الاثنين، 2 أكتوبر 2017

أنسدونس زرقاء

أنسدونس زرقاء

للروح رجاء خفي لا يدركه الكثير من الناس، للروح بقاء عندما يختفي الجميع، للروح سَرَيان يطغى على كافة موازين البشر، حيث تتجلَّى أصواتُ الفتات وكأنها أعمدة نار عندما تتحدى القدر، للروح مكان لا يمكن اعتباره أكثر راحة من الجحيم الناعم، حيث تتسلى مسلات الهنود على وقع موسيقى البلد الرائع الموجود جنوب أريزونا.

هي لقمة التبجح الغائر في ندوب الزمن، هي قدرة على التدبير في كل خطوة يخطوها الإنسان تتبُّعا لِقيَمِه المبعثرة، هي كافة المعتقدات في سلة واحدة، يخلق الفرد بينها قيمةً رجعيةً بتقادم التفكير والروح عبر التوازي بينهما، في النِّسب والقيمة هما متوازيان، في التكاليف والرجاء هما متعامدان، في البقاء والأزلية هما متلازمان وبشكل نادر.

أن يهفو بقاء الإنسان إلى كافة معتقدات البشر فذاك هو الشرف بكل مهابة، أن يسلك الإنسان مساراً يغيِّر من حياته رغم صعوبته فتلك أقدم صور التضحية يقينـاً، أن يتضرَّع الفرد الإنساني إلى ذاته، طلباً للقدرة على حالته الطبيعية الإنسانية فتلك من أجمل صور الحياة، أن يبقى الإنسان وفِياً لحاله فتلك أسمى عبارات الصفاء دائماً.

لا تغيير في حالة الإنسان، ولكن التغيير يمسُّ حاله دون تأجيل، هي رباطة جأش لا يمكن للفرد تجاهلها، وهي التي تجعله أكثر وضوحاً من غيره، إذ بقيت الإنسانية متميّزة بما لها وما عليها رغم تعاقب عقارب الساعة على الدوران، منذ البدء وقبله كل بدء ذي بدء؛ هي نوعية من الطواعية الرديئة التي تغرِّد بعيداً عن سياقات المناسبات على اختلافها.

ما من جدل يمكنه أن يعيش فوق المباني المعنوية لوقت طويل، إما يُفجِّرها وإما تفجِّره ليزول أو تزول، لكن الإنسانية بحاجة دائماً لمن يلتقط عطرها وهو يسير حتى يحفظ له قيمته على الأجساد مثل الوشام؛ لأنَّ الإنسان هو الأقدر على تمييز ما يمكنه إيقاظه بما لديه، وما يمكنه اتباعه وهو الآتي من البعيد رغبة منه للذهاب إلى البعيد أيضاً، هي القصة تتنازل عن روحها نزولاً عند همس الروح وتجلياتها، هي سريان يبدأ من سكنات جلد الإنسان وبصيرته لتصل إلى مقدرات وجود البشر وترنيماتهم، هي كل ما يقف في اتجاه العالم الروحي للإنسان، لتتغيَّر الإنسانية بطرفة نظر نحو المجهول، هي مسارات تلتقي عندما تفترق، هي آمال تلتهب عندما ترتقي، وهي كل ما يمكن إيضاحه رغبة في نشوة عابرة.

مَن جعل الدمع قابلاً لأن يُسكب بجدية؟ مَن جعل كل الناس سواسية حين يخرجون مدرجين إلى الحياة؟ من صنع "وهم" الحياة؟ هو القدر والمكتوب، هو العلن والمكتوم، هو ما بقي متداولاً على الألسنة، وما هو مسجّل في ألواح الخالدين، إنها لدغة كل حيٍّ وحده وهو يتوجّه نحو فنائه مجبراً، ما هو الفناء إن لم يكن مجرّد فلتة من خيال البشر؟

تقييم الإنسانية هو الذي يطغى على كافة الموارد والمواد، وتقدير الحياة هو اللغة التي تمارس رونقها الجميل، طمعاً في الهدوء والاستقرار، إنَّ العطر الجميل يفوح حتى على أجسام الموتى، ومَن تمكَّن من رسم حياته وأيَّامه بالعطور فإنَّه سيبقى وفيّاً لبقائه دائماً، وكم من لدغة نفثت العطر بدل السم. الإنسانية أكثر تجلّياً مما يعتقد أذكانا، والروح هي تاج كل إنسان، لا يمكن أن يتخيّل الفرد وجوب فنائه، ومع ذلك فهو يسمح لحياته بلجم مساعيه، طلباً لمرساة الحظ، أو منجنيق المداراة، وهذا ما يجعل الإنسانية أكثر وضوحاً وتداولاً. عنوان هذه الأسطر هو مستوحى من منتوج فرنسي للعطور، وهو باللون الأزرق على مكتبي، من الرائع أن تفوح عطور التآلف بين البشر، وبدلاً من نشر الخراب، يتم نشر الرياحين.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mezouar-mohammed-said/-_13355_b_18007288.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات