بعض القضايا يجاوز عمقها فهم الناس في بداياتها، فلا يستيقظون إلّا على أنقاض الخراب الشامل، هناك صراعات تُسطّح حتى تبدو مجرّد صراع ديكة، وجوهرها حرب وجود لا تقبل القسمة على اثنين، بعض السياسات العمومية يراها الناس أخطاء تزول آثارها بزوال المسؤولين المباشرين عنها، وهي في الأصل خطايا لا تغفرها الأمم الحيّة أبد الدهر، في كلّ بلدٍ عربيٍّ مستبدٌّ، وخلف كلّ مستبدّ أجنبيٌّ، ولكلّ أجنبي مشروعُ مسخٍ، ولكلّ مشروع رأسٌ يحميه مستعمر الأمس، الرابضُ غير بعيد عن مركز صناعة القرار.
في المغرب العربي عموماً والجزائر خصوصاً، يعتبر الصراع الهوياتي أمّ المعارك التي تذوب دونها باقي النزاعات، وتتناطح الإرادات وتحتدم النقاشات، حين تفتح نقاشاً في هذا الصّدد فستسمع مصطلحات مكرّرة: المسخ، الفرنسة، الحرب على الإسلام، الظلامية، الرجعية، التعريب... فما أصل المعركة؟
حين يرتفع قسطل المعركة ينجلي لك فسطاطا القتال بوضوح، ففي كلّ القضايا هناك أطراف متشاكسة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، إلا قضيّة الهويّة الأصيلة، ففيها طرفان اثنان بينهما برزخ لا يبغيان، يستحيل بينهما التوافق؛ لأنّهما خصمان عنيدان، أحدهما أصل والآخر طفرة؛ الأوّل منسجم مع مجتمعه والثاني غريب عنه؛ الأوّل أصيل والثاني مستحدث، وهكذا ديدن المعارك الوجودية، لا مجال فيها للحلّ الوسط؛ إذ إنّه يخلّ بكيان المجتمع ويمزّقه ويسكّن الألم مرحلياً ولا يزيل أسبابه.
إنّ معركة الهويّة في الجزائر هي معركة استقلال/احتلال وليست معركة عربية/فرنسية مهما حاولت أقلام الانتداب تسطيحها ومهما أمعنت فيالق الدعاية التغريبية في تتفيهها ووأد معالمها، وهي وحدها القضية التي يصبح فيها أشرس معارضي النظام أنصاراً لوزيرة التربية والتعليم؛ إذ يجتمع العلماني والشيوعي والليبرالي والاشتراكي على أنّ الوزيرة بن غبريط عضو صالح في جسد مريض وعنصر موجب في جسم سالب، ومُصلحة داخل كيان فاسد، مخالفين بذلك منطق السياسة ومقتضيات المعارضة.
لأنّ نظام الأبالسة لا ينجب الملائكة، والدكتاتور لا يستعمل معلّماً، وأنّى له أن يفعل ما دام "الجهل هو عماد الاستبداد" كما قال الكواكبي، لكنّ بصائر المؤدلجين تعمى عن رؤية الحقّ؛ بل تطمسه، وتغضّ الطرف عن الفساد؛ بل تساند صنّاعه ما داموا أبناء عائلة واحدة، ربّها في باريس لا يرضى عنهم حتى يدعموا نبيّة الانتداب التي نصّبها، ومكّن لها السبل، وصاغ لها المناهج، وأعدّ لها البرامج، ووضع على جنبيها كتائب من الصحفيين والكتّاب وقادة الأحزاب والنشطاء الذين يذودون عنها ويقفون معها كلّما لاحت بارقة معارِضة لمخططاتها.
في عرف فيلق الانتداب الفرنسي، يصبح الفرد الذي يعارض حفيدة قدور بن غبريط، عميد باريس الذي ساند فرنسا ضدّ بني جلدته بعثياً وإسلامياً وعروبياً ورجعياً وظلامياً، وحتى داعشياً متطرّفاً متخلّفاً؛ فقط لأنّه يكشف سوءات وزارة التعليم ويفضح مشاريع ما يُطلِق عليه صاحب هذه السطور اسم "الإبادة الثقافية" العميقة.
وليست التسمية ترفاً فكرياً ولا تشدّقاً لغوياً؛ بل هو وصف يبدو إزاء ما تفعله الوزيرة قاصراً عن الإيفاء بالقصد؛ إذ إنّها تقود محرقة فكرية أخطر من "الهولوكوست" الذي أتى على الأجساد فصيّرها رماداً، وبن غبريط أتت على العقول فجعلتها خواء، وزحفت على ثقافة المجتمع فصيّرتها قاعاً صفصفاً لا ترى فيه إلّا بعض الناجين الذين لا يجدون لنداء الغوث مجيباً اللهمّ إلا بعض الوقفات المعدودة والاحتجاجات المحتشمة، وكثير من الجعجعة التي لا تنتج طحيناً.
إنّ من يتابع مسار نبيّة الانتداب قبل وبعد توليها حقيبة التربية والتعليم، سيقف عند مجموعة من الملاحظات التي تثبت -بما لا يدع مجالاً للشكّ- أنّها بالفعل رأس حربة في معركة الجزائر الأصيلة مع المحتل الفرنسي:
فوزيرة التربية كانت عضواً في لجنة بن زاغو، وهي لجنة نصّبها الرئيس بوتفليقة في سنواته الأولى من أجل إصلاح التعليم -كما يدّعي- وخلصت تلك اللجنة إلى أنّ مناهج التعليم السابقة تخرّج الإرهابيين والأصوليين، أي نعم... بهذه البساطة!
وهي أيضاً باحثة في مركز "الكراسك"، وهو مركز للبحث في الأنثروبولوجيا بمدينة وهران ويعتبر ملحقاً تابعاً لكراسك مدينة مرسيليا الفرنسية ليس إلّا.
والوزيرة منذ تولّيها منصبها ثابتة لا تتزحزح رغم تغيّر الحكومات ورؤساء الحكومات، ووحدها هي مستمرّة دون أن تجد حتّى من ينتقدها!
ومنذ استوزارها، شهدت امتحانات البكالوريا تسريب الأسئلة وإعادة الامتحانات سنتين متتاليتين، وكذلك الحال مع مسابقات توظيف الأساتذة والمعلمين، وعوض أن تقال من منصبها كما تفعل الدول المحترمة تأتي قرارات الرئيس والوزير الأول لإنقاذها بإعادة إجراء الامتحان وابتكار الحجج للدفاع عنها من طرف الإعلام الفرونكوفيلي الموالي لحزب الفرنسيس في الجزائر.
والوزيرة أيضاً هي العضو الوحيد في الحكومة بعد وزير الخارجية والتي يزورها المسؤولون الفرنسيون حين يزورون البلاد دون غيرها من الوزراء! وحتى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ضرب بالأعراف الدبلوماسية عرض الحائط واجتمع بها إبان حملته الانتخابية.
وبن غبريط، وزيرة التربية الوحيدة في العالم التي تخاطب الشعب بلغة غير لغته؛ بل لا تتقنها أساساً، وهي الوحيدة التي تحذف كلّ ما يرمز إلى الإسلام من الكتب المدرسية مع كلّ موسم دراسي وتظلّ ثابتة في مكانها لا تصل أيدي التغيير إليها.
بقي أن نشير إلى أنّنا وإن كنّا لا نؤاخِذ الأحفاد بجرائر الأجداد، لكنّ الدستور ينصّ على أنّ تولي المناصب العليا في الدولة مشروط بعدم ثبات تورّط الآباء في أفعال معادية للثورة، وهو الشرط الغائب لدى السيدة بن غبريط باعتبارها تنحدر من عائلة معادية للثورة، فهل بقيت تهمة لم تثبت على الوزيرة؟
إنّها نبيّة الانتداب التي يوحي إليها أرباب الكيدورسي الفرنسي أنه لا يجوز لأحد الكفر بدين المسخ الذي تبشّر الجزائريين به؛ حتّى لا يسخط كهنة المعبد عليه فينهال عليه المريدون وأتباع ماسينيون بالتجريح والطعن ثم الإبادة، إنّها نورية بن غبريط مدلَّلة النظام وخليفة جنرالات الدّم بعد العشرية الحمراء.
في المغرب العربي عموماً والجزائر خصوصاً، يعتبر الصراع الهوياتي أمّ المعارك التي تذوب دونها باقي النزاعات، وتتناطح الإرادات وتحتدم النقاشات، حين تفتح نقاشاً في هذا الصّدد فستسمع مصطلحات مكرّرة: المسخ، الفرنسة، الحرب على الإسلام، الظلامية، الرجعية، التعريب... فما أصل المعركة؟
حين يرتفع قسطل المعركة ينجلي لك فسطاطا القتال بوضوح، ففي كلّ القضايا هناك أطراف متشاكسة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، إلا قضيّة الهويّة الأصيلة، ففيها طرفان اثنان بينهما برزخ لا يبغيان، يستحيل بينهما التوافق؛ لأنّهما خصمان عنيدان، أحدهما أصل والآخر طفرة؛ الأوّل منسجم مع مجتمعه والثاني غريب عنه؛ الأوّل أصيل والثاني مستحدث، وهكذا ديدن المعارك الوجودية، لا مجال فيها للحلّ الوسط؛ إذ إنّه يخلّ بكيان المجتمع ويمزّقه ويسكّن الألم مرحلياً ولا يزيل أسبابه.
إنّ معركة الهويّة في الجزائر هي معركة استقلال/احتلال وليست معركة عربية/فرنسية مهما حاولت أقلام الانتداب تسطيحها ومهما أمعنت فيالق الدعاية التغريبية في تتفيهها ووأد معالمها، وهي وحدها القضية التي يصبح فيها أشرس معارضي النظام أنصاراً لوزيرة التربية والتعليم؛ إذ يجتمع العلماني والشيوعي والليبرالي والاشتراكي على أنّ الوزيرة بن غبريط عضو صالح في جسد مريض وعنصر موجب في جسم سالب، ومُصلحة داخل كيان فاسد، مخالفين بذلك منطق السياسة ومقتضيات المعارضة.
لأنّ نظام الأبالسة لا ينجب الملائكة، والدكتاتور لا يستعمل معلّماً، وأنّى له أن يفعل ما دام "الجهل هو عماد الاستبداد" كما قال الكواكبي، لكنّ بصائر المؤدلجين تعمى عن رؤية الحقّ؛ بل تطمسه، وتغضّ الطرف عن الفساد؛ بل تساند صنّاعه ما داموا أبناء عائلة واحدة، ربّها في باريس لا يرضى عنهم حتى يدعموا نبيّة الانتداب التي نصّبها، ومكّن لها السبل، وصاغ لها المناهج، وأعدّ لها البرامج، ووضع على جنبيها كتائب من الصحفيين والكتّاب وقادة الأحزاب والنشطاء الذين يذودون عنها ويقفون معها كلّما لاحت بارقة معارِضة لمخططاتها.
في عرف فيلق الانتداب الفرنسي، يصبح الفرد الذي يعارض حفيدة قدور بن غبريط، عميد باريس الذي ساند فرنسا ضدّ بني جلدته بعثياً وإسلامياً وعروبياً ورجعياً وظلامياً، وحتى داعشياً متطرّفاً متخلّفاً؛ فقط لأنّه يكشف سوءات وزارة التعليم ويفضح مشاريع ما يُطلِق عليه صاحب هذه السطور اسم "الإبادة الثقافية" العميقة.
وليست التسمية ترفاً فكرياً ولا تشدّقاً لغوياً؛ بل هو وصف يبدو إزاء ما تفعله الوزيرة قاصراً عن الإيفاء بالقصد؛ إذ إنّها تقود محرقة فكرية أخطر من "الهولوكوست" الذي أتى على الأجساد فصيّرها رماداً، وبن غبريط أتت على العقول فجعلتها خواء، وزحفت على ثقافة المجتمع فصيّرتها قاعاً صفصفاً لا ترى فيه إلّا بعض الناجين الذين لا يجدون لنداء الغوث مجيباً اللهمّ إلا بعض الوقفات المعدودة والاحتجاجات المحتشمة، وكثير من الجعجعة التي لا تنتج طحيناً.
إنّ من يتابع مسار نبيّة الانتداب قبل وبعد توليها حقيبة التربية والتعليم، سيقف عند مجموعة من الملاحظات التي تثبت -بما لا يدع مجالاً للشكّ- أنّها بالفعل رأس حربة في معركة الجزائر الأصيلة مع المحتل الفرنسي:
فوزيرة التربية كانت عضواً في لجنة بن زاغو، وهي لجنة نصّبها الرئيس بوتفليقة في سنواته الأولى من أجل إصلاح التعليم -كما يدّعي- وخلصت تلك اللجنة إلى أنّ مناهج التعليم السابقة تخرّج الإرهابيين والأصوليين، أي نعم... بهذه البساطة!
وهي أيضاً باحثة في مركز "الكراسك"، وهو مركز للبحث في الأنثروبولوجيا بمدينة وهران ويعتبر ملحقاً تابعاً لكراسك مدينة مرسيليا الفرنسية ليس إلّا.
والوزيرة منذ تولّيها منصبها ثابتة لا تتزحزح رغم تغيّر الحكومات ورؤساء الحكومات، ووحدها هي مستمرّة دون أن تجد حتّى من ينتقدها!
ومنذ استوزارها، شهدت امتحانات البكالوريا تسريب الأسئلة وإعادة الامتحانات سنتين متتاليتين، وكذلك الحال مع مسابقات توظيف الأساتذة والمعلمين، وعوض أن تقال من منصبها كما تفعل الدول المحترمة تأتي قرارات الرئيس والوزير الأول لإنقاذها بإعادة إجراء الامتحان وابتكار الحجج للدفاع عنها من طرف الإعلام الفرونكوفيلي الموالي لحزب الفرنسيس في الجزائر.
والوزيرة أيضاً هي العضو الوحيد في الحكومة بعد وزير الخارجية والتي يزورها المسؤولون الفرنسيون حين يزورون البلاد دون غيرها من الوزراء! وحتى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ضرب بالأعراف الدبلوماسية عرض الحائط واجتمع بها إبان حملته الانتخابية.
وبن غبريط، وزيرة التربية الوحيدة في العالم التي تخاطب الشعب بلغة غير لغته؛ بل لا تتقنها أساساً، وهي الوحيدة التي تحذف كلّ ما يرمز إلى الإسلام من الكتب المدرسية مع كلّ موسم دراسي وتظلّ ثابتة في مكانها لا تصل أيدي التغيير إليها.
بقي أن نشير إلى أنّنا وإن كنّا لا نؤاخِذ الأحفاد بجرائر الأجداد، لكنّ الدستور ينصّ على أنّ تولي المناصب العليا في الدولة مشروط بعدم ثبات تورّط الآباء في أفعال معادية للثورة، وهو الشرط الغائب لدى السيدة بن غبريط باعتبارها تنحدر من عائلة معادية للثورة، فهل بقيت تهمة لم تثبت على الوزيرة؟
إنّها نبيّة الانتداب التي يوحي إليها أرباب الكيدورسي الفرنسي أنه لا يجوز لأحد الكفر بدين المسخ الذي تبشّر الجزائريين به؛ حتّى لا يسخط كهنة المعبد عليه فينهال عليه المريدون وأتباع ماسينيون بالتجريح والطعن ثم الإبادة، إنّها نورية بن غبريط مدلَّلة النظام وخليفة جنرالات الدّم بعد العشرية الحمراء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/faisal-osman/-_13303_b_17967700.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات