العلاج النفسي بالرقص.. خبرتي مع المرضى النفسيين في مصر

هذه التدوينة بالعامية المصرية

طول عمري بحب الرقص جداً يمكن بطبيعة ثقافتي النوبية اللي عندنا الرقص جزء أصيل في تركيبة الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد، وكده فكنت بقعد أرقص على نفسي طول الوقت حرفياً.

وعمري ما هنسى لما أستاذي شاور لي من حوالي 5 سنين إني مش مبسوطة ولا بحب نفسي ولا حاسة بجمالي، حتى لو كنت بضحك وبتنطط وبرقص؛ ساعتها استغربت جداً وما فهمتش بس دلوقتي.

وبعد خضوعي لمشوار من الإشراف والعلاج الشخصي أقدر أفهم وأحس وأشوف الفرق بين إني أرقص وإني أتنطط وأعمل حركات من غير أي تواصل مع مشاعري حقيقي؛ أقدر أشوف إن رحلتي الخاصة في فهم نفسي من خلال خضوعي الشخصي لعملية علاجية ليها تأثير في شكل رقصي وحركتي، إحساسي بنفسي.
وطبعاً ده أثر بشكل أساسي في رؤيتي كمعالجة مع المجموعات اللي بشتغل معاها، وقعدت أفكر إنه يااه لو كنت استعجلت وفرحت بتنطيطي وبمهارتي في الرقص، وأقول يلا نعمل علاج بالرقص أد إيه ده كان ممكن يكون سطحي ومشوش وغير نافع إن لم يكن ضار وبعيد عن المعنى الحقيقي للعلاج وبحمد ربنا، والله على نعمة السكة رغم الألم والطول بس في شغلتنا دي حقيقي الاستسهال جريمة في حق نفسي وفي حق اللي بيطلب مني اساعده على المستوى النفسي في رحلته.

أنواع العلاج النفسي تعلمها وممارستها بما يرضي الله مش بالحداقة يعني صعبة وشاقة.. وفي اعتقادي -والله أعلم- طبعاً إن العلاج بالفن بجميع أنواعه صعوبته إنه بيحتاج من المعالج إنه يكون عنده خبرة طويلة في تعلم وممارسة العلاج النفسي الكلامي، والمجموعات العلاجية، والجلسات الفردية مدة زمنية طويلة جداً "وبأكّد على الزمن"، وبعد ذلك التخصص في كيفية إدخال الفن كأداة هامة في العلاج.

لما بقابل زملاء عندهم الرغبة ومعجبين بطرح فكرة الفن في العلاج النفسي أول شيء بنصح بيه أن يتعلم الأول سيكوثربي كويس مدة زمنية طويلة، وتحت إشراف، وبعدها يتخصص في العلاج بالفن، ده بيختصر عليه كتير في فهم وإدارة النوع ده من العلاج، اللي بيحتاج مهارة خاصة جداً في تجريد وفهم المعاني؛ لأنه بحس حقيقي إن الفن خطير وسهل جداً على المعالج المبتدئ، إنه ينبهر بالأدوات ويبهر الناس بيها، بس هي في الحقيقة يعني إنه في داخل العملية العلاجية أقل عامل مؤثر فيها هو الأداة المستخدمة (الفن بكل أنواعه، رسم، رقص، دراما.....)، وإن المعالج وحدسه وخبرته وشغله على نفسه ورحلته الخاصة ليها نصيب الأسد في التأثير على العملية العلاجية... مع وجود عوامل أخرى طبعاً ومهمة.

للأسف بقى اللي بيحصل إننا بنستسهل ونفتكر إنه الفن لعب، وإنه سهل بقى وممكن نستعجل ونجري وننبهر بدون صبر، وإنه لسه ممكن أكون طالبة وبتعلم، وما عنديش أي خبرة في أي شغل نفسي حقيقي مع العيانين وأعمل ورشة علاج بالفن.. رقص أو دراما، وأكتفي بأني بعرف أرسم وأستخدم الألوان أو بعرف أرقص، لكن الحقيقة إنه العلاج والعملية العلاجية مختلفة تماماً عن هواية الفن بكل أنواعه.

تقريباً أنا ما بين بداية محاولة تعلم العلاج بالرقص وما بين بداية شغلي مع بني آدمين فى العلاج النفسي حوالي 10 سنين ما بين تعلم ودراسة وممارسة أنواع مختلفة من المدارس العلاجية، والجلسات الفردية وإدارتها والمجموعات العلاجية وعلاج الإدمان وعلاج الاضطرابات والأمراض النفسية، وعمل بحث مفصل في رسالة ماجستير عن كيفية عمل برامج علاجية ووقائية وأهم حاجة خضوعي للعلاج الشخصي، بعد كده بدأت مؤخراً آخد خطوات في إني أتعلم العلاج بالرقص، وما زلت بتعلمه ومتأكدة إن كل المشوار ده موجود ومؤثر في المجموعات اللي بعملها حتى لو مش ده عنوانها!

أنا عارفة إن العلاج بالرقص والفن جديد علينا كلنا في مصر، وكلنا لسه بنتعلم ونحاول ونفهم ونغلط ونستنتج ونرغي على الفاضي والمليان، بس عشان هو جديد ومهم، وأنا عن نفسي عندي شغف حقيقي تجاه فهمه وممارسته بشكل علمي أكتر، فعندي بردو إحساس بالمسؤولية تجاه اللي بيطرح حول هذا الاسم (العلاج بالرقص)؛ لأننا بنأصل لفكرة الناس عنه اللي هيثبت فترة طويلة في الذهن وأتمنى إننا ناخده بجدية كمعالجين نصبر شوية على نفسنا وناخد وقت كويس نتعلم ونفهم ونسأل، وكمتعالجين نعرف ونبحث كويس عن المعالج وخبرته وخصوعه للإشراف من قِبل أساتذة أكبر قبل ما نحضر أي عنوان تحت مسمى العلاج مبهر وشكله حلو وخلاص.

أذكّر نفسي وإياكم إننا كلنا معالجين ومتعالجين محتاجين نبذل مجهود حقيقي، قبل ما تطلب مساعدة وتخضع للعملية العلاجية كمتعالج ابذل مجهود إنك تفهم وتبحث عن المعالج مش عن العنوان المبهر للكورس وخلاص.

دعواتكم إن ربنا يتم على خير رحلة تعلمي وفهمي؛ لأني لسه قدامي طريق طويل أتعلم بشكل علمي أدق وأفهم أكتر عن العلاج بالرقص اللي لسه يا دوب بحاول أفهمه وبقول يا هادي فيه.