ثلاثة أيام خالية من حالة الطوارئ عاشها المصريون هذا الشهر (أكتوبر/تشرين الأول) وذلك للمرة الأولى منذ 6 أشهر.
وفِي الوقت ذاته قضت المحكمة الدستورية العليا في البلاد بأن المحاكم العادية - وليس المحاكم العسكرية - لها ولاية قضائية على القضايا التي تنطوي على انتهاكات قانونية مزعومة أثناء المظاهرات.
لكن ما بدا وكأنه انتصار للشعب كان في الواقع انتصاراً للدولة الأمنية. فقد اتخذت هذه الخطوات بطريقة سخرت من مطالب الثورات العربية عام 2011 وكشفت عن كيفية زرع تدابير سلطوية عميقة في النظام القانوني المصري، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
تقول الصحيفة: إنه خلال كتابة دساتير ما بعد الثورة في مصر، كان الإصلاحيون يضغطون بشدة للحد من تطبيق حالة الطوارئ، آخذين في الاعتبار كيفية استخدامها لحكم مصر، مع انقطاعات قليلة منذ إعلانها في بداية الحرب العالمية الثانية.
ولكن الدستور الحالي، الذي صدر في عام 2014، بعد أن استعادت فيه مؤسسات الدولة ذات العقلية الأمنية السيطرة على البلاد، لا يحتفظ إلا بعدد قليل من أفكار الإصلاحيين.
ورغم ذلك ففي حالة الطوارئ، يضع دستور 2014 قيوداً هامة على الحاكم: فبدلاً من السماح له بإعلان حالة الطوارئ لسنوات بتجديدات دورية، ينص الدستور على أن إعلان حالة الطوارئ يجب أن يصدق عليه البرلمان، بل أيضاً أنها لا يمكن أن تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر. ويمكن تجديدها، ولكن لمرة واحدة فقط، وتتطلب هذه التجديدات أغلبية مطلقة من البرلمان.
وقد انتهت أخيراً حالة الطوارئ التي كانت تبدو أبدية في ظل النظام القديم في مصر في عام 2012 بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ومنذ ذلك الحين، أعلن بعض الحكام الذين تناوبوا على الحكم خلال تلك الفترة حالات الطوارئ، ولكن في كثير من الأحيان في مساحة محدودة وضمن الحدود الزمنية التي يفرضها الدستور.
في أبريل/نيسان 2017، أعلن عن حالة طوارئ عامة على البلد بأسره؛ ووافق عليها البرلمان. وفي يوليو/تموز، تم تجديدها، مع حصول التجديد أيضاً على موافقة النواب. وبعد ذلك، امتثالاً للدستور 2017، انتهت حالة الطوارئ في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ومن المذهل - أو ربما ليس من المستغرب، حسب وصف واشنطن بوست، أن تعلن حالة الطوارئ الجديدة، تطبق على البلاد بأسرها مرة أخرى، على الفور، ولكن تقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 13 أكتوبر/تشرين الأول أي بعد ثلاثة أيام.
وكان هذا الحل، بطبيعة الحال، انتهاكاً واضحاً لروح الدستور (الذي ينص على تجديدها، لمرة واحدة فقط، وبأغلبية مطلقة من البرلمان).
ومن الواضح أن الإعلان المجدد أُعد قبل انتهاء الإعلان القديم، حسب واشنطن بوست.
والدليل القوي على ذلك هو التعجيل الذي صدر به القرار الجديد، والخطوة التي اتخذت قبل فترة قصيرة من انتهاء الفترة القديمة التي أعطت بعض الصلاحيات لقسم الطوارئ التابع لمحاكم أمن الدولة. ولا تعمل هذه الهيئات إلا لمحاكمة الجرائم المرتكبة في ظل حالة الطوارئ. ولن يكون هناك سبب يذكر لإعادة تنشيط هذه المحاكم ما لم تكن حالة الطوارئ الجديدة مطبقة.
في هذا الشهر، قضت المحكمة العليا بأن المحاكم العادية - بدلاً من المحاكم العسكرية - هي الهيئات القضائية ذات الاختصاص في حالات الانتهاكات المنتظمة المزعومة لقانون التظاهر. وقد حاول معارضو المحاكمات العسكرية للمدنيين جاهدين الحصول على بعض الضمانات لحماية المدنيين من هذه المحاكمات المكتوبة في دستور عام 2014، ولكن تم رفض طلباتهم بشكل حاسم.
هل تمكنت المحكمة العليا من إيجاد طريقة لتحجيم المحاكم العسكرية بهذا الحكم الأخير؟ لا، هكذا كانت إجابة واشنطن بوست.
فلم تكن القضية دستورية، بل كانت نزاعاً حول الولاية القضائية بين محكمتين تحاول كل من المحكمة المدنية والعسكرية فيها تسليم القضية إلى المحكمة الأخرى. ولم تكن المحاكم العسكرية تتوقع فعلياً ولا تطلب ولا تختص بالولاية القضائية.
وعلاوة على ذلك، وبغض النظر عن هذا الحكم، يضمن تشريعان على الأقل أن المحاكم العسكرية ستستمر في التمتع بصلاحيات واسعة بغض النظر عن نظرة المنظومة القضائية العادية لها.
فدستور عام 2014 يضمن عموماً وجود العملية القضائية العسكرية ويسمح بعدد من السيناريوهات الموسعة التي يمكن فيها محاكمة مدني من خلال هذه العملية.
وبالإضافة إلى ذلك، ينص المرسوم الرئاسي الذي صدر عام 2014 لتحديد المرافق العامة والممتلكات التي يحميها الجيش المصري على أن أي جرائم يرتكبها مدنيون على مثل هذه المرافق أو الممتلكات تتم محاكمتها من قبل المحكمة العسكرية، مما يؤدي إلى توسع كبير في الأسباب التي تسمح بتقديم أي مواطن للمحاكمة أمام هذه العملية القضائية غير العادية.
وفي حين أن المحكمة الدستورية العليا اتخذت خطوة لتجريد المحاكم العسكرية من القضايا، التي لم تكن ترغب في النظر فيها أصلاً، إلا أن حالة الطوارئ القائمة تستخدم لتوسيع نطاق اختصاص قسم الطوارئ في محاكم أمن الدولة.
ويسمح المرسوم الصادر في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2017 للنيابة العامة بتحويل عدد كبير من الجرائم، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الجنايات والجنح "التي تضر بشكل داخلي بالحكومة"، والتحريض على الإطاحة بالحاكم، والجرائم الاقتصادية بموجب قانون السلع التموينية، والقانون المتعلق بالتسعير الإلزامي وتنظيم الأرباح، وإهانة الرئيس، وانتهاكات قانون التظاهر والجرائم التي يختص بها قانون مكافحة الإرهاب الجديد.
من خلال التوسع الكبير في صلاحيات أداة قضائية تهدف فقط إلى خدمة أغراض "الطوارئ"، تجعل السلطات المصرية حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير غير ذي قيمة تقريباً، حسب واشنطن بوست، وتقلل نفوذ النظام القضائي العادي، وتركز جهودها على خلق عملية قضائية موازية مضمونة من أجل إصدار الأحكام في صالح الدولة الأمنية.
ومع حالة الطوارئ التي تمنح الحكومة عدداً من السلطات الأخرى التي تكمل هذه التطورات، بما في ذلك التنصت على الاتصالات الشخصية، والرقابة على الخطاب العام، وتجاوز الإجراءات القانونية الواجبة، فإن حالة الطوارئ في مصر أصبحت هي الوضع الطبيعي الجديد - أو بالأحرى، إعادة إحياء للوضع الطبيعي القديم، ولكن بصورة عصرية.
وفِي الوقت ذاته قضت المحكمة الدستورية العليا في البلاد بأن المحاكم العادية - وليس المحاكم العسكرية - لها ولاية قضائية على القضايا التي تنطوي على انتهاكات قانونية مزعومة أثناء المظاهرات.
لكن ما بدا وكأنه انتصار للشعب كان في الواقع انتصاراً للدولة الأمنية. فقد اتخذت هذه الخطوات بطريقة سخرت من مطالب الثورات العربية عام 2011 وكشفت عن كيفية زرع تدابير سلطوية عميقة في النظام القانوني المصري، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
عودة إلى حالة الطوارئ المستمرة
تقول الصحيفة: إنه خلال كتابة دساتير ما بعد الثورة في مصر، كان الإصلاحيون يضغطون بشدة للحد من تطبيق حالة الطوارئ، آخذين في الاعتبار كيفية استخدامها لحكم مصر، مع انقطاعات قليلة منذ إعلانها في بداية الحرب العالمية الثانية.
ولكن الدستور الحالي، الذي صدر في عام 2014، بعد أن استعادت فيه مؤسسات الدولة ذات العقلية الأمنية السيطرة على البلاد، لا يحتفظ إلا بعدد قليل من أفكار الإصلاحيين.
ورغم ذلك ففي حالة الطوارئ، يضع دستور 2014 قيوداً هامة على الحاكم: فبدلاً من السماح له بإعلان حالة الطوارئ لسنوات بتجديدات دورية، ينص الدستور على أن إعلان حالة الطوارئ يجب أن يصدق عليه البرلمان، بل أيضاً أنها لا يمكن أن تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر. ويمكن تجديدها، ولكن لمرة واحدة فقط، وتتطلب هذه التجديدات أغلبية مطلقة من البرلمان.
وقد انتهت أخيراً حالة الطوارئ التي كانت تبدو أبدية في ظل النظام القديم في مصر في عام 2012 بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ومنذ ذلك الحين، أعلن بعض الحكام الذين تناوبوا على الحكم خلال تلك الفترة حالات الطوارئ، ولكن في كثير من الأحيان في مساحة محدودة وضمن الحدود الزمنية التي يفرضها الدستور.
في أبريل/نيسان 2017، أعلن عن حالة طوارئ عامة على البلد بأسره؛ ووافق عليها البرلمان. وفي يوليو/تموز، تم تجديدها، مع حصول التجديد أيضاً على موافقة النواب. وبعد ذلك، امتثالاً للدستور 2017، انتهت حالة الطوارئ في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017.
انتهاك للدستور
ومن المذهل - أو ربما ليس من المستغرب، حسب وصف واشنطن بوست، أن تعلن حالة الطوارئ الجديدة، تطبق على البلاد بأسرها مرة أخرى، على الفور، ولكن تقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 13 أكتوبر/تشرين الأول أي بعد ثلاثة أيام.
وكان هذا الحل، بطبيعة الحال، انتهاكاً واضحاً لروح الدستور (الذي ينص على تجديدها، لمرة واحدة فقط، وبأغلبية مطلقة من البرلمان).
ومن الواضح أن الإعلان المجدد أُعد قبل انتهاء الإعلان القديم، حسب واشنطن بوست.
والدليل القوي على ذلك هو التعجيل الذي صدر به القرار الجديد، والخطوة التي اتخذت قبل فترة قصيرة من انتهاء الفترة القديمة التي أعطت بعض الصلاحيات لقسم الطوارئ التابع لمحاكم أمن الدولة. ولا تعمل هذه الهيئات إلا لمحاكمة الجرائم المرتكبة في ظل حالة الطوارئ. ولن يكون هناك سبب يذكر لإعادة تنشيط هذه المحاكم ما لم تكن حالة الطوارئ الجديدة مطبقة.
قانون التظاهر والمحاكم العسكرية
في هذا الشهر، قضت المحكمة العليا بأن المحاكم العادية - بدلاً من المحاكم العسكرية - هي الهيئات القضائية ذات الاختصاص في حالات الانتهاكات المنتظمة المزعومة لقانون التظاهر. وقد حاول معارضو المحاكمات العسكرية للمدنيين جاهدين الحصول على بعض الضمانات لحماية المدنيين من هذه المحاكمات المكتوبة في دستور عام 2014، ولكن تم رفض طلباتهم بشكل حاسم.
هل تمكنت المحكمة العليا من إيجاد طريقة لتحجيم المحاكم العسكرية بهذا الحكم الأخير؟ لا، هكذا كانت إجابة واشنطن بوست.
فلم تكن القضية دستورية، بل كانت نزاعاً حول الولاية القضائية بين محكمتين تحاول كل من المحكمة المدنية والعسكرية فيها تسليم القضية إلى المحكمة الأخرى. ولم تكن المحاكم العسكرية تتوقع فعلياً ولا تطلب ولا تختص بالولاية القضائية.
وعلاوة على ذلك، وبغض النظر عن هذا الحكم، يضمن تشريعان على الأقل أن المحاكم العسكرية ستستمر في التمتع بصلاحيات واسعة بغض النظر عن نظرة المنظومة القضائية العادية لها.
فدستور عام 2014 يضمن عموماً وجود العملية القضائية العسكرية ويسمح بعدد من السيناريوهات الموسعة التي يمكن فيها محاكمة مدني من خلال هذه العملية.
وبالإضافة إلى ذلك، ينص المرسوم الرئاسي الذي صدر عام 2014 لتحديد المرافق العامة والممتلكات التي يحميها الجيش المصري على أن أي جرائم يرتكبها مدنيون على مثل هذه المرافق أو الممتلكات تتم محاكمتها من قبل المحكمة العسكرية، مما يؤدي إلى توسع كبير في الأسباب التي تسمح بتقديم أي مواطن للمحاكمة أمام هذه العملية القضائية غير العادية.
وفي حين أن المحكمة الدستورية العليا اتخذت خطوة لتجريد المحاكم العسكرية من القضايا، التي لم تكن ترغب في النظر فيها أصلاً، إلا أن حالة الطوارئ القائمة تستخدم لتوسيع نطاق اختصاص قسم الطوارئ في محاكم أمن الدولة.
ويسمح المرسوم الصادر في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2017 للنيابة العامة بتحويل عدد كبير من الجرائم، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الجنايات والجنح "التي تضر بشكل داخلي بالحكومة"، والتحريض على الإطاحة بالحاكم، والجرائم الاقتصادية بموجب قانون السلع التموينية، والقانون المتعلق بالتسعير الإلزامي وتنظيم الأرباح، وإهانة الرئيس، وانتهاكات قانون التظاهر والجرائم التي يختص بها قانون مكافحة الإرهاب الجديد.
لا قيمة لحكم المحكمة الدستورية
من خلال التوسع الكبير في صلاحيات أداة قضائية تهدف فقط إلى خدمة أغراض "الطوارئ"، تجعل السلطات المصرية حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير غير ذي قيمة تقريباً، حسب واشنطن بوست، وتقلل نفوذ النظام القضائي العادي، وتركز جهودها على خلق عملية قضائية موازية مضمونة من أجل إصدار الأحكام في صالح الدولة الأمنية.
ومع حالة الطوارئ التي تمنح الحكومة عدداً من السلطات الأخرى التي تكمل هذه التطورات، بما في ذلك التنصت على الاتصالات الشخصية، والرقابة على الخطاب العام، وتجاوز الإجراءات القانونية الواجبة، فإن حالة الطوارئ في مصر أصبحت هي الوضع الطبيعي الجديد - أو بالأحرى، إعادة إحياء للوضع الطبيعي القديم، ولكن بصورة عصرية.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/10/31/story_n_18428990.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات