الأحد، 26 نوفمبر 2017

في وَطني الحُب لا يَموت، وإنما يُولد بالإصرار والأمل

في وَطني الحُب لا يَموت، وإنما يُولد بالإصرار والأمل

كَثيرة هي الحكايات التي قد شارفت على الاحتضار، وكثيرة هي الروايات التي انحنى على أثرها قلب غائب عن محبوبته أو مخطوبته، وغزا الشيب أحلامَهما الفتية التي رافقتهما طيلة أيام ارتباطهما، لربما لا أحد يُقدر حجم المُعاناة التي كانت تُصاحبهما طيلة أيام البُعد، ولا الدّعوات التي كانت تُرسل إلى السّماء بإلحاح أن يَا ربّ نهاية لكل هذه المُعاناة بفرج أو إلهام صَبر.

وَلكن دَعوة ربما أطلقتها ابتهال -فارسة كلماتي هذه- في أحد ابتهالاتها أصابت ليكون لها من اسمها النّصيب الكبير، صيّرها الله قدراً بين الكاف والنون، بعد أن فقدت الأمل بالاستجابة ظناً منها أنها أقل من أن يُلبّي الله حاجتها.

ها هو القَدر يَجمع الشّتيتين كما قال الحسن، واجتمع بمن زرعها الله في طريقه فأينعت وأثمرت ووصلَت الضّفة الأخرى، اجتمع بمخطوبته أخيراً؛ ليُخبرنا بأن الحصار ما هو إلا حُقن مضادات حيوية، نشعر بوخزها وألمها فقط، ولكن حينما تصير الأحلام واقعاً سَندرك أنها جعلت من قلوبنا أقوى، نقلتنا إلى ما هو أسمى وأعمق.

من هُنا أصل الحكاية، "لكل من عرفنا فأحبنا وأحبّ حبّنا، نعلن لكم انفصالنا أنا وطيبة الذكر كريمة الخُلق، جميلة القلب، الحبيبة ابتهال جمال العصا، بعد أن حال منع الاحتلال والمصريين بيننا".

بهذه الكلمات اختتم الشاب العشريني حسن خالد الهبيل من مدينة غزة علاقته بمخطوبته ابتهال جمال العصا، بعد أن باءت كل محاولات الاقتران بالفشل بسبب المنع الذي يفرضه الحصار على كليهما، من كلا الاتجاهين المصري والإسرائيلي.

حسن خالد، خرّيج درجة البكالوريوس في جامعة بيرزيت، ارتبط بالآنسة ابتهال، وهي من سكان مدينة بيت لحم، ضاربين بعرض الحائط حينها كل مسميات الحصار والاحتلال، معلّقين أحلامهما الوَردية بأمل وصول فتاة أحلامه لقطاع غزة، ولكن وكما قال المُتنبي: تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن، فحالت بينهما إغلاقات المعابر والرّفض الأمني الذي يُعتبر حجّة من لا حجّة له، وكأن أحلامهما الوردية تناثرت والرّياح.

كلُ ما مرّ بهذين الخَطيبين لم يُثنِهما عن المحاولة في الوُصول إلى ما وضعاه نصب أعينهما، ولم يقعدا مكتوفي الأيدي بل نهضوا لمُجابهة الواقع وتحدّي الظروف والعقبات، وبعد الكثير من المحاولات التي ظنّها البعض بأنها لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وَصلت ابتهال لتنير سماء قلب حسن، ولتُكمل معه معركتهما الأبدية، بعد 4 سنين عجاف تخللها قرار الانفصال.

18 - 11 - 2017 هو يوم تعانقت فيه غزّة وبيت لحم ليسطرا به تاريخ تحدّ وإصرار وكفاح، فقد وصلت مساء أمس ابتهال العصا إلى قطاع غزة مُستغلة بذلك فتح معبر رفح الاستثنائي بعد إغلاق دام لعدة أشهر مُودعة دمعات رافقتها لسنوات.

ومن جهته، عبّر حسن عن سعادته بوصول مخطوبته بعد غياب طويل بقوله: "وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ظنّا كل الظنّ أن لا تلاقيا".

وتابع: "تعبنا في خطونا، أرهقتنا الحدود والظروف، استنزفت القلوب والأرواح، ولكن في النهاية الحبّ ينتصر، واجتمعت الضفة والقدس وغزة، فالحمد لله أن أقرّ عيوننا وقلوبنا باللقيا بعد طول انتظار".

التَخلي أمر شاق، ولكن الإيمان والإصرار عماد لانتصار لا بدّ أن نصنعه بأنفسنا بعدم الاستسلام للظروف والاحتلال والرضوخ للمضايقات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي لقتل الحياة الفلسطينية، ومنع التئام الكثير من الأزواج، فحالة الهبيل لم تكن الوحيدة منذ أن وُجد الحصار على قطاع غزة، ولن تكون الأخيرة، وبهذا يتوجب علينا أن نفرض انتصارنا ولا ننتظره من أحد.

فما أجمل أن يلتقي الإنسان بنصفه الآخر وَيكون على شاكلته طموحاً لا يستسلم لوعثاء الطريق، يأخذ بيده إلى حيث ارتضيا، جاعلين الإيمان واليقين سبيلاً للاستمرارية وبناء حياة أبدية.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-ziyad-lubbad-/-_14120_b_18595574.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات