هكذا يطلقون علينا دائماً "أبو ضحكة جنان" منذ زمن بعيد وأجد هذه الكلمة تتداول كثيراً؛ حيث يلَّقب بها كل مصري من قِبل البلدان الأخرى، أجدها بين حكايا جدتي، ومزحات أبي، أجدها تنتشر وكأنّها سمة تخصنا، نتصف بها؛ بل نفخر بها أيضاً، ويسعد بها كل مصري، أجدها بين طيات شوارع المعز ووسط أفلام الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين، أجدها بين ضحكات العائلة والنكات التي تملأ عقولنا، ونتحدث بها عند كل سهرة ونزهة.
تجد الشعب المصري يتّصف بخفة الدم والروح تجد فى الجلوس معه الأنسة واللّطافة ممزوجة بالكثير من المرح والضحكات العالية، فأتذكر جيداً تلك الصديقة التي حادثتني يوماً قائلة: كم أتمنى زيارة مصر، ليس من أجل آثارها ولا نيلها، بل من أجل المرح الذي أستشعره على وجوه كل مَن أعرفه من تلك الدولة الرائعة، أجد البهجة على وجوه الأطفال قبل الكبار.
كم أتمنى زيارتها ليملأ قلبي بالسعادة ويتعب من كثرة الضحك، فبالفعل تجد المصري يجعل من كل هموم الدنيا أضحوكة يجعل من الحزن صديقاً يتسلّى به في أوقات التعب، حتى ينعش قلبه بالسعادة، ويتحسّس الفرحة التي يفتقدها دائماً، تجده يجعل من ثقل العناء الذي يواجهه من غلاء الأسعار شيئاً محفزاً للاستمتاع بدلاً من الصراخ غير المسموع الذي لا فائدة منه غير الكبت.
أتذكر قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، وكنت أشاهد التلفاز وقتها، وقد تمّ الإعلان عن رفع أسعار السلع الغذائية، ومن أهمّها جعل ثمن اللّحمة باهظ الثمن لا يقدر على شرائها إلا مَن لديه ما يكفي من المال.
ترى كيف يكون الحال والأيام تستقبل عيد الأضحى؟ فعندها وجدت إعلامياً في إحدى القنوات يسأل الناس بالطرق عن كيفية التعايش مع ما يحدث من غلاء الأسعار، وكيف سيستقبلون عيد الأضحى مع ارتفاع سعر اللّحمة خاصة، وجدت امرأة بمنتهى التلقائية تخاطبه عندما وجّه إليها السؤال قائلة باللّهجة المصرية: مش لازم نعمل فتة على شوربة اللحمة هنعملها على شوربة فراخ، وكأنها بذلك حلت الأزمة، يا لها من مسكينة، فبعد ذلك بأسبوع قد تم رفع سعر الدجاج أيضاً.
وكم أودّ لو أعود إليها وأسألها السؤال ذاته، لكن أتخيل وجهها وهو يملأه الأسى بالطبع، فمع ذلك اللقب الرائع بكوننا نملك خفة الدم والضحكات، إلا أن هذا الأمر مؤلم فى الوقت ذاته أكثر منه مفرحاً فنحن نضحك ويعلو صوتنا بالضحكات، لكن القلب يملأه صخب وحيرة وتعب من جلّ الأشياء التي نتمنّى تغييرها، ومن الثّورات التي أرهقت الشعب، حتى يتمكن من التغيير.
لكن ما حدث هو الموت والدماء والحزن بدلاً من السعادة والتغيير الذي ظللنا نحلم به مع كل ثورة كنا نقوم بها، ترى شعباً يملأ وجهه البشاشة ويختلق النكات، لكن قلبه غير ذلك تماماً، فقلبه يحمل من الأسى الكثير، والكثير يشعر بكبت يظهر على هيئة ضحكات وكأنها تخفي ذلك الوجه الشحوب الذي لو ترك نفسه له لظلّ بائساً لأمد بعيد؛ نظراً لأن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية تتحول دائماً للأسوأ.
لم ترَ مصر عصر ازدهار قط منذ أن حييت بل كل ما وجدّته معارضات وضيقاً وعيشة يطمح فيها الجميع إلى أن يستطيع توفير الغذاء فقط لأسرته، أجد دولة يملأ شوارعها كبار السن والمسنون المتسولون بحثاً عن الطعام والمال، وأطفال الشوارع الذين أصبحوا كحبر أسود قاتم السواد على لوحة باهتة ليس لها معالم غير الظلم والكبت.
ترى هذه هي مصر التي أتحدث عنها هذه الجميلة الفقيرة التي تود حضور حفلة لكنها لا تملك قرشاً لشراء فستانها، هكذا أرى مصر دائماً بمخيلتي، هكذا أتصورها دائماً طيلة سنواتي التي عشت بها، أجد هواها رائعاً، أجد مدنها تحثّك على النضال، لكنها تفتقر إلى الحب، أصبح كل شخص يتعلق بها ليس من أجل أرضها، بل لأن هناك أشخاصاً بتلك البقعة يتعلق قلبه بهم، تلك فقط هي المسألة، ويا لها من مأساة أن يصبح الوطن مجرد شيء لا يضيف لحياتك سوى التّعاسة والألم والذكريات المريرة.
أتذكر يوماً عند قراءتي لكتاب معك لسوزان طه حسين، وجدت به جملة تقول: إن الله إذا أراد أن يعاقب إنساناً نفاه من وطنه، ترى أي قسوة تلك التي يتمناها كل مصري؟!
نريد جميعاً أن نكون معاقبين، وآمال كل مصري الآن هو السفر بعيداً تاركاً زمام كل ما يعلّقه بتلك الدولة وتلك المدن العزيزة، لكن ليست المشكلة فينا، نحن بل بتلك الدولة التي محت كل شيء جميل، وجعلت تلك الوجوه الضاحكة بائسة وحزينة طوال الوقت، فالمصري دائماً ذات ضحكة خلّابة وكمّ أتمنى لو أنّنا خسرنا كل شيء، لكن جعلنا من تلك السمة شيئاً مميزاً نحافظ عليه مهما حدث بنا من ظلم وقسوة وضيق.
كم أتمنى أن يكون كل مصري هو مصدراً هائلاً من الحيوية والتفاؤل والبشاشة، يأتي الجميع مّمن حولنا يتمنون ولو جلسة واحدة بين حكايانا الرائعة وسهراتنا التي تملأها الفرحة والسرور، وكأننا لا نناضل من أجل العيش والبقاء، بل نحارب الكبت والحزن والضيق بكل صورة ممكنة، وبضحكاتنا التي ستظل دائماً، فكم أتمنى أن يظل كل مصري أبو ضحكة جنان مهما جار الزمان وتوالت الأجيال.
تجد الشعب المصري يتّصف بخفة الدم والروح تجد فى الجلوس معه الأنسة واللّطافة ممزوجة بالكثير من المرح والضحكات العالية، فأتذكر جيداً تلك الصديقة التي حادثتني يوماً قائلة: كم أتمنى زيارة مصر، ليس من أجل آثارها ولا نيلها، بل من أجل المرح الذي أستشعره على وجوه كل مَن أعرفه من تلك الدولة الرائعة، أجد البهجة على وجوه الأطفال قبل الكبار.
كم أتمنى زيارتها ليملأ قلبي بالسعادة ويتعب من كثرة الضحك، فبالفعل تجد المصري يجعل من كل هموم الدنيا أضحوكة يجعل من الحزن صديقاً يتسلّى به في أوقات التعب، حتى ينعش قلبه بالسعادة، ويتحسّس الفرحة التي يفتقدها دائماً، تجده يجعل من ثقل العناء الذي يواجهه من غلاء الأسعار شيئاً محفزاً للاستمتاع بدلاً من الصراخ غير المسموع الذي لا فائدة منه غير الكبت.
أتذكر قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، وكنت أشاهد التلفاز وقتها، وقد تمّ الإعلان عن رفع أسعار السلع الغذائية، ومن أهمّها جعل ثمن اللّحمة باهظ الثمن لا يقدر على شرائها إلا مَن لديه ما يكفي من المال.
ترى كيف يكون الحال والأيام تستقبل عيد الأضحى؟ فعندها وجدت إعلامياً في إحدى القنوات يسأل الناس بالطرق عن كيفية التعايش مع ما يحدث من غلاء الأسعار، وكيف سيستقبلون عيد الأضحى مع ارتفاع سعر اللّحمة خاصة، وجدت امرأة بمنتهى التلقائية تخاطبه عندما وجّه إليها السؤال قائلة باللّهجة المصرية: مش لازم نعمل فتة على شوربة اللحمة هنعملها على شوربة فراخ، وكأنها بذلك حلت الأزمة، يا لها من مسكينة، فبعد ذلك بأسبوع قد تم رفع سعر الدجاج أيضاً.
وكم أودّ لو أعود إليها وأسألها السؤال ذاته، لكن أتخيل وجهها وهو يملأه الأسى بالطبع، فمع ذلك اللقب الرائع بكوننا نملك خفة الدم والضحكات، إلا أن هذا الأمر مؤلم فى الوقت ذاته أكثر منه مفرحاً فنحن نضحك ويعلو صوتنا بالضحكات، لكن القلب يملأه صخب وحيرة وتعب من جلّ الأشياء التي نتمنّى تغييرها، ومن الثّورات التي أرهقت الشعب، حتى يتمكن من التغيير.
لكن ما حدث هو الموت والدماء والحزن بدلاً من السعادة والتغيير الذي ظللنا نحلم به مع كل ثورة كنا نقوم بها، ترى شعباً يملأ وجهه البشاشة ويختلق النكات، لكن قلبه غير ذلك تماماً، فقلبه يحمل من الأسى الكثير، والكثير يشعر بكبت يظهر على هيئة ضحكات وكأنها تخفي ذلك الوجه الشحوب الذي لو ترك نفسه له لظلّ بائساً لأمد بعيد؛ نظراً لأن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية تتحول دائماً للأسوأ.
لم ترَ مصر عصر ازدهار قط منذ أن حييت بل كل ما وجدّته معارضات وضيقاً وعيشة يطمح فيها الجميع إلى أن يستطيع توفير الغذاء فقط لأسرته، أجد دولة يملأ شوارعها كبار السن والمسنون المتسولون بحثاً عن الطعام والمال، وأطفال الشوارع الذين أصبحوا كحبر أسود قاتم السواد على لوحة باهتة ليس لها معالم غير الظلم والكبت.
ترى هذه هي مصر التي أتحدث عنها هذه الجميلة الفقيرة التي تود حضور حفلة لكنها لا تملك قرشاً لشراء فستانها، هكذا أرى مصر دائماً بمخيلتي، هكذا أتصورها دائماً طيلة سنواتي التي عشت بها، أجد هواها رائعاً، أجد مدنها تحثّك على النضال، لكنها تفتقر إلى الحب، أصبح كل شخص يتعلق بها ليس من أجل أرضها، بل لأن هناك أشخاصاً بتلك البقعة يتعلق قلبه بهم، تلك فقط هي المسألة، ويا لها من مأساة أن يصبح الوطن مجرد شيء لا يضيف لحياتك سوى التّعاسة والألم والذكريات المريرة.
أتذكر يوماً عند قراءتي لكتاب معك لسوزان طه حسين، وجدت به جملة تقول: إن الله إذا أراد أن يعاقب إنساناً نفاه من وطنه، ترى أي قسوة تلك التي يتمناها كل مصري؟!
نريد جميعاً أن نكون معاقبين، وآمال كل مصري الآن هو السفر بعيداً تاركاً زمام كل ما يعلّقه بتلك الدولة وتلك المدن العزيزة، لكن ليست المشكلة فينا، نحن بل بتلك الدولة التي محت كل شيء جميل، وجعلت تلك الوجوه الضاحكة بائسة وحزينة طوال الوقت، فالمصري دائماً ذات ضحكة خلّابة وكمّ أتمنى لو أنّنا خسرنا كل شيء، لكن جعلنا من تلك السمة شيئاً مميزاً نحافظ عليه مهما حدث بنا من ظلم وقسوة وضيق.
كم أتمنى أن يكون كل مصري هو مصدراً هائلاً من الحيوية والتفاؤل والبشاشة، يأتي الجميع مّمن حولنا يتمنون ولو جلسة واحدة بين حكايانا الرائعة وسهراتنا التي تملأها الفرحة والسرور، وكأننا لا نناضل من أجل العيش والبقاء، بل نحارب الكبت والحزن والضيق بكل صورة ممكنة، وبضحكاتنا التي ستظل دائماً، فكم أتمنى أن يظل كل مصري أبو ضحكة جنان مهما جار الزمان وتوالت الأجيال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/shrouk-abdullah-hussein/story_b_18113200.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات