الاثنين، 18 سبتمبر 2017

قرارٌ مؤجل

قرارٌ مؤجل

قرار أجَّلته عاماً وشهرين بالتمام.. فاجأتني به الحياة مرغمةً ولم أستطع معارضة القرار أو الفرار منه.. إن لم أقُم به، فسأُجنُّ حتماً!

أوصيت منذ هذا التاريخ بالكتابة.. يجب أن أكتب إن كنت لا آمن على حكايتي بشراً.. يجب أن أكتب وأحوِّل غضبي كلمات، وحبي نثراً.. يجب أن أكتب لذاتي.

أنا لا أكتب إصلاحاً للبشر ولا لأُحاط بثلة من الناس تقوِّمني.. أنا لا أكتب لأكون كاتبةً وأديبةً يوماً ما، أنا أكتب لأُنقذ نفسي من الألم، من العجز، من اليأس وخيبة الأمل، من الفقد والفراق.

قرأت في كتاب على لسان كاتب عظيم يدعى "برادبيري"، يقول عن الكتابة: "في كل مرة أكتب فيها قصة قصيرة، أو أنتهي من رواية جديدة، أنا مقْدم على الموت".

حين بدأت في الكتابة، أدركت أنها ليست اختياراً، ليست رفاهية يمارسها الكُتاب في أوقات الفراغ.. إنها ضرورة مُلحّة تباغتك وأنت لست في استعداد لها، فقد تأتيك وأنت في طريق العودة إلى المنزل.. لا ورقة ولا أقلام، ليس لك من الحظ إلا أزيز موتور السيارة وصوت الركاب المجهولين.. عليك الكتابة!

وقد تأتيك وأنت تقاتل الليل لتسرق منه لحظات من النوم الهادئ، فتسلب منك هذه اللحظات حتى تستسلم لها وتشعل الضوء.. عليك الكتابة! عليك الكتابة؛ لأن الحروف التي نسقتها في ذهنك إن لم تُخرجها للنور وفقدتها فسترثى لها، وسينتابك قلق أكبر يدفعك إلى الكتابة مرة أخرى.

تأملتُ وصف أحدهم فعل الكتابة بأنها كالرصاصة التي تصيب الجسد، وبالكتابة أنت تخرج الرصاصة من جسدك وتمسكها بيدك! أنت ما زلت تعاني الألم، لكن قد تُغير في روحك شيئاً.

لم يغادرني هذا التشبيه قط، ووددت لو أحمل رصاصتي في يديَّ.. أجَّلت قرار الكتابة، ليس لأنني كنت غير راغبةٍ فيها، ولكن على النقيض، كنت أنتظرها ساعاتٍ وأياماً، كنت أشعر بالألم وأضع أمامي كراستي الزرقاء وقلمي الأسود وأنظر إليهما مستسلمةً لها.. لكنها كانت لا تأتي إليَّ أبداً!

أمضيت ليالي أعلّق مذكرة هاتفي المُضاء على حرفٍ؛ علِّي أُتمه سطراً أو حتى جملة، لكنها كانت لا تأتيني أبداً!

الكتابة ليست هذا المشهد من الفيلم الذي يجلس الكاتب فيه وأمامه جهازه الإلكتروني وكوب من الكابتشينو كثيف الرغوة، ولا هي ما ترسمه الصور من ورق فاخر وأقلام ثمينة وسرير مرتب وضوء خافت.

الكتابة تأتي في أشد الليالي ظلاماً وأكثرها صقيعاً؛ لتؤرق نومك وتوقظك متأملاً متألماً لا تستطيع الفرار منها إلا إليها! تأتي بعد يوم طويل قضيته مصارعاً الشمس، والألم الذي ينخر رأسك ويُرديك.. لا يهدأ إلا بالكتابة.

أنا امرأة، فتاة، شابة، ليس لي من هوايات الفتيات نصيب.. أنا لا أُحسِن البكاء ولا أحب الرسم، ولا أتقن الغناء، وليس لي صبر على الفنون اليدوية بأنواعها إلا بقدر الحاجة.. لا أجد في صناعة الطعام متنفساً ولا شاغلاً.. حتى حينما قرأت مقالة بعنوان "اخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة" لم أتوقع أني سأكونها يوماً.

أعلم الآن أنني اخترت أصعب السُبل، لكنني كنت مُجبَرة عليها. وأعلم الآن أني سأمضي عمراً خلف شاشة هاتفي أدوِّن الحروف والأفكار، وعمراً تحت ضوء أصفر اللون أخطط لمقالة ونصٍّ كالذي أتممته الآن.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/zienab-amer/story_b_18028544.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات