السبت، 4 نوفمبر 2017

نوستالجيا الثورة الجزائرية

نوستالجيا الثورة الجزائرية

تعتبر التواريخ في أمتنا من أكبر الهواجس التي يخشى الفرد في مجتمعاتنا مواجهتها واستذكارها، فالتواريخ العربية أو الإسلامية في أغلبها شكلت محطات سوداء وذكريات مؤلمة في الذاكرة الشعبية، وانتكاسات ظلت تجرف معها مستقبل الأمة من قمم الأمجاد إلى سفوحها، فمن سقوط الدولة العباسية، إلى الأندلس، فالدولة العثمانية، بقينا نخط يقلم العار أخبارنا في كتب التاريخ، فهل اقتصر مسار أُمتنا على مثل هذه التواريخ المأساوية؟

يشكل الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 أهم تاريخ عند الجزائريين على الإطلاق منذ أن كان يعيش على تلك الأرض البربر، أي سكانها الأصليون، إلى أن أنشأ يوغرطة نومديا، إلى الحكم الإسلامي، فالعثماني، ولو سألت المواطن الجزائري عن تاريخ بداية كل حقبة ونهايتها لعجز عن الإجابة، لكن الصغير والعجوز والمثقف والأمي وكل فئات الشعب يمكنها أن تجيبك عن أدق التفاصيل المتعلقة بتاريخ الفاتح من نوفمبر، فهو التاريخ الثاني الراسخ في ذاكرة كل فرد جزائري بعد تاريخ ميلاده، كيف لا وقد شكل المنعطف التاريخي الذي أخرج الجزائر من غياهب الاستدمار والوحشية الفرنسية؛ ليسمو بتاريخ هذه الأمة إلى أعلى المراتب، ويعلن للعالم أن الثورات لا تأتي عبثاً؟!

نوفمبر الذي أعلن بداية حقبة جديدة في حياة الفرد الجزائري، وشكّل فصلاً جديداً من رواية هذا الشعب، فهو لم يكن ثمرة أيام معدودة، بل هو حصاد سنوات من التخطيط والتنظيم والاستعداد، أدرك خلالها الجزائريون أنهم الوريث الشرعي، والأحق بتركة الرجل المريض، وإن كان هو الآخر استعماراً لكن من نوع آخر، فعلينا أن نقولها إنصافاً لهذا التاريخ وليس قدحاً ولا تجريحاً للأتراك: إن ما حصل للجزائر وتلك المتاهة التي دخلت فيها والبطش الذي عانى منه هذا الشعب طيلة أكثر من قرن وثلاثين سنة، كان بالأساس بسبب العلاقة بالدولة العثمانية التي كانت تحتضر هي الأخرى في ذلك الوقت، وكانت معركة نافرين القشة التي قصمت ظهر البعير، ونزعت درع الحماية -الأسطول البحري- الذي كان يقف حاجزاً أمام أطماع القوى الخارجية، التي ما لبثت أن وجهت أنظارها إلى هذا الإقليم الخصب، والوافر بالخيرات، الذي أصبح يجلس مذهولاً منكشف الظهر.

فنوفمبر لم يكن بمثابة الخلاص من فرنسا فحسب، بل كان بالأساس خلاصاً للفرد الجزائري من قيوده النفسية والذاتية والتاريخية؛ ليدرك أنه وإن عاش في عدة حقب زمنية تحت هيمنة خارجية، فإنه قادر على الخروج من بين الأنقاض والمخلفات؛ ليبني هذه الأرض من جديد؛ لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

فنوفمبر كان القطار الذي لم يستثنِ أحداً، فقد ركبته جميع الأطياف، من كان يدعو للاستقلال منذ البداية ومن كان يدعو للمساواة بين الفرنسيين والجزائريين، ومن كان يدعو لإدماج الشعبين كلهم وركبه ذوو الثقافة الإسلامية وذوو الثقافة الغربية على حد سواء، كلهم تركوا خلافاتهم جانباً وأدركوا أن اليد المضرجة آن أوان دقها لباب الحرية؛ لهذا فكل مشكك وضعيف النفس كان يظن أن فرنسا ستظل في الجزائر للأبد سرعان ما أدرك أن أيامها باتت معدودة.

ثورة الفاتح من نوفمبر كانت تتويجاً لجمع المقاومات التي عرفتها الجزائر منذ دخول فرنسا، فالعدد اللامتناهي من هذه المقاومات، وتعدد طرقها وأساليبها من عسكرية وسياسية وثقافية، هي التي رفعت من مستوى الوعي لدى الفرد الجزائري، وشكلت له ذلك النضج الثوري والتحرري، وجعلت منه مجتمعاً قادراً على الالتفاف حول الثورة؛ ليؤكد مقولة بن مهيدي: ألقوا بالثورة في الشارع سيحتضنها الشعب، وهكذا كان بالفعل حيث كانت سبع سنوات كافية لتدرك فرنسا حجمها الحقيقي وتترك الجزائر وأنفها في التراب.. فالفرد الجزائري اليوم رغم ما تشهده الأمة من تشتت وانحطاط يجب أن يفتخر بتاريخه، وإن كانت مسيرة الثورة لم تستكمل بعد الاستقلال؛ لأن هناك مَن حاد عن المبدأ وفضّل السعي وراء أطماعه الشخصية، متخلياً عن ميثاق نوفمبر الذي ضحّى من أجله ذلك العدد الرهيب من الناس.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/youcef-djamel-bekakira-/-_13876_b_18396748.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات