الجمعة، 3 نوفمبر 2017

متلازمة باريس.. حقوق الإنسان مقابل الرافال!

متلازمة باريس.. حقوق الإنسان مقابل الرافال!

في الثالث والعشرين من أغسطس/آب عام 1973 اقتحم "جان إيريك أولسون" ذو الـ32 عاماً بنك "كريديت بانكن" في العاصمة السويدية "استوكهولم"، واحتجز 4 من موظفي البنك ثم انضم إليه لاحقاً صديق له من السجن "كلارك أوفلسون"، وبعد ستة أيام ومع انتهاء ذلك الاحتجاز، بدا على المخطوفين أنهم قد بنوا علاقة إيجابية مع خاطفيهم، وحتى بعد إطلاق سراحهم رفض الضحايا الإدلاء بأقوالهم ضد أولسون وأوفلسون، وحاولوا تغطية أتعاب الدفاع للخاطفين في ما بات يعرف بمتلازمة "استوكهولم".

ويبدو أننا أمام متلازمة جديدة لكن بنكهة سياسية هذه المرة، ففي الزيارة الثالثة لقائد الانقلاب العسكري "عبد الفتاح السيسي" لفرنسا والتي بدأها بتقليد جديد من نوعه وهو مرافقة 3 طائرات عسكرية من طراز "الرافال" لطائرته طوال رحلته من مصر لفرنسا ثم انضمت لها لاحقاً 3 طائرات أخرى من الجانب الفرنسي عند دخولها الأجواء الفرنسية في مشهد احتفالي عجيب احتفت به الصحافة المصرية الموالية للانقلاب لرجل يفترض أنه رئيس لدولة تعرضت قواها الأمنية منذ أيام قليلة لمذبحة ناتجة عن "كمين" محكَم قامت به مجموعة مسلحة راح ضحيته العشرات بين قتيل وجريح من رجال الأمن، وبعضهم قضى نحبه وهو ينتظر الطائرات؛ لتقوم بنجدة الرتل الأمني الذي تبعثر في الصحراء بعد إرسال الاستغاثة تلو الأخرى بلا فائدة، وليس غريباً عليه فهو من لم يفوّت الاحتفال بذكرى معركة "العلمين" في الحرب العالمية الثانية بينما جثث من قضوا في معركة "الواحات" لم تبرد الدماء فيها بعد.

ويبدو أن فسحة الجنرال لفرنسا لشراء شرعيته وإتمام صفقة "الرافال" أهم كثيراً من حال المصريين شعباً وجنيهاً؛ فالاثنان يجمعهما الضنك وضيق الحال وقلة الحيلة.

فالصفقة الجديدة كما أوردت صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية لعدد 12 طائرة من طراز "الرافال"، وهي الثانية من نوعها (الأولى كانت في 2015 لـ24 طائرة في صفقة قدرها 5.2 مليار يورو)، فمن بحث سابقاً عن "الفكة" لا يمكنه التخلي عن "العمولة" المشرعنة دولياً في صفقات التسليح ويحصل عليها رئيس الدولة المشترية، تلك الصفقة المفيدة للطرفين فلا مانع لدى "ماكرون" من بعض البراغماتية وإرسال تشريفة جوية ثم برية للزبون القادم من مصر الشره والمتعطش للشرعية الدولية عبر صفقات أغلبها عسكرية لا داعي لها في ظل السلام الدافئ والنوم في العسل مع الجار الصهيوني عدو الشعب العربي وحليف الجنرال ذي الخلفية العسكرية.

ثم إن مذبحة "الواحات" ستعطيه الكارت الرابح ليشهره في وجه العالم الغربي المصاب بعقدة "الإسلاموفوبيا"، فها أنا ذا أحارب ما سماه وسمّوه "الإرهاب والتطرف الإسلامي"، وأقدم التضحيات وأبذل قصارى جهدي للوقوف سداً يحول دون وصوله إليكم وهو ما حدث.

اللقاء الحصري مع إحدى القنوات الفرنسية الحكومية مع السيسي قد جاء على شاكلة لقاءاته مع إعلامييه القاطنين باستوديوهات ماسبيرو والإنتاج الإعلامي، فالتصريح الأهم فيه الذي ركز عليه السيسي هو قوله: "إن الإرهاب لا يضرب مصر فقط، ولكنه يهدد منطقة الشرق الأوسط كلها وأوروبا، وعلى دول العالم تكثيف جهودها في مواجهته، وأن النجاح في محاربته في العراق وسوريا قد يدفع ببعض عناصر الدولة الإسلامية للانتقال إلى مصر وليبيا وغرب إفريقيا، وأنه لا أحد يستطيع تأمين حدود يبلغ طولها أكثر من 1200 كيلو متر".

وهنا "مربط الفرس" فهو يعلم أهمية تلك المناطق لفرنسا "مناطق نفوذها"، وخصوصاً ليبيا الغنية بالنفط والشواطئ القريبة من أوروبا قبلة اللاجئين من شعوب شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وهو هاجس تشترك فيه فرنسا مع دول أوروبا المطلة على المتوسط.

وعند سؤاله عن حقوق الإنسان والحريات العامة والمعتقلين السياسيين في مصر، أجاب السيسي في مشهد فانتازي وكأنه يتحدث عن دولة أخرى موجودة في خياله هو فقط: "لا يوجد في مصر معتقلون سياسيون بل متهمون يحاكمهم القضاء المصري المستقل، ونحن حريصون على احترام مواطنينا والحفاظ عليهم"، ودعا محاوره لتخيّل حجم الإرهاب والتطرف الذي تعانيه مصر وتصور لو خرجت الأمور عن السيطرة كما حدث في دول أخرى وتشرد الملايين، وأنه مسؤول عن أمن وسلامة 100 مليون مصري، وكأنه يمرر رسالة لو انفلتت الأمور في مصر إن لم تقفوا بجانبي وتدعموني بكافة السبل فلكم أن تتخيلوا حجم اللاجئين منها ومن غيرها.

وعلى الجانب الآخر من المتلازمة أكمل "ماكرون" باقي فصول الرواية الديماغوغية، فقد استرسل وهو يسرد المصاعب الأمنية التي تواجه الرئيس الضيف "الزبون" وإدراكه للتحديات التي تواجهه في مكافحة الإرهاب والتطرف الديني والعمل على استقرار البلاد، متابعاً في لهجة خالية من النزعة الأوروبية المركزية المتغطرسة: "أؤمن بسيادة الدول ولا أعطي دروساً للآخرين".

وأكمل في مشهد أقرب ما يكون للساخر مختبئاً خلف قناع زائف من القبول بالتعددية الثقافية: "كما لا أحب أن يعطي أحد دروساً لبلادي وفرنسا تدافع عن حقوق الإنسان ومن مصلحة السيسي أن يسهر على الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن في إطار تقرره الدولة المصرية وحدها".

وانفض السامر الإعلامي ليكمل طرفي "المتلازمة الباريسية" حفلهم بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لصفقات بقيمة 400 مليون يورو، فالرئيس الفرنسي الجديد لا يمكنه أن يدَع سلفه "أولاند" يتفوق عليه في عقد الصفقات مع "الزبون اللُقْطَة" القادم من الشرق الأوسط والذي يقترض من كل حدب وصوب ليعقد صفقات يشتري بها شرعيته دولياً ويتفاخر بها داخلياً أمام أنصاره ويتغذى عليها إعلامه؛ ليستمر في عزف مقطوعة "علشان نبنيها" مع اقتراب موعد تمثيلية "الانتخابات الرئاسية"، ولا ضير عليه فقد باع واشترى وقبض "العمولة" والفاتورة مؤجلة الدفع للقادمين ومن لم يولدوا بعد وهي فاتورة من النوع الثقيل العابر للقارات والأزمان موزعة بين دَين محلي قفز إلى نحو 3.160 تريليون جنيه (179.5 مليار دولار)، ودَين خارجي بلغ 79 مليار دولار وهو ما نسبته 125% من الناتج المحلي، حسب تقرير للبنك المركزي المصري أصدره يوم الإثنين الماضي.

لتستمر الزيارة معلنةً عن بشائر وفاة إكلينيكية للمبادئ العلمانية الفرنسية والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة، مع تصريح لمصدر في الإليزيه بأن ماكرون دعا السيسي إلى المشاركة في مؤتمر حول تمويل الإرهاب سينظمه عام 201، بينما دعا السيسي أمام الصحفيين ماكرون إلى زيارة مصر "في أقرب وقت"، ليُدَشن مفهوماً جديداً عبارة عن مزيج من "الكولونيالية" و"البراغماتية" أسميه اختصاراً "متلازمة باريس" لصاحبَيه "السيسي" و"ماكرون"، طرفي معادلة (حقوق الإنسان وفلوس الرافال).



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/gamal-ahmed-ismael/story_b_18379684.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات