بلهجة صعيدية واضحة، كان مجند تابع للشرطة المصرية يتحدث لزوار مسجد الإمام الحسين وسط القاهرة الإسلامية الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهو يحرس الباب المغلق. طلب منه رجل خمسيني دخول المسجد، فرفض بلا تردُّد. "تعالوا وقت أذان العصر، هنفتح المسجد نصف ساعة ونقفله تاني، الجماعة الشيعة ممكن ييجوا ويعملوا مشاكل هنا".
كانت قوات الأمن قد انتشرت في حي الجمالية؛ تحسباً لزيارات بعض الشيعة مقام الإمام الحسين بن علي، في ذكرى مقتله الذي وافق الأحد. لكن يوم "عاشوراء" مرّ هادئاً، بلا أية مظاهر "غير عادية".
ورفض أحد الضباط المكلفين تأمين الضريح الردَّ على أسئلة "هاف بوست عربي"، مكرِّراً عبارة أن القوة موجودة "بناءً على أمر وزارة الأوقاف". أما وزارة الأوقاف، فقد بررت ذلك بأنها "لن تسمح مطلقاً باستخدام المسجد لأي شعارات مذهبية أو طائفية"، كما قال الوزير محمد مختار جمعة الأحد.
وكان جمعة يتحدث، في مقر وزارته، للصحفيين، عن غلق ضريح الإمام الحسين؛ لمنع أي احتفالات شيعية في ذكرى عاشوراء، عندما قال إنه "لا يمكن أن يبتزنا أحد ولا نخضع لابتزاز أحد، والقضايا الأمنية هناك جهات أخرى تتولاها، وهناك قاعدة سد الذرائع".
ماذا فعل رجال الشرطة قرب ضريح الحسين؟
دور القوة الأمنية في مسجد الحسين ومحيطه كان منع الدخول في غير أوقات الصلاة، وسرعة صرف الزائرين من الضريح فور انتهاء الشعائر، ومراقبة سلوك المصلين؛ حتى لا يصدر عن أحدهم ممارسات دينية غير مألوفة، كما قال مصدر أمني.
على باب المسجد وقف جنديان، وإلى جوارهما منضدة صغيرة تجمَّع حولها مجموعة من ضباط الشرطة، 4 منهم برتبة لواء، يحتسون الشاي ويتسامرون.
في الجهة المقابلة، توقفت 3 سيارات شرطة صغيرة وسيارتا مطافئ، وسيارتا إسعاف، إلى جوار عربتي أمن مركزي. هناك أيضاً 3 سيارات أخرى تابعة لإدارة فض الشغب؛ يظهر منها جنديان يحملان أسلحة نارية، وآخران يحملان الأسلحة التي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع.
في الشوارع المحيطة بالمسجد وفي الباحة المقابلة له، ينتشر أفراد تابعون للأمن، لكنهم بزي مدني يوقفون أي شخص يشتبه فيه، يفتشون ملابسه، ويطَّلعون على أوراقه الثبوتية، ثم يعبثون في هاتفه الجوال.
واعتبرت صفحة "شيعة مصر" إغلاق مقام الحسين إجراءً طبيعياً يحدث كل عام، "كل عاشوراء نقيم المجالس بكل حرية فى منازلنا، فلِم الانزعاج؟".
وعلى السور الخرساني المحيط بالحديقة المقابلة للمسجد الموجود وسط القاهرة، يجلس عدد من الرجال والنساء في صفوف ينتظرون موعد فتح المسجد. ربما كان بعضهم من الشيعة الذين يفضلون زيارة الضريح من دون لفت النظر إليهم، كما قال أحدهم رافضاً ذكر اسمه.
وقال تقرير نشرته مجلة إيكونوميست السبت 30 سبتمبر 2017، إنه "منذ القيود التي فرضها صلاح الدين الأيوبي على المذهب الشيعي، يتظاهر الشيعة في مصر بأنَّهم سُنَّة. وبعضهم يمارس تقاليده تحت عباءة الطقوس الصوفية. فهم يذهبون إلى (موالد) الأولياء ويُخيِّمون عند أضرحة آل البيت. وبالإمكان إيجاد بعض الرجال وهم يضربون أنفسهم في نشوة، مستدْعين بذلك ممارسات الشيعة في الماضي. وبدورهم، تبنَّى الكثير من السُنَّة التقاليد الشيعية. وهناك قولٌ مأثور يقول: (مصر سُنِّية المذهب شيعية الهوى)".
متى بدأ التضييق على الشيعة المصريين؟
تتعامل الدولة المصرية منذ عهد السادات مع الشيعة باعتبارهم ورقة في العلاقات مع إيران، في رأي أحمد عامر، المعتقد بالمذهب الشيعي، والباحث في تاريخهم بمصر.
ويضيف عامر لـ"هاف بوست عربي" أن التنكيل بالشيعة بدأ مع قيام الثورة الإيرانية 1979، وموقف السادات الرافض لها. "في عهده، تم القبض على أول مجموعة من الشيعة باعتبارهم خلية تسعى لنشر التشيع والإضرار بالسلم الاجتماعي، وتكرر الأمر في 1987 و1988 و1996 و2002، وتعرض المشايخ والأئمة الشيعة للتنكيل والاعتقال أكثر من مرة. ولذلك كان -وما زال- غالبية المنتمين إلى المذهب الشيعي يرفضون الإعلان عن ذلك؛ خوفاً من الأمن والسلفيين وردّ الفعل الشعبي".
واستمر هذا الوضع حتى جاءت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كما يقول إبراهيم السيد، الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، فوجد الشيعة المصريون شأن الجميع متنفساً جديدً؛ بل تقدم عدد من قياداتهم إلى لجنة الأحزاب لتأسيس حزب سياسي يعبر عنهم، وبدأوا في إجراءات تسجيل جمعيات أهلية. "حاول الشيعة المشاركة في كتابة الدستور، والاحتفال بعاشوراء عام 2011، وامتلكوا الجرأة للظهور على الفضائيات والدفاع عن معتقداتهم، معتقدين أن الدولة الجديدة تسمح بحرية العبادة، إلا أن تلك الفترة شهدت أيضاً تصاعد تيارات السلفية، وكانت على مقربة من المجلس العسكري، ومن بعده الرئيس محمد مرسي، الذي شهد الأسبوع الأخير من حكمه مذبحة زاوية أبو مسلم التي قُتل فيها الداعية الشيعي الشهير حسن شحاتة و3 آخرين".
واتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الجماعات الإسلامية السنّية المتشددة بالمسؤولية عن قتل الشيعة الأربعة، وقالت إن الاعتداء على منزل الشيعة جاء نتيجة تحريض واضح ضدهم في وسائل الإعلام والفضائيات الإسلامية.
وجاءت تلك الحادثة بعد 10 أيام تقريباً من مشاركة الرئيس -وقتها- محمد مرسي، في مؤتمر "الأمة المصرية لدعم الثورة السورية"، وهو المؤتمر الذي طلب فيه الداعية السلفي محمد حسان من الرئيس مرسي إغلاق أبواب مصر أمام "الرافضة".
ورغم الحادث، يقول أحمد عامر إن د. محمد مرسي كان أول رئيس مصري يزور إيران منذ ثورة الإمام الخميني، كما زار مصر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وسمح للشيعة المصريين بالسفر بِحُرية إلى إيران، وهذا كان تقدُّماً واضحاً".
ويسمى الباحث إبراهيم السيد تلك الفترة بأنها كانت "الانفتاح الكبير" على إيران، "غير أن انفتاح الأقلية الشيعية فى مصر على إيران لم يصاحبه انتشار للتشيُّع وسط الجماهير المصرية لأسباب عدة، أهمها الصعود السياسي للتيارات الإسلامية السنية ذات النزعة المتشددة والحضور الشعبي الطاغي".
وكيف يعيش الشيعة في عهد السيسي؟
عادت قضية الشيعة إلى الجمود مرة أخرى في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحسب أحمد عامر، ويقول: "الآن لا جديد، والشيعة لا يرغبون في الدخول بصدام مع الدولة والدولة مشغولة بملفات أخرى".
كانت قوات الأمن قد انتشرت في حي الجمالية؛ تحسباً لزيارات بعض الشيعة مقام الإمام الحسين بن علي، في ذكرى مقتله الذي وافق الأحد. لكن يوم "عاشوراء" مرّ هادئاً، بلا أية مظاهر "غير عادية".
ورفض أحد الضباط المكلفين تأمين الضريح الردَّ على أسئلة "هاف بوست عربي"، مكرِّراً عبارة أن القوة موجودة "بناءً على أمر وزارة الأوقاف". أما وزارة الأوقاف، فقد بررت ذلك بأنها "لن تسمح مطلقاً باستخدام المسجد لأي شعارات مذهبية أو طائفية"، كما قال الوزير محمد مختار جمعة الأحد.
وكان جمعة يتحدث، في مقر وزارته، للصحفيين، عن غلق ضريح الإمام الحسين؛ لمنع أي احتفالات شيعية في ذكرى عاشوراء، عندما قال إنه "لا يمكن أن يبتزنا أحد ولا نخضع لابتزاز أحد، والقضايا الأمنية هناك جهات أخرى تتولاها، وهناك قاعدة سد الذرائع".
ماذا فعل رجال الشرطة قرب ضريح الحسين؟
دور القوة الأمنية في مسجد الحسين ومحيطه كان منع الدخول في غير أوقات الصلاة، وسرعة صرف الزائرين من الضريح فور انتهاء الشعائر، ومراقبة سلوك المصلين؛ حتى لا يصدر عن أحدهم ممارسات دينية غير مألوفة، كما قال مصدر أمني.
على باب المسجد وقف جنديان، وإلى جوارهما منضدة صغيرة تجمَّع حولها مجموعة من ضباط الشرطة، 4 منهم برتبة لواء، يحتسون الشاي ويتسامرون.
في الجهة المقابلة، توقفت 3 سيارات شرطة صغيرة وسيارتا مطافئ، وسيارتا إسعاف، إلى جوار عربتي أمن مركزي. هناك أيضاً 3 سيارات أخرى تابعة لإدارة فض الشغب؛ يظهر منها جنديان يحملان أسلحة نارية، وآخران يحملان الأسلحة التي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع.
في الشوارع المحيطة بالمسجد وفي الباحة المقابلة له، ينتشر أفراد تابعون للأمن، لكنهم بزي مدني يوقفون أي شخص يشتبه فيه، يفتشون ملابسه، ويطَّلعون على أوراقه الثبوتية، ثم يعبثون في هاتفه الجوال.
واعتبرت صفحة "شيعة مصر" إغلاق مقام الحسين إجراءً طبيعياً يحدث كل عام، "كل عاشوراء نقيم المجالس بكل حرية فى منازلنا، فلِم الانزعاج؟".
وعلى السور الخرساني المحيط بالحديقة المقابلة للمسجد الموجود وسط القاهرة، يجلس عدد من الرجال والنساء في صفوف ينتظرون موعد فتح المسجد. ربما كان بعضهم من الشيعة الذين يفضلون زيارة الضريح من دون لفت النظر إليهم، كما قال أحدهم رافضاً ذكر اسمه.
وقال تقرير نشرته مجلة إيكونوميست السبت 30 سبتمبر 2017، إنه "منذ القيود التي فرضها صلاح الدين الأيوبي على المذهب الشيعي، يتظاهر الشيعة في مصر بأنَّهم سُنَّة. وبعضهم يمارس تقاليده تحت عباءة الطقوس الصوفية. فهم يذهبون إلى (موالد) الأولياء ويُخيِّمون عند أضرحة آل البيت. وبالإمكان إيجاد بعض الرجال وهم يضربون أنفسهم في نشوة، مستدْعين بذلك ممارسات الشيعة في الماضي. وبدورهم، تبنَّى الكثير من السُنَّة التقاليد الشيعية. وهناك قولٌ مأثور يقول: (مصر سُنِّية المذهب شيعية الهوى)".
متى بدأ التضييق على الشيعة المصريين؟
تتعامل الدولة المصرية منذ عهد السادات مع الشيعة باعتبارهم ورقة في العلاقات مع إيران، في رأي أحمد عامر، المعتقد بالمذهب الشيعي، والباحث في تاريخهم بمصر.
ويضيف عامر لـ"هاف بوست عربي" أن التنكيل بالشيعة بدأ مع قيام الثورة الإيرانية 1979، وموقف السادات الرافض لها. "في عهده، تم القبض على أول مجموعة من الشيعة باعتبارهم خلية تسعى لنشر التشيع والإضرار بالسلم الاجتماعي، وتكرر الأمر في 1987 و1988 و1996 و2002، وتعرض المشايخ والأئمة الشيعة للتنكيل والاعتقال أكثر من مرة. ولذلك كان -وما زال- غالبية المنتمين إلى المذهب الشيعي يرفضون الإعلان عن ذلك؛ خوفاً من الأمن والسلفيين وردّ الفعل الشعبي".
واستمر هذا الوضع حتى جاءت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كما يقول إبراهيم السيد، الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، فوجد الشيعة المصريون شأن الجميع متنفساً جديدً؛ بل تقدم عدد من قياداتهم إلى لجنة الأحزاب لتأسيس حزب سياسي يعبر عنهم، وبدأوا في إجراءات تسجيل جمعيات أهلية. "حاول الشيعة المشاركة في كتابة الدستور، والاحتفال بعاشوراء عام 2011، وامتلكوا الجرأة للظهور على الفضائيات والدفاع عن معتقداتهم، معتقدين أن الدولة الجديدة تسمح بحرية العبادة، إلا أن تلك الفترة شهدت أيضاً تصاعد تيارات السلفية، وكانت على مقربة من المجلس العسكري، ومن بعده الرئيس محمد مرسي، الذي شهد الأسبوع الأخير من حكمه مذبحة زاوية أبو مسلم التي قُتل فيها الداعية الشيعي الشهير حسن شحاتة و3 آخرين".
واتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الجماعات الإسلامية السنّية المتشددة بالمسؤولية عن قتل الشيعة الأربعة، وقالت إن الاعتداء على منزل الشيعة جاء نتيجة تحريض واضح ضدهم في وسائل الإعلام والفضائيات الإسلامية.
وجاءت تلك الحادثة بعد 10 أيام تقريباً من مشاركة الرئيس -وقتها- محمد مرسي، في مؤتمر "الأمة المصرية لدعم الثورة السورية"، وهو المؤتمر الذي طلب فيه الداعية السلفي محمد حسان من الرئيس مرسي إغلاق أبواب مصر أمام "الرافضة".
ورغم الحادث، يقول أحمد عامر إن د. محمد مرسي كان أول رئيس مصري يزور إيران منذ ثورة الإمام الخميني، كما زار مصر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وسمح للشيعة المصريين بالسفر بِحُرية إلى إيران، وهذا كان تقدُّماً واضحاً".
ويسمى الباحث إبراهيم السيد تلك الفترة بأنها كانت "الانفتاح الكبير" على إيران، "غير أن انفتاح الأقلية الشيعية فى مصر على إيران لم يصاحبه انتشار للتشيُّع وسط الجماهير المصرية لأسباب عدة، أهمها الصعود السياسي للتيارات الإسلامية السنية ذات النزعة المتشددة والحضور الشعبي الطاغي".
وكيف يعيش الشيعة في عهد السيسي؟
عادت قضية الشيعة إلى الجمود مرة أخرى في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحسب أحمد عامر، ويقول: "الآن لا جديد، والشيعة لا يرغبون في الدخول بصدام مع الدولة والدولة مشغولة بملفات أخرى".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/10/02/story_n_18165140.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات