يشغلني منذ ثلاث سنوات تقريباً قضية حرب 1967، ما يعرف في مصر بـ"النكسة"، وما يعرف في إسرائيل وبقية دول العالم بـ"حرب الأيام الستة"، كُنت قبل ذلك مهتماً بقراءة ومتابعة التحقیقات أو المقالات عنها التي تقع في طريقي بالصدفة، أو يصادفني الكلام عنها في بعض الكُتب كمذكرات العسكريين والسياسيين مثلاً، أو فيلم وثائقي عنها عربي أو غير عربي.
لكن منذ عامین أو یزید على ذلك بقلیل، ولسبب ما أجهله، أصبحتُ أعتبرها قضیة شخصیة، كُنت في البدایة قد قررت أن أقوم بالعمل على رسالة دكتوراه في كلیتي "كلیة الحقوق"، موضوعها هو "جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الأسرى العرب في حربي 56 و67 في ضوء قواعد القانون الدولي".
لكن أحد الأصدقاء قد نصحني بأنها قد لا تصلح كفكرة لرسالة دكتوراه، ومن الأفضل لي لو قمت بالعمل علیها ككتاب، فقد یكتب له أن یُنشر ویُحدث صدى نوعاً ما، أفضل من رسالة دكتوراه -لو حدث وأتممتها- ففي النهایة ستبقى وسط مثیلاتها من الرسائل وسط أرفف المكتبات بالكلیات، ولن یتذكرها أحد سواك.
اقتنعت بوجهة نظره، ولكني تعطلت عن العمل علیه بسبب التحاقي بالخدمة العسكریة، لكن منذ عدة شهور وقد عادت تلك القضیة لتشغل الجزء الأكبر من تفكیري، ومنذ ما یقرب من شهرین بدأت في تجمیع المراجع اللازمة للعمل على هذا الكتاب، وبالبحث على الإنترنت قادتني الصدفة إلى كتاب هو بمثابة وثیقة تاریخیة هامة، لمن یرید البحث في هذا الموضوع وعن هذه الحرب.
هو كتاب "مذبحة الأبرياء" للكاتب الصحفي وجيه أبو ذكري والد المخرجة كاملة أبو ذكري، وفقاً لموقع "اليوم الجديد"، الكتاب كان قد صدر في عام 1988، لكن تمت مُصادرة الكتاب سريعاً من قِبل مباحث أمن الدولة، وتم منعه من النشر والتداول، حتى أفرج عنه رئيس الجمهورية آنذاك حسني مبارك.
وصفه عمرو شوقي في موقع "اليوم الجديد" بأنه (الكتاب) الدسم الذى صدر فى أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير، يحرص كاتبه على تدعيم آرائه بشهادات صناع القرار وكبار رجال الدولة والجيش إبان حرب 67، وقد تكون الأضعف والأقل أهمية في الكتاب هي الصفحات التي خطها الكاتب بقلمه، لكنك ستعرف حجم الجهد الذي بذله فى إعداد هذا المجلد -أو شبه المجلد- من عدد الشهادات الهامة التي تضمنتها صفحاته.
لا أُريد الحديث عن الكتاب نفسه هنا؛ لأنه يستحق سلسلة مقالات كاملة للحديث عنه؛ نظراً لأهميته 'الشديدة"، ولنعد إلى موضوع المقال الرئيسي وهو الفصل الأول من الكتاب بعنوان "وثيقة من طرابلس"، وهو بالفعل وثيقة، ووثيقة تاريخية هامة، وهي عبارة عن رسالة أرسلها للكاتب مهندس مصري يعمل "جرسون" في أحد الفنادق الليبية، بعد أن هرب من مصر، جندياً مهزوماً ومنسحباً مرعوباً من المحاكمة؛ عقاباً على الانسحاب من المعركة، والعودة إلى القاهرة.
يبدأ صاحب الرسالة رسالته -التي كتبها في الذكرى الأولى للنكسة- مهاجماً الكاتب ومعه كل رجال الإعلام في مصر بقوله: "أنتم سفلة.. كل رجال الإعلام في مصر سفلة".
ثم يسترسل في حديثه: "قلتم لنا بالعناوين الحمراء الفاقعة، إن لدينا أكبر قوة جوية في الشرق ..قل لي أين هي ..ونحن نسير في وسط صحراء سيناء.. وطائراتهم تصب علينا النابلم والرصاص؟! قلتم لنا بالعناوين الحمراء كلون الدم، إن قواتنا قادرة على أن تدك تل أبيب، فأين هي القوات التي قامت بحمايتنا ونحن في مواقعنا بلا سلاح في سيناء.. وليس دك تل أبيب؟! قلتم لنا في صحافتكم الصفراء إن مخابراتنا تملك من القدرة والوسائل والعيون أن تدخل غرفة نوم غولدا مائير وكأنها مراحيض عامة.. فكيف لا تعلم هذا الذي انتظرنا في سيناء؟!".
يُكمل المهندس المصري سرد قصته، ويحكي قصة هي بمثابة ضوء بسيط يُلقى على تصرفات وأفعال من حكمونا قبل كارثة النكسة، تُلقي الضوء على من وضعتهم الأقدار في موقع المسؤولية ولم يكونوا أهلاً لها، أو كما يصفها المهندس في رسالته:
"قبل أن أودع أسرتي في طريقي إلى اليمن.. عشت مشهداً.. لم ولن أنساه مدى حياتي؛ لأنه فصل في مقدمة حرب يونيو."
يحكي المهندس عن ضابط شاب من أبناء حيّه "حي بولاق"، قد قام بمعاكسة إحدى الفتيات ابنة بقال متواضع من ساكني الحي، قام بمعاكستها ومطاردتها بعنف بحسب تعبيره، وحدث هذا أمام أهل الحي في الطريق العام، وصل الخبر إلى والد الفتاة، فذهب لنجدة ابنته.. ودارت معركة ضُرب فيها الضابط الشاب ضرباً مبرحاً.
"ما زلت أذكر كلمات والد الفتاة:
- هل هذه رجولة.. بدلاً من أن تحميها.. تفكر في الاعتداء عليها يا ندل.
بصقت على وجه الشاب، بعد مشاركتي في ضربه".
في المساء، فوجئ أهل الحي بالضابط قد عاد ومعه قوة من الجنود، وقاموا بضرب والد الفتاة وأهل الحي ممن تصادف مرورهم في أثناء وجوده هو والجنود، وذلك بغرض تأديب أهل الحي الذين تجرأوا وقاموا بضرب الضابط، وقاموا بالبحث عن المهندس الشاب من أجل الانتقام، لكنه كان قد اختبأ بناء على نصيحة والده،- فليس من الحكمة مواجهة القوة الغاشمة- بحسب تعبيره.
وفي اليمن، التقى المهندس الشاب بقائد "شجاع" بحق -ستتعرف على قصة شجاعته الحزينة إذا ما قرأت الكتاب- حكى له المهندس قصة الضابط النقيب "البلطجي"، فغضب قائده غضبة شديدة وطلب من المهندس الشاب أن يسجلها في رسالة، وسوف يوصلها هو بنفسه إلى المشير عبد الحكيم عامر، وبالفعل في إحدى زيارات المشير لليمن، قام القائد "الشجاع" بتقديم القصة إلى المشير، الذي قرأها وكان تعبيره مخيفاً إلى أبعد الحدود كما وصفه المهندس الشاب في السطور التالية:
"قام المشير بتمزيق الرسالة ثم عقب قائلاً:
ده.. ده واد مجدع..
)واد مجدع) ذبح القانون.. واغتال التقاليد.. وانتزع الأمان من نفوس كل سكان الحي!
)واد مجدع).. انطلق بقوة غاشمة، تضرب الشرفاء والمنتمين.. وتقتل فيهم الفروسية.
مزق المشير الرسالة.. فلقد كان النقيب أحد أفراد حرسه".
هذه إحدى سقطات المشير عامر -التي لا تُذكر بجانب خطاياه الأخرى- والذي وضعته الأقدار ليقود أخطر صراع دار بين العرب والكيان الصهيوني في القرن العشرين، يصف أحد الضباط الذي قام بالاعتداء على أهل حي بأكمله ودنّس بدلته العسكرية وداس شرفه العسكري بحذائه، وحنث بقَسم الولاء العسكري حين أقسم على حماية هذا الوطن وأهله، فقام هو بالاعتداء عليهم وإرهابهم والاعتداء على حرماتهم، يصف هذا الضابط بأنه "واد مجدع"!
هذه أولى كتاباتي عن "المشير" ولن تكون الأخيرة، لو كان في العُمر بقية، فالمراجع التي جمعتها من أجل مشروعي مليئة بالمفاجآت التي تخصه.
لكن منذ عامین أو یزید على ذلك بقلیل، ولسبب ما أجهله، أصبحتُ أعتبرها قضیة شخصیة، كُنت في البدایة قد قررت أن أقوم بالعمل على رسالة دكتوراه في كلیتي "كلیة الحقوق"، موضوعها هو "جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الأسرى العرب في حربي 56 و67 في ضوء قواعد القانون الدولي".
لكن أحد الأصدقاء قد نصحني بأنها قد لا تصلح كفكرة لرسالة دكتوراه، ومن الأفضل لي لو قمت بالعمل علیها ككتاب، فقد یكتب له أن یُنشر ویُحدث صدى نوعاً ما، أفضل من رسالة دكتوراه -لو حدث وأتممتها- ففي النهایة ستبقى وسط مثیلاتها من الرسائل وسط أرفف المكتبات بالكلیات، ولن یتذكرها أحد سواك.
اقتنعت بوجهة نظره، ولكني تعطلت عن العمل علیه بسبب التحاقي بالخدمة العسكریة، لكن منذ عدة شهور وقد عادت تلك القضیة لتشغل الجزء الأكبر من تفكیري، ومنذ ما یقرب من شهرین بدأت في تجمیع المراجع اللازمة للعمل على هذا الكتاب، وبالبحث على الإنترنت قادتني الصدفة إلى كتاب هو بمثابة وثیقة تاریخیة هامة، لمن یرید البحث في هذا الموضوع وعن هذه الحرب.
هو كتاب "مذبحة الأبرياء" للكاتب الصحفي وجيه أبو ذكري والد المخرجة كاملة أبو ذكري، وفقاً لموقع "اليوم الجديد"، الكتاب كان قد صدر في عام 1988، لكن تمت مُصادرة الكتاب سريعاً من قِبل مباحث أمن الدولة، وتم منعه من النشر والتداول، حتى أفرج عنه رئيس الجمهورية آنذاك حسني مبارك.
وصفه عمرو شوقي في موقع "اليوم الجديد" بأنه (الكتاب) الدسم الذى صدر فى أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير، يحرص كاتبه على تدعيم آرائه بشهادات صناع القرار وكبار رجال الدولة والجيش إبان حرب 67، وقد تكون الأضعف والأقل أهمية في الكتاب هي الصفحات التي خطها الكاتب بقلمه، لكنك ستعرف حجم الجهد الذي بذله فى إعداد هذا المجلد -أو شبه المجلد- من عدد الشهادات الهامة التي تضمنتها صفحاته.
لا أُريد الحديث عن الكتاب نفسه هنا؛ لأنه يستحق سلسلة مقالات كاملة للحديث عنه؛ نظراً لأهميته 'الشديدة"، ولنعد إلى موضوع المقال الرئيسي وهو الفصل الأول من الكتاب بعنوان "وثيقة من طرابلس"، وهو بالفعل وثيقة، ووثيقة تاريخية هامة، وهي عبارة عن رسالة أرسلها للكاتب مهندس مصري يعمل "جرسون" في أحد الفنادق الليبية، بعد أن هرب من مصر، جندياً مهزوماً ومنسحباً مرعوباً من المحاكمة؛ عقاباً على الانسحاب من المعركة، والعودة إلى القاهرة.
يبدأ صاحب الرسالة رسالته -التي كتبها في الذكرى الأولى للنكسة- مهاجماً الكاتب ومعه كل رجال الإعلام في مصر بقوله: "أنتم سفلة.. كل رجال الإعلام في مصر سفلة".
ثم يسترسل في حديثه: "قلتم لنا بالعناوين الحمراء الفاقعة، إن لدينا أكبر قوة جوية في الشرق ..قل لي أين هي ..ونحن نسير في وسط صحراء سيناء.. وطائراتهم تصب علينا النابلم والرصاص؟! قلتم لنا بالعناوين الحمراء كلون الدم، إن قواتنا قادرة على أن تدك تل أبيب، فأين هي القوات التي قامت بحمايتنا ونحن في مواقعنا بلا سلاح في سيناء.. وليس دك تل أبيب؟! قلتم لنا في صحافتكم الصفراء إن مخابراتنا تملك من القدرة والوسائل والعيون أن تدخل غرفة نوم غولدا مائير وكأنها مراحيض عامة.. فكيف لا تعلم هذا الذي انتظرنا في سيناء؟!".
يُكمل المهندس المصري سرد قصته، ويحكي قصة هي بمثابة ضوء بسيط يُلقى على تصرفات وأفعال من حكمونا قبل كارثة النكسة، تُلقي الضوء على من وضعتهم الأقدار في موقع المسؤولية ولم يكونوا أهلاً لها، أو كما يصفها المهندس في رسالته:
"قبل أن أودع أسرتي في طريقي إلى اليمن.. عشت مشهداً.. لم ولن أنساه مدى حياتي؛ لأنه فصل في مقدمة حرب يونيو."
يحكي المهندس عن ضابط شاب من أبناء حيّه "حي بولاق"، قد قام بمعاكسة إحدى الفتيات ابنة بقال متواضع من ساكني الحي، قام بمعاكستها ومطاردتها بعنف بحسب تعبيره، وحدث هذا أمام أهل الحي في الطريق العام، وصل الخبر إلى والد الفتاة، فذهب لنجدة ابنته.. ودارت معركة ضُرب فيها الضابط الشاب ضرباً مبرحاً.
"ما زلت أذكر كلمات والد الفتاة:
- هل هذه رجولة.. بدلاً من أن تحميها.. تفكر في الاعتداء عليها يا ندل.
بصقت على وجه الشاب، بعد مشاركتي في ضربه".
في المساء، فوجئ أهل الحي بالضابط قد عاد ومعه قوة من الجنود، وقاموا بضرب والد الفتاة وأهل الحي ممن تصادف مرورهم في أثناء وجوده هو والجنود، وذلك بغرض تأديب أهل الحي الذين تجرأوا وقاموا بضرب الضابط، وقاموا بالبحث عن المهندس الشاب من أجل الانتقام، لكنه كان قد اختبأ بناء على نصيحة والده،- فليس من الحكمة مواجهة القوة الغاشمة- بحسب تعبيره.
وفي اليمن، التقى المهندس الشاب بقائد "شجاع" بحق -ستتعرف على قصة شجاعته الحزينة إذا ما قرأت الكتاب- حكى له المهندس قصة الضابط النقيب "البلطجي"، فغضب قائده غضبة شديدة وطلب من المهندس الشاب أن يسجلها في رسالة، وسوف يوصلها هو بنفسه إلى المشير عبد الحكيم عامر، وبالفعل في إحدى زيارات المشير لليمن، قام القائد "الشجاع" بتقديم القصة إلى المشير، الذي قرأها وكان تعبيره مخيفاً إلى أبعد الحدود كما وصفه المهندس الشاب في السطور التالية:
"قام المشير بتمزيق الرسالة ثم عقب قائلاً:
ده.. ده واد مجدع..
)واد مجدع) ذبح القانون.. واغتال التقاليد.. وانتزع الأمان من نفوس كل سكان الحي!
)واد مجدع).. انطلق بقوة غاشمة، تضرب الشرفاء والمنتمين.. وتقتل فيهم الفروسية.
مزق المشير الرسالة.. فلقد كان النقيب أحد أفراد حرسه".
هذه إحدى سقطات المشير عامر -التي لا تُذكر بجانب خطاياه الأخرى- والذي وضعته الأقدار ليقود أخطر صراع دار بين العرب والكيان الصهيوني في القرن العشرين، يصف أحد الضباط الذي قام بالاعتداء على أهل حي بأكمله ودنّس بدلته العسكرية وداس شرفه العسكري بحذائه، وحنث بقَسم الولاء العسكري حين أقسم على حماية هذا الوطن وأهله، فقام هو بالاعتداء عليهم وإرهابهم والاعتداء على حرماتهم، يصف هذا الضابط بأنه "واد مجدع"!
هذه أولى كتاباتي عن "المشير" ولن تكون الأخيرة، لو كان في العُمر بقية، فالمراجع التي جمعتها من أجل مشروعي مليئة بالمفاجآت التي تخصه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohammed-husin-khaled/post_16454_b_18650302.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات