يستعد الشعب الصوماليلاندي لمواصلة عرسهم الديمقراطي الثالث، لانتخاب رئيسهم الجديد في 13 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، هذه الانتخابات ستكون كسابقتها بنظام الاقتراع المباشر، عبر إدلاء الناخبين بأصواتهم في مراكز الاقتراع، وذلك بعد التأجيل مرتين لأسباب خارجة عن إرادتهم، أبرزها الجفاف الذي ضرب البلاد ليس في صوماليلاند فقط، ولكن في جميع أقاليم القرن الإفريقي في العام الماضي
فصوماليلاند -الدولة الناشئة التي تعتبر نفسها دولة مستقلة ومنفصلة عن الصومال منذ 1991م برغم عدم حيازتها لاعتراف دولي رسمي- تأمل أن تنجح انتخاباتها بسلام ووئام، بسبب الظروف الجيوسياسية المعقدة المحيطة بها.
فشمالاً، اليمن السعيد لم يعُد سعيداً في حاله بسبب الحرب، قبل أن يكون على غيره، وصوماليلاند مع ترحيبها بسعة الصدر لأول مرة باللاجئين اليمنيين الفارين من جحيم النار، ومعاملتهم معاملة المواطن، إلا أن هذا صار عبئاً عليهم وعلى ميزانيتهم الضعيفة، ناهيك عن إيقاف تصدير المواشي إلى اليمن، فقد كانت البوابة الثانية للتصدير لها بعد المملكة العربية السعودية.
وجنوباً، حكومة الصومال ومعها القوات الإفريقية لم تتمكنا من منع حركة شباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة من تفجيراتهم العشوائية.
وشرقاً إثيوبيا، وهي الدولة التي بلغ عدد سكانها أكثر من مائة مليون، وهي دولة لا تطل على أي بحر، فهي من ضمن الدول ما يسمى "الدول المغلقة"؛ حيث تقع هذه الدول تحت رحمة الدول المجاورة لها في اتصالها مع العالم الخارجي.
ولهذا السبب دائماً عينها على بحر الصومال ككل، وعلى صوماليلاند خاصة، كون ميناء بربرة أحسن الموانئ وأقرب إليها؛ حيث يمر 90 في المائة من تجارتها عبر جيبوتي و30 في المائة من هذه التجارة عبر ميناء بربرة.
إذا تركنا الجغرافيا القريبة وذهبنا بعيداًً، فهناك دولة خليجية عربية ليست جارة لصوماليلاند دخلت على الخط، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث بدأت علاقتها مع صوماليلاند مع بداية الدخول القوي لتركيا في الصومال، علماً أن هناك صراعاً قوياً بين الإمارات وتركيا، بدءاً بالربيع العربي وانتهاءً بخلاف الخليج الخليجي، وذلك حين زار رجب طيب أردوغان مقديشو 2011 إبان المجاعة التي ضربت جنوب الصومال آنذاك، وأثارت هذه الزيارة انتباه الرأي العام العالمي، حتى توافد العالم فرادى وزرافات، فصارت تركيا ورئيسها أحب إلى أفئدة الصوماليين، فالرجل حول مقديشو من عاصمة القتل والفوضى إلى عاصمة أخرى مغايرة تماماً لما كانت عليه من قبل.
والمعلوم أن تركيا مع جديتها لإنهاض الصومال من كبوتها مشكورة، إلا أنها لم تأتِ إلا لمصلحتها، وتعتبر مقديشو البوابة الاستراتيجية لها إلى عمق القارة الإفريقية، فهي التي فتحت أكبر سفارتها في إفريقيا في العاصمة مقديشو، وقامت بافتتاح عدد من المشاريع الصحية والخدماتية، كما قدمت منحاً دراسية جامعية للطلاب الصوماليين في جامعاتها، حتى رأينا بعد سنوات من عودة الطلاب الخريجين وهم يقدمون باللغة التركية أشعار مدح لتركيا العظيمة وقائدها الفذ.
لذا لم يتسنّ لدولة الإمارات المنافس القوي لتركيا في المنطقة أن تجد موضع قدم لها في العاصمة، فمطار وميناء مقديشو محجوزان لتركيا، والخطوط التركية هي الوحيدة التي تقيم رحلات جوية بين مقديشو وإسطنبول، ناهيك عن إقامة أكبر معسكر تدريب في العاصمة، فقد شعرت حكومة أبوظبي بخطورة إنجازات "الأردوغانية" في مقديشو لمصالحها الاستراتيجية الاقتصادية بعيدة المدى لسببين؛ أولاً: الصومال ثاني مستورد للبضائع من دبي بعد إيران بتقرير "بي بي سي" 2012، ولا تريد أن تخسر هذا الزبون.
ثانياً: مواصلتها إبقاء دبي بعيداً عن منافسة الجيران كمركز إقليمي وعالمي للتجارة والسفر، علاوة على ذلك معارضة أبوظبي لأيديولوجية تركيا المعاصرة التي دعمت الربيع العربي وتساند الإسلام السياسي.
كل هذا أجبر على الإمارات أن تذهب بعيداً لتجد بغيتها في صوماليلاند، فوضعت يدها على ميناء بربرة ومطارها، وبدأت بتسهيل رحلات جوية من الإمارات إلى صوماليلاند من خلال شركاتها "فلاي دبي" و"العربية"، كما أنشأت قاعدة عسكرية لدعم عمليات الحصار البحري في البحر الأحمر ضد الحوثيين، كما زعمت.
فهل تسعى الإمارات إلى أن تسيطر على سياسة البلد بعدما سيطرت على أهم مراكز الاقتصاد؟ المؤكد أن هناك لقاءً حدث بين الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في الدولة، وبين رئيس حزب الحاكم "كلمية" موسى بيحي عبدي، هذا اللقاء وإن طرح أسئلة، فقد فسرته الصحافة المحلية بأنه بمثابة إعلان دعم له للانتخابات المقبلة، على المرشحين المدنيين، كونها تعشق العسكر، فالرجل ليس له خبرة بإدارة أمور الدولة والعلاقات الدولية، عسكري، تسلطي، لا يعرف يتكلم، ويشبه تماماً سيسي مصر، وحفتر ليبيا.
الصوماليلانديون سيراقبون أطماع الإمارات المتزايدة في بلادهم، ونظرتهم الطامعة على مدينتهم المفضلة "بربرة"، كما يرصدون استغلال أبوظبي العملية الانتخابية الرئاسية المقبلة لتحقيق مزيد من التوسع ميدانياً، ولكن لا أظن أن الإمارات تنجح بسبب التضاريس السياسية القبلية المعقدة، فمهما صار من انتخابات ديمقراطية، فالقبلية هي أحد مكونات المشهد السياسي الهامة في صوماليلاند، وهذا ما لا تفهمه أبوظبي، ناهيك عن أن الشعب يعي تماماً بمن ينتخب، فلا يجعل مقارنة بين مدني متعلم وعسكري متسلط، ولا ننسَ أن إثيوبيا حاضرة في المشهد، وهي التي تشم رائحة مصر السيسي من جعبتها، ولا أظن أنها تكون من المتفرجين.
فصوماليلاند -الدولة الناشئة التي تعتبر نفسها دولة مستقلة ومنفصلة عن الصومال منذ 1991م برغم عدم حيازتها لاعتراف دولي رسمي- تأمل أن تنجح انتخاباتها بسلام ووئام، بسبب الظروف الجيوسياسية المعقدة المحيطة بها.
فشمالاً، اليمن السعيد لم يعُد سعيداً في حاله بسبب الحرب، قبل أن يكون على غيره، وصوماليلاند مع ترحيبها بسعة الصدر لأول مرة باللاجئين اليمنيين الفارين من جحيم النار، ومعاملتهم معاملة المواطن، إلا أن هذا صار عبئاً عليهم وعلى ميزانيتهم الضعيفة، ناهيك عن إيقاف تصدير المواشي إلى اليمن، فقد كانت البوابة الثانية للتصدير لها بعد المملكة العربية السعودية.
وجنوباً، حكومة الصومال ومعها القوات الإفريقية لم تتمكنا من منع حركة شباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة من تفجيراتهم العشوائية.
وشرقاً إثيوبيا، وهي الدولة التي بلغ عدد سكانها أكثر من مائة مليون، وهي دولة لا تطل على أي بحر، فهي من ضمن الدول ما يسمى "الدول المغلقة"؛ حيث تقع هذه الدول تحت رحمة الدول المجاورة لها في اتصالها مع العالم الخارجي.
ولهذا السبب دائماً عينها على بحر الصومال ككل، وعلى صوماليلاند خاصة، كون ميناء بربرة أحسن الموانئ وأقرب إليها؛ حيث يمر 90 في المائة من تجارتها عبر جيبوتي و30 في المائة من هذه التجارة عبر ميناء بربرة.
إذا تركنا الجغرافيا القريبة وذهبنا بعيداًً، فهناك دولة خليجية عربية ليست جارة لصوماليلاند دخلت على الخط، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث بدأت علاقتها مع صوماليلاند مع بداية الدخول القوي لتركيا في الصومال، علماً أن هناك صراعاً قوياً بين الإمارات وتركيا، بدءاً بالربيع العربي وانتهاءً بخلاف الخليج الخليجي، وذلك حين زار رجب طيب أردوغان مقديشو 2011 إبان المجاعة التي ضربت جنوب الصومال آنذاك، وأثارت هذه الزيارة انتباه الرأي العام العالمي، حتى توافد العالم فرادى وزرافات، فصارت تركيا ورئيسها أحب إلى أفئدة الصوماليين، فالرجل حول مقديشو من عاصمة القتل والفوضى إلى عاصمة أخرى مغايرة تماماً لما كانت عليه من قبل.
والمعلوم أن تركيا مع جديتها لإنهاض الصومال من كبوتها مشكورة، إلا أنها لم تأتِ إلا لمصلحتها، وتعتبر مقديشو البوابة الاستراتيجية لها إلى عمق القارة الإفريقية، فهي التي فتحت أكبر سفارتها في إفريقيا في العاصمة مقديشو، وقامت بافتتاح عدد من المشاريع الصحية والخدماتية، كما قدمت منحاً دراسية جامعية للطلاب الصوماليين في جامعاتها، حتى رأينا بعد سنوات من عودة الطلاب الخريجين وهم يقدمون باللغة التركية أشعار مدح لتركيا العظيمة وقائدها الفذ.
لذا لم يتسنّ لدولة الإمارات المنافس القوي لتركيا في المنطقة أن تجد موضع قدم لها في العاصمة، فمطار وميناء مقديشو محجوزان لتركيا، والخطوط التركية هي الوحيدة التي تقيم رحلات جوية بين مقديشو وإسطنبول، ناهيك عن إقامة أكبر معسكر تدريب في العاصمة، فقد شعرت حكومة أبوظبي بخطورة إنجازات "الأردوغانية" في مقديشو لمصالحها الاستراتيجية الاقتصادية بعيدة المدى لسببين؛ أولاً: الصومال ثاني مستورد للبضائع من دبي بعد إيران بتقرير "بي بي سي" 2012، ولا تريد أن تخسر هذا الزبون.
ثانياً: مواصلتها إبقاء دبي بعيداً عن منافسة الجيران كمركز إقليمي وعالمي للتجارة والسفر، علاوة على ذلك معارضة أبوظبي لأيديولوجية تركيا المعاصرة التي دعمت الربيع العربي وتساند الإسلام السياسي.
كل هذا أجبر على الإمارات أن تذهب بعيداً لتجد بغيتها في صوماليلاند، فوضعت يدها على ميناء بربرة ومطارها، وبدأت بتسهيل رحلات جوية من الإمارات إلى صوماليلاند من خلال شركاتها "فلاي دبي" و"العربية"، كما أنشأت قاعدة عسكرية لدعم عمليات الحصار البحري في البحر الأحمر ضد الحوثيين، كما زعمت.
فهل تسعى الإمارات إلى أن تسيطر على سياسة البلد بعدما سيطرت على أهم مراكز الاقتصاد؟ المؤكد أن هناك لقاءً حدث بين الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في الدولة، وبين رئيس حزب الحاكم "كلمية" موسى بيحي عبدي، هذا اللقاء وإن طرح أسئلة، فقد فسرته الصحافة المحلية بأنه بمثابة إعلان دعم له للانتخابات المقبلة، على المرشحين المدنيين، كونها تعشق العسكر، فالرجل ليس له خبرة بإدارة أمور الدولة والعلاقات الدولية، عسكري، تسلطي، لا يعرف يتكلم، ويشبه تماماً سيسي مصر، وحفتر ليبيا.
الصوماليلانديون سيراقبون أطماع الإمارات المتزايدة في بلادهم، ونظرتهم الطامعة على مدينتهم المفضلة "بربرة"، كما يرصدون استغلال أبوظبي العملية الانتخابية الرئاسية المقبلة لتحقيق مزيد من التوسع ميدانياً، ولكن لا أظن أن الإمارات تنجح بسبب التضاريس السياسية القبلية المعقدة، فمهما صار من انتخابات ديمقراطية، فالقبلية هي أحد مكونات المشهد السياسي الهامة في صوماليلاند، وهذا ما لا تفهمه أبوظبي، ناهيك عن أن الشعب يعي تماماً بمن ينتخب، فلا يجعل مقارنة بين مدني متعلم وعسكري متسلط، ولا ننسَ أن إثيوبيا حاضرة في المشهد، وهي التي تشم رائحة مصر السيسي من جعبتها، ولا أظن أنها تكون من المتفرجين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/abdulrahman-hadana/-_13516_b_18132190.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات