الاثنين، 18 سبتمبر 2017

وما الدنيا إلا كتاب كبير

وما الدنيا إلا كتاب كبير

نشأت في مكتبة.. حقيقة أو مجازاً أقرب للحقيقة، فعلياً منذ وعيت كانت الكتب والقراءة أحد مقومات حياتي بدون مبالغة، قرأت الكثير وكان والدي دائماًما يقول، أي فلوس تدفع للكتب ليست مشكلة.

عشقت الكتب بكل أنواعها وعشت بداخلها، عرفت المعاني والمفاهيم، فهمت العلوم وسمعت التاريخ، أحببت الروايات وكنت أعيش أحداثها، صنعت عالمي الذي تخيلته من الكتب، عشت أحلاماً مع أحداث التاريخ وكأنني أعايش أبطاله، وتمنيت معرفة من تأثرت بهم -خالد بن الوليد وأبو عبيدة، خولة بنت الأزور، وزينب الغزالي، أبطال بعض الروايات- عشت معهم في خيالي وصنعت أحداثاً تمنيتها، ومن وحي الكتب تخيلت أحلاماً أخرى تخصني عشتها، حاولت كتابة القصص والروايات ولم أستمر، لكن ربما صغتها بعقلي سطوراً وأحداثاً.

ثم انتقلت من عالم الكتب إلى عالم الواقع.
كانت النقلة فارقة، كبيرة، استهلكت سنوات الجامعة، لكنها أحدثت تغييراً.
خرجت للعالم بعدها، عمل، زواج، أطفال، حركة وتعاملات ودنيا مختلفة، مشاكل وطلاق.. نقلة أخرى أكبر وأكثر عمقاً، وتاثيراً وصناعة للنفس، ولا تزال أطياف الأحلام تمر وتنتظر التحقيق.

ثورة، عمل عام، مجتمع، أحداث متسارعة ربما أكثر من أنفاسنا، أطفال تكبر، انقلاب، موت، دماء، مقاومة، غشاوات تنقشع ورؤى تتضح، أشخاص تعلو وآخرون يسقطون، تتوارى أحلام قارئة الكتب -ربما لسذاجتها أو لضخامتها- ويصبح الواقع أكثر لا معقولية من الأحلام!

تمر الأيام كصفحات كتاب أو رواية ضخمة نعيشها، صفحاته تتبدل بين وريقات ورد طيبة الرائحة، وأوراق بيضاء فارغة أو ربما أشواك أو صفحات محترقة تنال من أرواحنا وتكسر كثيراً من مقومات نفوسنا.

وبين تبدل الأوراق تعلمنا أن الكتب بقدر عظمتها، إبداعها وثراء محتواها، بقدر ما تكون صفحات حياتنا أكثر ثراء أو قوة وتأثيراً فينا.

عرفنا أن الكتب قد تملأ العقل بعلم، بخبرات الآخرين، وتبقى تجربة كل منا الخاصة هي الاختلاف الذي نصنعه، أو يصنعنا.

عرفنا أننا قد نعيش في الكتب، ونحلّق بأحلامنا معها، وتظل أحلام الحياة الحقيقية هي الأهم، فهي احتياجنا الحقيقي مهما ظننا.

عرفنا أن وريقات الورد بكتاب حياتنا هي العون الرباني لنا لتحمّل شوك ووجع احتراق تلك الأخرى.

عرفنا أن كتاب الحياة برغم أنه قدر الله، فإننا مَن يصنعه في تناغم عجيب بين إرادة الله وما رزقنا إياه من فرص وعقل وإرادة.

عرفنا أننا قد لا نعلم متى أو ما شكل الصفحة الأخيرة من الكتاب، لكننا أيضاً يقينا مَن يخطّها.. وبقدر الله.

وبين كتب المكتبة، وكتاب الحياة، كم تعلمنا وكم تغيرنا وكم كبرنا! ربما أكثر بكثير من عمرنا الفعلي.. وكم نعتقد أنه ما زال الكثير لنتعلمه ونعيشه ونتعايش معه ونصنع منه آخر سطور الكتاب.






ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/hebatullah-husin/story_b_17971426.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات