الخميس، 5 أكتوبر 2017

لماذا نخشى التكفير؟

لماذا نخشى التكفير؟

في مجتمعات لا تقبل الاختلاف، لا سيما الديني والفكري منها، يصبح التكفير مجرد عرض سطحي لقضية أكثر عمقاً.

إننا نخشى من وصمة الكفر؛ لأننا نعيش في مجتمعات ترى في التنوع خطراً يهدد قالبها الأحادي الصبغة.

إننا نخشى التكفير وذلك لتبعاته الاجتماعية والقانونية والأمنية، تهتز الأوساط الاجتماعية والثقافية مع كل حادثة تكفير يصدرها شيخ دين في حق مفكر، أو أديب، أو فنان ما، مطالبة بتدخل سريع من السلطات لردع فتاوى التكفير بدعوى أنها تزرع الفرقة وتهدد السلم الاجتماعي، وهي ردود فعل إنما تعزز في وعينا أن تقبل الآخر قيمة مختزلة مشروطة مع مَن نتوافق معهم في الدين والفكر.

وهي ردود فعل ترى في المطالبة بمنع التكفير أسلم من المطالبة بحرية التفكير، إن الأولى أن تعمد ردة الفعل لمواجهة البنية التحتية لهذا الخوف من التنوع والاختلاف.

إن الخوف من حكم الكفر مصدره ثقافة وممارسة ممتدة عبر قرون يقيم بعضاً منها حقوق الإنسان وكرامته بناء على الدين، يقسم الفقه الإسلامي الكفار إلى نوعين: كافر أصلي وهو من لم ينشأ على الإسلام كأن يكون من أهل الكتاب.

يتدخل الفقه في تنظيم العلاقة مع أهل الكتاب اجتماعياً، فهو يحرم على المشهور منه، تهنئتهم بأعيادهم ويحث على اضطرارهم لأضيق الطريق، وضرورة مخالفتهم لا لسبب إلا لأنهم من أصحاب الجحيم، ويتدخل قضائياً ليخصهم بأحكام تعرف بأحكام الذميين والمستأمنين، يكون فيه حكم القصاص بالنفس من قاتل الذمي محل خلاف، ربما تكون هذه الصورة الأكثر قتامة في الفكر والممارسة، غير أن معالجة أزمة التسامح تتجاهل هذا الموروث هي معالجة قاصرة.

يشتد الخوف من وَسْم الكفر لدى المسلم الأصلي، أي من كان دينه الإسلام في الأساس لكنه تخلّى عنه أو كانت لها اجتهادات خاصة يعتقد المخالف لها بمناقضتها لمبادئ الإسلام، ذلك أن حكم الردة ليس مجرد سلب وصف الإسلام عن شخص ما، ولكنه نهاية لكامل حياته اجتماعياً ومالياً ورفعاً لحصانة دمة.

الموروث الفقهي والقانوني يفضي بالتفريق بين المرتد وبين زوجته، ويمنعه من الميراث ويخضعه للتوبة تحت الإكراه وإلا قُتل، هذه الأحكام المؤصلة في المذاهب الإسلامية ليست أمراً عفا عليه الزمن، فمحكمة الأحول في مصر قضت بردة نصر حامد أبو زيد وبالتفريق بينه وبين زوجته، جاء الحكم مدعماً بموقف الأزهر، المؤسسة الدينية المقدمة باعتبارها رائدة الإسلام الوسطي.

اعتبار العلمانية خروجاً عن شمولية حاكمية الله يعد مسوغاً كافياً لقيام متطوعين بشكل فردي بتنفيذ حكم الردة في حق دعاتها كما حدث مع فرج فودة وغيره.

لم يقتصر الحكم بالردة إذن على مَن ترك الإسلام أو أنكر وجود الله، بل قد يشمل من له كانت فلسفة خاصة في التأويل، أو دعا إلى الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة.

التكفير ممارسة حرصت كلتا المؤسستين الدينية والسلطة الحاكمة على الحفاظ عليها، فالمؤسسة الدينية بامتلاكها حق إخراج من الدين من تراه مخالفاً لفلسفتها ومعتقداتها أو مرتكباً لواحد من نواقض الإسلام هو جزء من حرصها على احتكار الشرعية الدينية وسلطة وحماية أصولها الفكرية من أي نقد أو تشكيك.

استخدمت السلطة الحاكمة، أو ما يطلق عليها السلطة الزمنية، التكفير كذلك كعصا للتخلص من مخالفيها السياسيين بذريعة الهرطقة والكفر، وهكذا تبادلت المؤسستان الأدوار واستفادت من هذا الحكم وحافظت على بقائه.

لن يخشى الفرد في المجتمع المسلم أن يُوسم بالكفر إذا لم يكن في ذلك تعريض لحقوقه وحياته للخطر، بل سيراها مقايضة عادلة، حرية التفكير بحرية التكفير، حق الفلاسفة والمفكرين والأدباء في التعبير، وحق الطوائف الدينية أن تنفي عن نفسها انتماء فكرة أو فرد لها كجزء من تعبيرها عن ذاتها، ما لم يتضمن أي من ذلك انتقاصاً أو استباحة لحقوق الأفراد.

الإشكالية إذن ليست في وصف الكفر أو اعتبار أن فرداً لم يعد ينطبق عليه وصف الإسلام، بل في ثقافة شائعة ترى في المخالفة لمألوفها شذوذاً يجب استئصاله.

إننا نخشى التكفير؛ لأن في تاريخنا شواهد بأن ذلك مقدمة لاستباحة الدم والمال والعرض.

إن المأزق هو كيف يمكن إعادة بناء ثقافتنا على تعزيز قيم الحرية والتسامح والتعددية.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/-mohammed-a-alshuwaiter/-_13501_b_18123082.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات