الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

الرأي والرأي الآخر

الرأي والرأي الآخر

عندما اندلعت ثورة الخامس والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني في عام 2011م استبشر الناس خيراً، وتفاءل الناس بالتجربة الديمقراطية، فكنت ترى المجالس والبيوت والمقاهي تعجّ بالأحاديث السياسية، فهذا له رأي وذاك له رأي آخر، يختلف الزوج مع زوجته، فهي لها رأي سياسي مستقل، وهو يرى غير ذلك، ويختلف الشاب مع أبيه والأخ مع أخيه، ترتفع الأصوات تارةً وتنخفض تارةً، تتوتر الأجواء تارةً وتهدأ تارةً، يتبادل الجميع الآراء ثم يتفرق الجميع، والكل يردد عبارة: "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".

تلك الحالة التي كان يعيشها الناس في مصر كانت حالة صحية، فلكل واحد حق الاختيار والتعبير عن رأيه، فمن أخطأ الاختيار هذه المرة سيُحسِن الاختيار في المرة القادمة، المهم أنه سيختار وستكون له إرادة مستقلة، ولن تفرض عليه إرادة بعينها، وهذا ما أزعج القوم الذين فرضوا أنفسهم أوصياء على الشعب، فدبَّروا وخطَّطوا وكادوا ومكروا.

فلقد رأينا بأعيننا أن حق التظاهر والتعبير عن الرأي بسلمية تحول إلى قتال شوارع، فمن منا ينسى أحداث التظاهر التي وقعت أمام قصر الاتحادية إبان حكم الرئيس محمد مرسي، حين أقال النائب العام ووضع إعلاناً دستورياً، ربما يتفق البعض مع تلك الممارسة ويختلف الكثير معها، يراها البعض خطأً لكنها ضرورة المرحلة، ويراها آخرون ديكتاتورية، حسناً لا ضير في ذلك قُل ما شئت واقتنع بما شئت، فطالما أنك فعلت ذلك في إطار التعبير عن رأيك فلا لومَ عليك ولا حرج، أما أن يتحول الأمر إلى قتال، كما رأينا وشاهدنا في بث مباشر مخزٍ بحراسة شُرَطِيَّةٍ لا تحرك ساكناً أوقع عشراً من الضحايا فلا وألف لا، في تلك الأثناء دق ناقوس الخطر؛

إذ إن الأمر لم يصبح مجرد خلاف للرأي، بل تحوّل إلى قضية عدم قبول الآخر، وتلك تحديداً هي الحالة التي استغلها الجنرال عبد الفتاح السيسي عندما قام بانقلابه المشؤوم في الثالث من شهر يوليو/تموز من عام 2013، ثم خرج يوم الرابع والعشرين من الشهر ذاته في خطاب ألقاه على الجماهير من خلال حفل لتخريج طلاب من أكاديميتين عسكريتين يطالب فيها بأمرين مهمين: الأول منهما أن يفوض الشعب جيشه وشرطته في مواجهة الإرهاب المحتمل، والأمر الثاني أن يواجه الشعب مع جيشه وشرطته هذا الإرهاب المحتمل.

الأمر ببساطة -يا سادة- يعني أنه يطلب إذناً من مؤيديه لسحق معارضيه بالدبابات والمجنزرات الآلية، كذلك يطلب من مؤيديه قتل وسحق المعارضين، وقد كان الأمر كما أراد وخطط له، والحجة في ذلك هي طلب الاستقرار لمصر.

هل يأتي الاستقرار يا سيادة الجنرال بقتل الناس في الشوارع بدم بارد؟

هل يأتي الاستقرار يا سيادة الجنرال بأن يستوحش الناس في الشوارع فعندما يَشْتَمُّ أحدهم منك رائحة معارضة يعتدي عليك وعلى زوجتك بل وعلى أولادك؟ أو يذهب للإبلاغ عنك، وكلنا شاهدنا مظاهر الاعتداء التي وقعت لكبار السن والنساء من مجموعات موتورة من الشباب بحجة حب البلد والدفاع عن البلد.

كم من وشاية أوقعت بأناس لا ناقة لهم ولا جمل في أمور السياسة ولا يفقهون فيها شيئاً؟ فسُجِنوا وعذبوا بدون وجه حق.

كان المعارضون لسياسة الجنرال لا يجرؤ أحدهم أن يبوح لأحد بما يدور في خاطره، بل والأمر المضحك المبكي في ذات الوقت كنت ترى المعارض يثني ويمجّد في الجنرال وذكائه وسياسته خشية أن يعلم أحد بأنه معارض للجنرال.

والآن -يا سادة- نسمع بين الحين والآخر تصفية مجموعة من الشباب في بيوتهم من قِبل قوات الشرطة بحجة أنهم كانوا مسلحين وقاوموا قوات الشرطة دون أن تُحَرِّك هذه الأحداث ساكناً عند عامة الشعب، ولكن لماذا لا يأبه الناس لذلك؟

لأن الجنرال المفدَّى زرع تلك الفكرة في قلوب وعقول الناس، فأصبح سحق المخالف وقتله بدم بارد من الواجبات التي يتباهى بها العسكري والضابط، والتي ينبغي أن يشكرهم الناس عليها؛ لأننا يا سادة ببساطة ووضوح شديدين لم نعُد نتقبل الرأي الآخر، لم نعُد نؤمن بالديمقراطية، لم نعد نؤمن بالتنوع، وتلك هي أكبر مصيبة تمر بها مصر.

يجب أن تعالج تلك الحالة في عقول الناس وأذهانهم؛ إذ من الممكن أن نتعايش ونحن مختلفون في الدِّين والمذهب والرأي السياسي، يجب أن نعلم أن الخلاف صحي، وليس حالة مرضية يجب استئصالها، إذا لم نخرج من تلك الحالة فلا أمل لقيام البلد مرة أخرى سياسياً واقتصادياً وعلمياً.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/talha-zakaria-husseini-mohamed/post_15949_b_18044346.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات