الجمعة، 29 سبتمبر 2017

عندما قال لي عاكف: بديع أفضل مني!

عندما قال لي عاكف: بديع أفضل مني!

أية ورطة أوقعتني فيها يا أستاذ عاكف؟!

كان من ثمار ثورة 25 يناير، رفع الحظر عن أخبار الإخوان وأحاديثهم الصحفية في الجرائد القومية "الحكومية".
فرصة استثمرتها بكل طاقتي لإجراء حوارات مطولة على صفحات جريدة "الأخبار"، مع عصام العريان وفريد عبد الخالق وحازم صلاح أبو إسماعيل وآخرين، كانت لها -في وقتها- أصداء واسعة.
أتى الموعد مع فضيلة المجاهد الكبير الأستاذ مهدي عاكف، تأهبت للحوار بحذر، وقبل أن تتوالى الأسئلة، فإذا به -رحمه الله- ينهي اللقاء بعد 7 دقائق فقط!

ماذا أفعل؟ وبم أعود إلى الجريدة، وقد كان متوقعاً أن يُفرَد للحوار "الدوبل".. أو صفحة كاملة على أقل تقدير!
(ملحوظة: الفقرات التي تحتها خط منقولة نصاً من الحوار، المنشور بجريدة "الأخبار" بتاريخ 18 مايو 2011).
مغامرة محفوفة بالمخاطر تلك التي يمكن خوضها عند إجراء الحوار مع محمد مهدي عاكف؛ المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين.. إجاباته أسرع من الأسئلة.. مقاطعاته أكثر من تعقيبات محاوره.. غضبه أقرب إلى اللوم الرقيق عنه إلى الزجر العنيف.
تراكمت لديه خبرات سلبية عن محاوريه، فصارت لديه حساسية مفرطة من استفزازه أو اللعب على انفعالاته، لذلك فمن الصعب أن تعثر في السطور القادمة على (س) غير منقوصة، أو (ج) كاملة.. إنما ربما تجد "شبه حوار"!
نعم.. لتدارك الموقف، قررت تغيير "تكنيك" كتابة الحوار، فالنمط التقليدي بكتابة السؤال والجواب (س/ج)، لن يؤدي إلى مادة صحفية متماسكة، كما لن يغطي المساحة المقررة!

اخترت السرد الذي يركز على الخلفيات، ويمد القارئ بالمعلومة والسياق، مع وضع نص حديث المصدر بين قوسين؛ توثيقاً لنسب الكلام إليه، وظهر الحوار بالفعل في اليوم التالي في 1470 كلمة!
بعيداً عن القضايا التي كانت محل جدل -وقتها-، أستعيد بعضاً مما جاء بالحوار، فعن مبارك دار الحديث مع المناضل الكبير:
في يناير 2010، قرر عاكف أن يتنحى اختيارياً عن منصب المرشد العام للإخوان المسلمين، رغم محاولات الإلحاح الشديدة من الإخوان لإثنائه عن قراره، ليكون بذلك أول "مرشد سابق" للجماعة.
وفى يناير 2011، بعد عام تقريباً، اندلعت ثورة 25 يناير التي أطاحت برأس النظام، ليتحول مبارك إلى "أول رئيس جمهورية سابق".. تلك المفارقة أثارت غضب عاكف، حتى قبل أن أطرح السؤال، فجاء رده منفعلاً: عايز تقارن بين مرشد الإخوان ورئيس ظالم؟!
لم أكن قد طرحت السؤال بعد حول أكثر منصبين في مصر، لم يكن يتخيل أحد أن يَرِد ذكر صاحبيهما مذيلاً بلقب "السابق"؛ رئيس الجمهورية، ومرشد الإخوان.

لم يستمع رمز الإخوان الكبير لاستفسار عن أوجه الشبه المتمثلة في لقب "السابق"، والتقارب العمري بين الرجلين، وجلال المنصبين، قياساً بأوجه الاختلاف فيمن يترك منصباً عاماً اختيارياً، وبين من يتم إجباره على التخلِّي عن كرسيه.
أجاب عاكف بعد أن هدأ قليلاً: لن أتحدث عن مبارك.. فلا شأن لي به.. لقد طرده الشعب".
وأضاف: حينما صممت أن أترك منصب المرشد العام كانت لي أسبابي، فترك المنصب كان (مسألة مبدأ)، بألا يجلس على كرسي الرئاسة أحد إلا لفترة محدودة، خاصة إذا كان سنه كبيراً، وقد أخبرت الإخوان عندما اختاروني مرشداً عاماً، أني سأتنحى عن منصبي بعد سن الثمانين، وبالفعل، طلبت الإعفاء من منصبي بعد أن أمضيت دورة كاملة مرشداً عاماً، وكان عمري وقتها 82 عاماً.
ويضيف: قدم الإخوان المسلمون تجربة نموذجية رائدة في تداول القيادة، وقد سلمت الراية لـ"فضيلة المرشد" الدكتور محمد بديع، بعد انتخابات على أعلى مستوى من النزاهة والشفافية.


استراحة قصيرة

لفترة قليلة بعد ابتعاده الاختياري عن منصب المرشد، كنت كلما سألت عن الأستاذ مهدي عاكف، كنت أسمع إجابات على غرار "يشرب الشاي في النادي" أو "يجلس مع أولاده وأحفاده" أو "يؤدي أدواراً اجتماعية كتلبية دعوات حضور الأفراح أو القيام بواجب العزاء"، وبدأ المرشد السابق المتخفف من أعبائه الرسمية يلبي دعوات حضور ندوات "الإخوة" في الشُعب والمناطق.. لكن هذا السيناريو لم يدم طويلاً، فعاد مجدداً للانهماك في العمل الدعوي.
يقول عاكف: تخففت من الأعباء قليلاً فترة لم تزد عن 6 أشهر، ثم عدت للانشغال وزحمة المواعيد، وأنا الآن لا أجد وقتاً للقيام بالمهام الموكلة لي.. تقريباً لا أنام.. الحمد لله على كل حال".
ما الذي تغير في محمد مهدي عاكف، بعد 15 شهراً من ترك منصب المرشد؟ أسأل.. فيجيب: لم يتغير أي شيء.. عاكف هو هو.. هو أخ من الإخوان المسلمين.. سواء عندما كان مكلفاً بأن يكون مرشداً عاماً، أو الآن وهو "جندي" من جنود الدعوة".


بين بديع وعاكف

حكى لي الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان أنه بعد أن تم تنصيبه مرشداً عاماً، وبعد مغادرة مندوبي الصحف ووكالات الأنباء، أراد الأستاذ مهدي عاكف أن يغادر مكتب الإرشاد متوجهاً إلى منزله، ووسط الزحام فوجئ الجميع بمقر المركز العام بعاكف ينادي بصوت مرتفع: يا فضيلة المرشد.. يا فضيلة المرشد".. المشهد أثار استغراب الكثيرين، حتى بديع نفسه، فعلى مدار 6 سنوات اعتاد الجميع أن يسمع عاكف هذا النداء لا أن يقوله.. فكرر عاكف بصوت أعلى: يا فضيلة المرشد.. يا فضيلة المرشد".. فرد بديع: نعم. فقال عاكف أمام الجميع: من الآن أنا جندي تحت قيادتك.. أأتمر بأمرك.. فاطلبني في أي وقت من ليل أو نهار"!
استحضرت هذا الموقف، قبل أن أسأل عاكف: ما تقييمك لأداء المرشد الحالي د. محمد بديع؟
استجمع عاكف آداب وتقاليد اكتسبها على مدار "71 سنة إخوان"، منذ انضمامه للجماعة عام 1940، وهب المرشد السابق واقفاً، وصاح في غضب: عيب!

كررت السؤال، موضحاً أنه ليس أقدر لتقييم مرشد حالي من مرشد سابق، فأجاب غاضباً: عيب الجندي يقيّم أداء قائده!
كررت السؤال للمرة الثالثة فرد: ازدادت الجماعة قوة تحت قيادته.. هو أفضل مني".
سلاماً على "عاكف" في الصالحين.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohammed-mustafa/story_b_18136758.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات