السبت، 7 أكتوبر 2017

رسالة بتوقيع: ابنكِ المجرم

رسالة بتوقيع: ابنكِ المجرم

2017-09-29-1506726008-753086-tlchargement1.jpg


رسالة بتوقيع: ابنكِ المجرم

بعد الطفل الشهير (جورج سيتيني) (14 سنة) الذي أُعدم بالكرسي الكهربائي سنة 1944 بالولايات المتحدة الأميركية والذي وبعد فوات الأوان بسنوات سيُبرّأُ تماماً من تهمة القتل العمد، يأتي الدور على ثاني أصغر طفل لا يتعدّى الخمسة عشر ربيعاً ليواجه نفس المصير في نفس البلد، طبْعاً لن نناقش في هذه السطور حيثيات الحكم ولا القرائن القانونية التي أُدين من أجلها هذا اليافع الأميركي، ولكن سيتمّ التركيز أساساً على رسالة جدّ مؤثرة تركها لأمّه قبل لحظات من إعدامه حيث وضع -أسرته من خلال والدته المُقصّرة في تربيته- في قفص الاتّهام.. وقبل مناقشة مضمون هذه الرسالة هذا نصّها حرفيّاً:

أمّي الحبيبة.. أعتقد إذا كانت هناك عدالة حقيقية في هذا العالم لكنتِ مثلي تماماً.. محكوماً عليكِ بالإعدام فأنتِ مذنبةٌ مثلي تماماً بلْ وأكثر منّي في هذه الحياة المليئة بالبؤس والهوان هل تتذكّرين يا أمّي؟ تلك الليلة التي دخلتُ فيها المنزل ومعي دراجة سرقتها من طفلٍ آخر وقد ساعدتني في إخفائها كيْ لا يراها أبي عند دخوله المنزل، هلْ تتذكّرين يا أمّي؟ عندما سرقت نقود جارتنا حيث ذهبتِ معي المركز التجاري واشْترينا معاً كلّ ما أردناه هلْ تتذكّرين يا أمّي؟ حين سرقت الامتحان النّهائي وأنتِ ساعدتني في حلّه وكانت النتيجة أنْ طردوني من المدرسة لقد كنتُ وقتها مجرّد طفل وبعدها مراهق مشوّه نفسيّاً وسيّئ الخُلق كنتُ مجرّد طفل بريء يحتاج لتقويم وتهذيب وتصحيح هفواته وأخطائه لا لأمٍّ توافقه على كلّ أهوائه: إلى أنْ وَصل بي الحال لهذه الدّرجة.

إنّ الآباء يا أمّي همُ المسؤولون الأوائل عن سلوك أطفالهم وتصرّفاتهم.. كذلك هم المسؤولون عن تكوين النّشْء: فإمّا أن يكون نشْئاً مهذّباً أو يكون بلطجيّاً مجرماً.

شكراً لكِ يا أمّي على إعطائي الحياة، وشكراً على سلبِها منّي مرّةً ثانية.

توقيع: ابنك المجرم

أكيد أنّ معظم من سيقرأ هذه الرسالة وهي في الرّمق الأخير من حياة طفلٍ سيعانق الموتَ إكراهاً، أكيد أنّه سينحازُ إليه عاطفّيّاً ليس فقط لأنه سيُعدم، بل لأنه هو الآخر ضحيّة (مجتمع) بصفة عامّة وضحيّة (أسرة) بصفة خاصّة، وهنا مربط الفرس: سيقول قائل: ليس هناك من أسرة تتمنّى أن ترى أطفالها مجرمين؟ هذا صحيح إلى حدٍّ بعيد.. ولكنّ الحقيقة أحيانا يترجمها واقعاً آخر تتحمّلُ فيه الأسرة كامل المسؤولية عن سلوك أطفالها اليافعين، فالأمّ مثلاً -وكما جاء في الرسالة- كانت توفّر غطاء لبعض الأفعال المشينة لوَلدها، فهي من دون أن تشعر تتحوّل إلى (عرّاب) مُلْهِم لمغامراته فَتجده أحياناً يقوم بالسّرقة بدافعٍ غريب وهو أنْ يستميلَ المزيدَ من إعجابِ أمّه أو أيْقونته، بينما -وهذا هو الخطير في الأمر- تراه محتاطاً من الطرف الآخر، أي الأب الذّي سيصبح مع مرور الوقت يشكّل عنصرَ بغْضٍ باطنيٍّ لطفله العاشقِ للتّمرد والمحْبِّ للطيش، فهو لمْ يُدرك بعد قيمةَ أن يكون الأب مثاليّاً فالمثاليّة بالنسبة له تختزلها أمّه التي تشاركه أفعاله وانفعالاته سلباً أو إيجاباً، وعندما نقول إن الأمّ توفّر التغطيّة السلبية لولدها فهذا يعني أنّها تحقنه بمصْلٍ خطير اسمه (الغنج والدّلال) فالتربية القائمة على هذا النوع من السلوك تأتي بنتائج وخيمة، سواء على شخصيّة الطفل أو على مسار الأسرة، فكما يقول المثل العربي: (من أدّب ولده صغيراً سرّ به كبيراً)، والتّأديب ليس معناه الغِلظة المفرطة ولا التّقريع المؤْذي للنفس، بقدر ما هو تأديبٌ وتوجيه يتماشى مع حجم الطفل جَسَدِيّا ونفسِيّاً.

في واقعنا المُعاش، وخصوصاً فيما يتعلّق بالبيئة التربوية لعالمنا العربّي، نجد أنّ كثيراً من الآباء يشتكون من تصرّفات، أو لنقُل من عقوق أبنائهم لهم، بل وتجد أنّ بعض الأبناء داسوا كلّ الخطوط الحمر مع آبائهم نتيجة عوامل كثيرة، لعلّ أبرزها تقصير هؤلاء الآباء في تربيتهم في سنٍّ مبكّرة، فهم يشتكون دون أن يدركوا أنّهم هم السبب الحقيقي لهذا العقوق؛ حيث جاء في الأثر: (ملعونٌ من استعقَّ ولدَه)، أي حمل ابنه على عقوقه بسوء المعاملة أو قصّرَ في تربيته أو بهضم حقوقه.

وأعتقد أنّ الطفل صاحب الرسالة أعلاه كان يشير إلى هذا المعنى وهو يختتم رسالته قائلا: شكراً لكِ يا أمّي على إعطائي الحياة وشكراً على سلبِها منّي مرّةً ثانية.. طبْعاً وكان الإمضاء بعبارة: (توقيع ابنك المجرم) كأنه يريد أن يقول: هذا ما جنتْهُ عليَّ أمّي وما جنيته على أحد!


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/tagmoote-noor-aldeen/-_13534_b_18141086.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات