الاثنين، 18 سبتمبر 2017

السويداء أمام خيارين لا جيد فيهما

السويداء أمام خيارين لا جيد فيهما

يتسارع في هذه الفترة إعلان تشكيل ما يسمى بالبيارق في محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية في الجنوب السوري، ونظام البيارق يعود إلى الثورة السورية الكبرى عام 1925 وما قبلها؛ حيث تختص كل قرية بقطعة قماش تشبه العَلَم، لها تصميم مختلف عن بقية القرى، وتُكنى البيارق بأسماء لها رمزها الديني أو الوطني، وتوضع أمانة عند شخص يُعرف بمواقفه الوطنية وبطولاته، وعندما تقرع طبول الحرب تخرج البيارق؛ ليتجمع حولها شبان القرية أو العائلة الكبيرة بأسلحتهم الخفيفة ويشكلوا فصيلاً مسلحاً جاهزاً للقتال.

والبيارق -والمقصود هنا الفصائل- يقوم بتشكيلها حركة رجال الكرامة التي أسسها الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس، وكان لها مواقف ضد النظام السوري بشكل غير مباشر، وكان أبرزها منع سحب شباب السويداء للخدمة في صفوف النظام، وكذلك منع نقل الأسلحة الثقيلة التابعة للنظام خارج أراضي محافظة السويداء.

بدأت حركة رجال الكرامة بالتراجع تدريجياً بعد اغتيال الشيخ البلعوس وعدد من قادة الحركة، في تفجير اتجهت أصابع الاتهام فيه للنظام السوري، وعلى أثر هذا الاغتيال تم تعيين الشيخ رأفت البلعوس خلفاً لأخيه في قيادة الحركة.

ولكن الشيخ رأفت الذي تعرض لإصابة نتيجة التفجير لم يكن كسلفه، وخلال فترة ترؤسه للحركة لم يسجل أحداثاً تذكر باستثناء بعض القضايا المتعلقة بالاختطاف، وفي بداية عام 2017 تم تعيين الشيخ أبو حسن يحيى الحجار على رأس الحركة.

سارع الأخير لإعلان تشكيل المزيد من الفصائل التي مهمتها حماية المنطقة أو القرية التي تشكلت بها، وتم الإسراع في عمليات التشكيل تلك كنتيجة حتمية للتطورات السياسية والعسكرية الأخيرة؛ حيث يشكل الريف الشمالي والشرقي لمحافظة السويداء امتداداً لطموحات إيران في التوسع والوصول للبحر المتوسط، مروراً بالتنف عبر الأراضي العراقية، وبناء عليه تم تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر ومن خلال غرفة العمليات المشتركة (الموك) في الأردن لإيقاف الحلم الإيراني، وجاء أيضاً التقارب الأميركي - الروسي في حل المشكلة السورية من خلال مناطق التهدئة، وبخاصة في الجنوب السوري (درعا والقنيطرة)، وكذلك إنهاء تواجد داعش في الريف الشرقي لمحافظة السويداء جاء كتمهيد للانسحاب المباشر للنظام من المحافظة، وجعلها تحت رحمة الحكم الذاتي مع إبقاء النظام لتواجد غير مباشر له من خلال مجموعات تدين له بالولاء، على رأسها ميليشيا الدفاع الوطني وكتائب البعث، وهو ما يعني وضع السويداء أمام خيارين لا جيد فيهما:

أول الخيارين: بقاء السويداء تحت رحمة ميليشيات كتائب البعث والدفاع الوطني، وهذه الميليشيات ساهمت بشكل كبير في الانفلات الأمني الذي تعيشه المحافظة منذ عدة سنوات، مثل زيادات حالات الاختطاف التي يقف وراءها عدد من أبناء المحافظة المحسوبين على هذه الميليشيات، وكذلك عمليات التهريب والتشليح والسرقة، وهو ما سيحول المحافظة برمّتها إلى منطقة غير آمنة وموبوءة أخلاقياً وفكرياً.

والخيار الثاني: تقاسم حركة الكرامة السلطة في المحافظة مع تلك الميليشيات، التي بطبيعة الحال ستؤدي لاصطدامات بين الطرفين نتيجة تناقض الأهداف والمبادئ بينهما، فحركة الكرامة قائمة على العادات الجبلية الأصيلة في الحفاظ على الأرض والعرض والدين، وهو ما يؤخذ نوعاً ما طابعاً دينياً ملتزماً، مقابل لا مبالاة وبحث عن المال والسرقة والتعفيش والفساد من قِبَل الميليشيات التابعة للنظام.

أمام محافظة السويداء تحدٍّ كبير في الفترة القادمة، ولا شك أن الأمور ستذهب للتصعيد والتصادم، وقد يقع ضحايا من الطرفين نتيجة تنازع السلطات واختلاف التوجهات، وسيكون مرهوناً بما سيقدمه النظام من دعم لميليشياته بمقابل زيادة الدعم من دروز فلسطين ولبنان ومغتربي المحافظة لحركة الكرامة، مما يجعل الدروز أمام مفترق طرق حقيقي سيُظهر القادم من الأيام مصير جماعة لم يعتادوا على الاقتتال الداخلي.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/nawras-aziz/story_b_18028376.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات