارك ما لم ينم جالساً يغلبه الإعياء).
(الله يستعملنا في مراضيه).

من فترة ونظرية (غادر منطقة الراحة) تعبث برأسي، وهي تعني خوض تجارب جديدة وشاقة على النفس، ومثلها في التراث مقولة التابعي إبراهيم الخواص: ما هالني شيء إلا ركبته.

تعلمت السباحة في العام الماضي ومررت بالتعب النفسي الذي يسبق دخول الماء.. وكمية اللترات والجوالين التي تجرعتها كرهاً، وبعد تعلم المهارة استفدت أن كل ما تستصعبه بالمجاسرة يغدو من مُتَعِك.

إلى جانب أهداف العام ضع هدفاً سامياً سمّه (مشروع العام) واسقِه من يومك، فأفضل مؤشر على انتظام المسير نحو تحقيق أهداف العام هو (اليوم)، فالأشياء الصغيرة في (يومك) هي التي تصنع الفرق.

يحكي المفكر عبد الوهاب المسيري عن تجربته في إسباغ المكاره على قلبه كي يتعلم اللغة الإنكليزية:
"حبست نفسي في غرفة لمدة شهر كامل لا أسمع إلا الإذاعات المتحدثة بالإنكليزية ولا أقرأ سوى الجرائد والمجلات الإنكليزية وعُدت بعد الفصل الدراسي الأول وقد تَمَلّكْتُ ناصيةَ اللغة بشكل أدهش أساتذتي!".

وفي المدهش لابن الجوزي نصّ مدهش يقول:
(شجر "المكاره" يثمر المكارم، والجِدّ جناح النجاة)!

معسكر الوقت -يا سادة- الذي تسوده البطالة يقود لمزبلة (الفناء)، وبإسباغ المكاره على القلب -بحول الله- يكتب لنا (الخلود)، وعلى الله فليتوكل الطالبون.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohammed-ahmed-barhmah/post_16012_b_18109640.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات