الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

هدايا الأحزان

هدايا الأحزان

في صباح يوم صيفي استيقظت وأنا قلبي ينتفض، فميس كوثر أقسمت أنها لن تسمح لي بالنجاح إلا إذا حصلت على درس خصوصي ببيتها، رغبة ميس كوثر في دفعي للحصول على درس خاص وضعتني أمام أول تحد في حياتي.. كنت فى الصف الأول الإعدادي عندما وقفت تطلب مني بل تجبرني على أن تعطيني درساً خاصاً، فاعتذرت بأدب وقلت: إن أمي وجدتي تجيدان الإنكليزية ولست بحاجة لدرس، فكررت طلبها وكأنها لم تسمعني، فكررت إجابتي فقالت لي كلمة واحدة: لن تتجاوزي هذا العام إلا إذا حصلت على درسي.. كان طلبا وقحاً من وجهة نظري، خاصة أن البنات في الفصل كن يبكين من معاملتها السيئة لهن.. ذهبت لأبي ورويت له ما حدث وأبلغته أنني قابلت تحدي المدرسة.. ظلت شهادتي تذهب لأبي كل شهر ومادة تلك المعلمة مصفرة.

وفِي هذا اليوم الصيفي كانت نتيجة نهاية العام، ذهب أبي لإحضار الشهادة.. انتظرته وأنا مرعوبة، هل ستظل هذه المادة مصفرة؟ إلا أن عودة أبي بددت مخاوفى؛ حيث عاد ومعه هدية ما زلت أحتفظ بها حتى الآن، ساعة من أشهر الماركات ذات لون أحمر مميز، وقال لي: مبروك النجاح.. شعرت بالفرح ونجاحي في أول اختبارات حياتي .. ومر شهر من الإجازة، وإذ به يجلس مني ويطالبني بمراجعة مادة اللغة الإنكليزية حتى أدخل امتحان الدور الثاني، أصابني الذهول، هل رسبت في تلك المادة ونجحت ميس كوثر في قرارها؟ إلا أن أبي قال لي: بل نجحت، ولذا أحضرت لك هديتك.. نجحت في الصمود 7 شهور أمام تعنت تلك المدرسة.. وهي الآن يحقق معها بسبب فعلتها معك.. كانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي اهتز فيها تفوقي الدراسي.. لكن الدرس الأهم هو ما علمه لي أبي ودعمه لي في وقت حزني وهديته الجميلة.. فالهدايا تغسل الأحزان .. والهدية ليست بقيمتها بل بتوقيتها الصحيح ورسالتها، فالهدية قد تكون كلمة أو قصاصة ورق أو مكالمة في توقيتها المناسب.. قد تكون ابتسامة أو مساندة وقت الحاجة..
وهدايا الأحزان غالية القيمة، بل تضاعف قيمتها هدايا الفرح والمناسبات.

عقب تلك الواقعة بـ4 أعوام توفت جدتي، وكانت الدنيا وما فيها لأبي، حزن عليها حزناً شديداً، وتركتنا أمي عند خالتي حتى لا نعيش طقوس العزاء والحزن وتلك الأمور، وبعد أسبوع جاءت أمي لاصطحابنا للبيت، وكان أبي جهز هدايا لنا عوضاً عن غيابه أسبوعاً كاملاً.. تعجبت لهدايا الموت والأحزان
فبادرته أختي الصغيرة حينها هل توقف حزنك على جدتي؟ وكانت خالتي أعطنا الوصايا العشر بعدم إزعاج أبي باللهو والتوقف عن الطلبات والرغي؛ لأنه حزين على أمه.

جاء رد أبي لن تمحو الأيام حزني على أمي.. لكني أيضاً أحبكم، ولا بد أن أعيش من أجلكم، كان أبي دائماً ما يربط أي مناسبة بهدايا وطقوس خاصة بها، فكنا نحتفل برأس السنة وكأنه عيد، والعيد الهجري والمولد النبوي وحتى سفري من مصر كان أبي يحتفل بعيد ميلادي.

وعند وفاة جدتي لأمي فعل أبي ما فعله عند وفاة والدته، وكان يعلم مدى تعلقنا بجدتي لأمي.
دروس أبي نسيتها مع الأيام.. حتى عادت مع وفاته.. حدثني قبل وفاته بعدة أيام وكان يلح في رؤيتي، لم أدرك أنه الوداع.. لكني شعرت بلحظة وفاته قبل أن يبلغني أحد.. مات أبي وأنا وحدي في بلد غريب أبحث فيه عن علاج للنفس بعدما دمرتها أوجاع الغربة الإجبارية.

لم أبكِ كثيراً لحظة معرفتي بالأمر قدر ما تذكرت كيف كان يتصرف أبي.. أوقفت دموعي ومشاعري ورتبت أمور الدفن والمستشفى والمقابر والسيارات.. فأخوتي لم يحملهن أبي يوماً المسؤولية عكس ما فعل معي وأختي الصغيرة.

رتبت أمور أبي وأنا في طريقي للمطار لن يدفن أبي دون وداعي.. لا أعرف هل كنت مدركة ما أفعله أم لا؟ كيف لي بترتيب الأمر حتى يدفن أبي سريعاً تكريماً له، وفِي الوقت ذاته أبحث عن رحلة طيران لمصر بعيداً عن طولها الزمني لن تسمح لي سلطات بلادي بتجاوز المطار والمرور إلى أبي؟

في تلك اللحظة غاب ما تبقى من أصدقاء مقربين وظهرت هدايا الأزمات، اتصلت على صديق لم أتواصل معه منذ زمن أطلب منه أن يلحق بأخواتي بالمستشفى..فيهرول إليهن في ثوان... تقوم والدة صديقة عزيزة بالتدخل لإنهاء الإجراءات، تصل أمي للمستشفى وقد انتهت إجراءات أبي، اللهم إلا الغسل.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/eman-abdelmonem/story_b_18047380.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات