الأحد، 8 أكتوبر 2017

قهقهة بهلوان

قهقهة بهلوان

مللت الحضور.. ما المثير الذي سوف أشاهده؟! ما المدهش الذي سوف أستمع إليه؟! هل هناك غير الكذب؟!

ابتسامات زائفة.. قهقهات سمجة.. تصفيق حار.. أبيات شعرية صاخبة.. بروتوكول معتاد من النفاق.. الكل يرفع الصور، ويعلق لافتات الحب الزائف. لا أحد يجلس سوى العجزة والعواجيز، الذين دأبوا على تقديم فروض الطاعة، والولاء حتى الرمق الأخير.

يقوم ذوو الخبرة، من أولئك الأتباع، وأتباعهم بالواجب المتفق عليه في كل مرة، دون اجتهاد.. لا زيادة أو نقصان، وإلا خسروا شرف استدعائهم مستقبلاً.. لا مجال للخروج عن النص في مثل تلك المناسبات، أو داخل تلك القاعات المخصصة لأصحاب المعالي، والفخامة.

ربما يتشابه ذلك المشهد القبيح، مع مشهد آخر لطيف، نراه في حفلات الزفاف.. فالمعازيم الذين لا يرون أنفسهم يكذبون، وإنما يُقسمون أنهم يتجمّلون، عندما يتجمهرون انتظاراً لمجيء العروس؛ يبادلونها زيفاً بزيف، يطوقونها بحزمة فلكلورية متناغمة من الرقص والغناء والزغاريد.

تظهر هي متخفية خلف طبقة سميكة من مساحيق التجميل.. مكياج مبالغ فيه -عادة- كلما كانت قبيحة؛ لتزداد قبحاً مضحكاً كالبهلوان.. أوركسترا متكررة، يقودها الكذب؛ ولكنه مباح اجتماعيا، اعتاده الناس، فقط على سبيل مجاملة العروس، وشحن معنوياتها لتتمكن من قضاء ليلة العمر في سعادة، بعد خلع الماسك، وخفوت الأضواء؛ إيذاناً بانتهاء سيمفونية الخداع المتبادل؛ لتحل الحقيقة، وتحتل أرجاء المكان، ولا تجد مقاومة، بعد أن يرحل الجميع، ويبقى العروسان، طرفا الحقيقة، أبطالاً لمشهد لا يبرح ذاكرتنا.

غاية ما كان يطمح إليه البهلوان في السابق، هو لفت أنظار المتفرجين بشتى الطرق، محاولاً -بدأب شديد- استجداء إعجابِ من يشاهدونه؛ حتى يظل واقفاً على المسرح؛ ليمارس حركاته البهلوانية الفارغة.

فهو يستمد وجوده، ويضمن استمراره من قدرته على احتلال أنظار الجماهير المتجمعة أمامه. كان كذبه مباحاً، كالكذب الذي تمارسه العروس، في مواجهة كذب صديقاتها. بمعنى آخر، لعبةٌ الكل فيها رابح..عليك أن تدفع لكي تضحك، وعليه أن يضحكك لكي تدفع.

أما الجيل الجديد من فصيلة البهلوانات، فلا يحتاج إلى بذل جهد، أو إلى محاولة تسول إعجاب الجمهور. فهو يحصل على اهتمامهم مجاناً، ومن دون مصاريف إدارية، من خلال حملات الدعاية المدفوعة؛ من جانب أصحاب المصالح الحاليين، أو من صغار المنافقين المتطوعين، الطامحين في وراثة كبرائهم، وشغل أماكنهم مستقبلاً؛ لتبقى راية الإفك مرفوعة، وتظل قهقهة البهلوان تملأ أرجاء القاعات.

تبدلت الأدوار.. لم يعد البهلوان فقيراً حتى يظل مرتدياً الزي ذاته في كل عرض بهلواني.. لم يعد ينتظر ملاليمك، أو قروشك، أو حتى دولاراتك..أنت الفقير الذي تنتظر عطاياه، ومكرماته من مالك الذي بات بيديه.. صار سيدك الذي عليك طاعته، سواء رضيت أم لم ترضَ.. أصبح ولي أمرك رغماً عنك.

البهلوان أصبح ذا سلطة، وثروة، ومحاسيب. لم يعد بحاجة إلى احتراف الحيل الخادعة، الساذجة؛ مثل السير فوق الحبال، أو تخطى الإطارات المشتعلة للفوز بإعجابك، أو حتى لمجرد إثارة انتباهك.

لماذا يطبع وجهاً فوق وجهه الذي قد يكون حزيناً؛ ليرسم الضحكات فوق وجهك الذي صار ضئيلاً بنظره؟! لا يعبأ بك.. ربما لا يراك.. لا يحتاج إلى تشجيعك.. أنت تحصيل حاصل.. هو يحقق ما يريد من دونك الآن. عليك أن تستفيق أيها الأحمق.. قواعد اللعبة قد تغيرت، وأنت لا تدري.

أصبحت أنت المثير لقهقهاته، وأحياناً سخريته.. صرت أنت الملزم برسم البسمة على شفتيه، حتى وإن كنت غارقاً في الهم.. أنت الذي بحاجة إلى دعمه، ومساندته، ورضاه؛ كي تظل محتفظاً بالبقاء تحت ضوء الشمس في أرضك التي كنت تملكها.

أرضك صارت سيركاً لا يمنح ضحكاً، لا يقدم بهجة، يقبع فوق جزيرة معزولة، وسط بحر متلاطم الأمواج.. سكانها صامتون.. خائفون.. مترقبون. أوغادها يتسابقون.. يرقصون.. ينشدون.. يكذبون.. يتآمرون.. يحتالون.. يسرقون.. يقتلون.. يتصببون عرقاً.. يلهثون لإرضائه ليظل هو يقهقه.. ويقهقه.. ويقهقه، وتظل أنت تبكي.. وتبكي.. وتبكي.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/-mahmoud-ruby-/-_13542_b_18148738.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات