بعد مقتل 305 أشخاص في مسجدٍ مكتظ يوم الجمعة، 24 نوفمبر/تشرين الثاني، على يد مُسلَّحين في هجومٍ مُروِّع على مكانٍ مقدس، ردَّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأكثر ما يجيده.
فظهر على شاشة التلفزيون مُتوعِّداً بـ"الثأر" والرد "بقوةٍ غاشمة". وبعد ذلك بلحظات، حلَّقت طائراتٌ حربية مصرية فوق صحارى شبه جزيرة سيناء الشاسعة، وقصفت سياراتٍ قالوا إنها استُخدِمت في الهجوم.
لكنَّ هذا الثأر الغاشم، الذي يأتي بعد سنواتٍ من القتال في سيناء ضد أحد الأفرع الوحشية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي نجح في إسقاط طائرة ركاب روسية عام 2015 ويهاجم قوات الأمن المصرية هناك بانتظام، أعاد طرح السؤال الأكثر إثارةً للقلق حول استراتيجية السيسي في شبه جزيرة سيناء: لماذا تفشل؟
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير لها إن أحد أبرز جوانب هجوم يوم الجمعة الأكثر فتكاً في تاريخ مصر الحديث، يتمثَّل في مدى سهولة تنفيذها من قِبَل المسلحين.
ويرى بعض الخبراء في شؤون سيناء أنَّ الهجوم زاد التدقيق في تكتيكات مكافحة التمرد التي تنتهجها مصر ضد التمرُّد الإسلامي العنيد الذي قوت شوكته فجأةً منذ عام 2013 بعد قدوم السيسي إلى السلطة في انقلابٍ عسكري.
ويرسم هؤلاء صورةً لنهجٍ عنيد عفا عليه الزمن ولا يناسب المعركة من جانب السلطات المصرية، ويُخلِّد أخطاء رؤساء مصريين متعاقبين.
فعلى مدار عقود، ظلّت مصر تنظر إلى سيناء من منظورٍ عسكري، وتنتهج نهجاً عدوانياً تجاه سكانها المحليين المنبوذين. إذ شارك الجيش في إعداماتٍ فورية وتدمير قرى بأكملها، بينما لم يُقدِّم سوى القليل من أجل حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية العميقة في المنطقة، بما في ذلك البطالة المزمنة، والأمية، وسوء فرص الحصول على الرعاية الطبية.
وتشير صحيفة هآرتس في تقرير لها إلى اندهاش إسرائيل من فشل المصريين رغم ما تحصل عليه مصر من مساعدات كبيرة من تل أبيب في الجانب الاستخباراتي واستخدام الطائرات دون طيار ضد معاقل داعش.
وتشاطر الولايات المتحدة إسرائيل تلك الدهشة والإحباط؛ فقد ألمحت واشنطن للسيسي ومسؤوليه في مناسباتٍ عدة بعدم جاهزية قوات الأمن المصرية وأنَّ التبنؤ بتحركاتها ممكن.
وتقول هآرتس "بعد قتالٍ متواصل في السنوات الأخيرة مع فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المعروف باسم ولاية سيناء، من الصعب فهم كيف سمح المصريون لنحو أقل من 1000 مُسلَّح بتنفيذ كل تلك الهجمات المميتة".
وترى الصحيفة أنه عند القتال ضد مجموعات الإرهاب وحرب العصابات، تكون هناك حاجة إلى إجراءاتٍ أسرع، يجري الجمع فيها بين المعلومات الاستخباراتية الدقيقة وقوات العمليات الخاصة. ولا يزال المصريون بعيدين للغاية عن استخدام تلك الوسيلة التي تشبه الطريقة التي تقاتل بها إسرائيل المجموعات الإرهابية.
ويقول أندرو ميلر، الخبير المتخصص في الشؤون المصرية بمجلس الأمن القومي الأميركي سابقاً، ويعمل حاليَّاً لدى مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط بواشنطن لـ"نيويورك تايمز" "يرفض المصريون الاعتراف بأنَّ تنظيم داعش ليس مجرد تهديد إرهابي. فقتل الإرهابيين ليس كافياً. إنَّهم بحاجةٍ إلى حرمان داعش من الدعم المحلي الذي يتجذر في إهمال القاهرة التاريخي لسيناء".
وترى "نيويورك تايمز" أن الرغبة في حرمان داعش من الدعم تلاشت تدريجياً بسبب انتهاج الجيش أساليب متمثلة في التعذيب والإعدامات خارج نطاق القضاء، فضلاً عن التكتيكات العسكرية العشوائية التي كثيراً ما تسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين وتزرع بذور استياء واسع النطاق.
وقال مهند صبري، الذي ألَّف كتاباً عن سيناء: "لم يكترث الجيش قط بالخسائر المدنية. إذ أسفر الإفراط والتهور في استخدام القوة عن مقتل أُسرٍ بأكملها.
على مدار العام الماضي، استضاف السيسي مجموعةً من القادة الأجانب في القاهرة حيث أبرم صفقاتٍ بمليارات الدولارات مقابل الحصول على معدات عسكرية متطورة ضمَّت غواصات ألمانية، ومروحيات قتالية روسية، وحاملة طائرات فرنسية، وقمراً صناعياً لأغراض عسكرية.
وحاول مسؤولون عسكريون أميركيون بهدوءٍ إقناعه بتخصيص موارده، بما في ذلك المساعدات الأميركية السنوية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار، لتطوير أدواتٍ وتقنيات أكثر ملاءمةً لمحاربة التمرد في سيناء، مثل معدات جمع المعلومات الاستخباراتية والتدريب على ذلك.
لكنَّهم يقولون إنَّ السيسي لا يستمع لرأيهم، ويُفضِّل لواءاته شراء دباباتٍ وطائرات وأسلحة ثقيلة أخرى من أجل قواعدهم العسكرية الموجودة حول نهر النيل.
وقال مسؤولٌ أميركي سابق إنَّ الشخص الوحيد الذي كان يحظى ببعض التأثير على السيسي هو محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري سابقاً. فكان الأميركيون يعتبرونه الشخص الوحيد ضمن دائرة السياسي المُقرَّبة القادر على معارضته علانية. بالإضافة إلى وجود علاقة مصاهرة تربطهما، فابنة حجازي هي زوجة ابن السيسي.
لكنَّ السيسي أقال الفريق حجازي من منصبه في الشهر الماضي بعد نوبة غضبٍ عارم جرَّاء نصب كمينٍ مُسلَّحٍ قاتل لقافلةٍ أمنية جنوبي القاهرة أسفر عن مقتل 16 شُرطياً، وربما أكثر من ذلك بكثير.
وقال المسؤول المذكور سلفاً، الذي رفض الكشف عن هويته بداعي حماية سرية النقاشات الداخلية حول حليفٍ مُهم لا يستقبل الانتقادات العلنية بصدرٍ رحب في أغلب الأحيان، إنَّ هذه الإقالة أزعجت مسؤولين بارزين في وزارة الدفاع الأميركية كانوا يعتبرون حجازي رقيباً على السيسي ضمن دائرة مستشارين صارت أصغر من أي وقتٍ مضى ويخشى البعض من أنَّها أصبحت مُتملِّقة للرئيس المصري.
وتمثِّل سيناء ساحةً صعبة لمكافحة التمرد حتى بالنسبة لأقوى الجيوش في العالم: فهي أرض شاسعة من الصحراء والجبال، ومحدودةٌ بسواحل طويلة، وحدودٍ سهلة الاختراق.
وتقول الصحيفة انهيار مدينة الرقة السورية ومدينة الموصل العراقية أسفر عن تحوُّلٍ حاد في تكتيكات تنظيم داعش في سيناء.
وتقول "هآرتس" إن هزيمة داعش وسقوط الخلافة التي أقامها التنظيم في سوريا وشمال العراق تمهِّد الطريق أمام عصرٍ جديد تُسمِّيه الاستخبارات الإسرائيلية النسخة الثانية من داعش أو داعش 2.
ولم تعد هذه النسخة تُسيطر بوضوح على منطقةٍ محددة، بل هي "خلافة افتراضية" يُجنِّد فيها التنظيم المتطرفين الشباب عبر الإنترنت، وفي الدول الغربية أيضاً، من أجل تنفيذ هجماتٍ بينما يستفيد من صحراء سيناء الشاسعة.
وقد ضم داعش بالفعل إلى صفوفه محاربين مخضرمين من معاركه في سوريا والعراق، وهي الظاهرة التي قد تزيد في الأشهر المقبلة.
وتشير "نيويورك تايمز" إلى ما دار ويدور في اللقاءات الخاصة، حيث يقول مسؤولو السيسي إنَّهم لا يحتاجون دروساً من الأميركيين. ويشيرون إلى ما يقولون أنَّه فشلٌ لمشروعات مكافحة التمرُّد الأميركية في العراق وأفغانستان. ويُضيفون أنَّ وسائلهم نجحت في التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، على الأقل مؤقتاً وفي مناطق أخرى من مصر، حين سمح الرئيس حسني مبارك بإجراءاتٍ قاسية لنزع سلاح المسلحين الذين هاجموا السياح الغربيين في الأماكن التاريخية.
وقال زاك غولد، الخبير في شؤون سيناء بمركز رفيق الحريري بالمجلس الأطلسي: "إنَّهم ينظرون للماضي ويقولون: تلك هي الطريقة التي قمنا بالأمر بها، وقد نجحت". لكنَّ الظروف، كما قال غولد، مختلفة جذرياً في شمال سيناء، التي عانى فيها السكان سنواتٍ من الإهمال وسوء المعاملة من جانب المركز في القاهرة.
ويشكو سكان سيناء من شعورٍ بالعزلة، وحتى بالتباعد الثقافي، عن وادي النيل الذي يعيش فيه الغالبية العظمى من المصريين. ويشير الكثيرون في شمال سيناء إلى المصريين الآخرين بـ"شعب الوادي"، كما لو كانوا مواطنين لدولةٍ أخرى. ويتحدث البعض بشعورٍ يكتنفه الحنين عن الحكم الأفضل حين كانت شبه جزيرة سيناء تخضع للسيطرة الإسرائيلية، في الفترة بين استيلاء إسرائيل على المنطقة أثناء حرب الأيام الستة في يونيو/حزيران 1967 وعودتها إلى مصر عام 1982.
وتقول قبائل البدو التي تعيش هناك، والتي تُصوَّر في الثقافة الشعبية المصرية في كثيرٍ من الأحيان بأنَّها خارجة عن القانون، إنَّها تشعر بارتباطٍ أكثر مع القبائل في غزة، وهي العلاقة التي لطالما أثارت شكوكاً لدى المسؤولين في القاهرة، خصوصاً منذ الاحتلال الإسرائيلي.
فقال ميلر، المحلل: "لا يعتبر الكثير من المصريين على الضفة الغربية من قناة السويس أنَّ البدو مصريون تماماً. ويحظون بتعليمٍ أسوأ وفرص عمل أقل، ومُنِعوا إلى حدٍ كبير من شغل الوظائف الحكومية والعمل في الأجهزة الأمنية".
وكان التشكيك في الحكومة المركزية واضحاً خارج مستشفى الإسماعيلية يوم الجمعة، حيث كانت سيدة بدوية مُسنّة ترتدي ملابس سوداء تجلس على العشب المُوحِل المتراكم تحت بطانية من أجل التدفئة. وقد رفضت الإفصاح عن اسمها، متحججةً بمخاوف من الانتقام من الجيش أو داعش. وقالت: "إذا رأى أي الطرفين أسمائنا، سيقتلوننا. إنَّهما سيئان بنفس الدرجة".
وأضافت: "سيستمر الجيش في سجن وقتل الشباب المحليين. وسيواصل الإرهابيون الذين يكرهوننا ويكرهون المسيحيين في استخدام ذلك كذريعةٍ لقتلنا. ليس هناك فائدة من الحديث بشأن أي شيء".
فظهر على شاشة التلفزيون مُتوعِّداً بـ"الثأر" والرد "بقوةٍ غاشمة". وبعد ذلك بلحظات، حلَّقت طائراتٌ حربية مصرية فوق صحارى شبه جزيرة سيناء الشاسعة، وقصفت سياراتٍ قالوا إنها استُخدِمت في الهجوم.
لكنَّ هذا الثأر الغاشم، الذي يأتي بعد سنواتٍ من القتال في سيناء ضد أحد الأفرع الوحشية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي نجح في إسقاط طائرة ركاب روسية عام 2015 ويهاجم قوات الأمن المصرية هناك بانتظام، أعاد طرح السؤال الأكثر إثارةً للقلق حول استراتيجية السيسي في شبه جزيرة سيناء: لماذا تفشل؟
لماذا فشل؟
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير لها إن أحد أبرز جوانب هجوم يوم الجمعة الأكثر فتكاً في تاريخ مصر الحديث، يتمثَّل في مدى سهولة تنفيذها من قِبَل المسلحين.
ويرى بعض الخبراء في شؤون سيناء أنَّ الهجوم زاد التدقيق في تكتيكات مكافحة التمرد التي تنتهجها مصر ضد التمرُّد الإسلامي العنيد الذي قوت شوكته فجأةً منذ عام 2013 بعد قدوم السيسي إلى السلطة في انقلابٍ عسكري.
ويرسم هؤلاء صورةً لنهجٍ عنيد عفا عليه الزمن ولا يناسب المعركة من جانب السلطات المصرية، ويُخلِّد أخطاء رؤساء مصريين متعاقبين.
فعلى مدار عقود، ظلّت مصر تنظر إلى سيناء من منظورٍ عسكري، وتنتهج نهجاً عدوانياً تجاه سكانها المحليين المنبوذين. إذ شارك الجيش في إعداماتٍ فورية وتدمير قرى بأكملها، بينما لم يُقدِّم سوى القليل من أجل حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية العميقة في المنطقة، بما في ذلك البطالة المزمنة، والأمية، وسوء فرص الحصول على الرعاية الطبية.
وتشير صحيفة هآرتس في تقرير لها إلى اندهاش إسرائيل من فشل المصريين رغم ما تحصل عليه مصر من مساعدات كبيرة من تل أبيب في الجانب الاستخباراتي واستخدام الطائرات دون طيار ضد معاقل داعش.
وتشاطر الولايات المتحدة إسرائيل تلك الدهشة والإحباط؛ فقد ألمحت واشنطن للسيسي ومسؤوليه في مناسباتٍ عدة بعدم جاهزية قوات الأمن المصرية وأنَّ التبنؤ بتحركاتها ممكن.
وتقول هآرتس "بعد قتالٍ متواصل في السنوات الأخيرة مع فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المعروف باسم ولاية سيناء، من الصعب فهم كيف سمح المصريون لنحو أقل من 1000 مُسلَّح بتنفيذ كل تلك الهجمات المميتة".
وترى الصحيفة أنه عند القتال ضد مجموعات الإرهاب وحرب العصابات، تكون هناك حاجة إلى إجراءاتٍ أسرع، يجري الجمع فيها بين المعلومات الاستخباراتية الدقيقة وقوات العمليات الخاصة. ولا يزال المصريون بعيدين للغاية عن استخدام تلك الوسيلة التي تشبه الطريقة التي تقاتل بها إسرائيل المجموعات الإرهابية.
يرفضون الاعتراف بتهديد داعش
ويقول أندرو ميلر، الخبير المتخصص في الشؤون المصرية بمجلس الأمن القومي الأميركي سابقاً، ويعمل حاليَّاً لدى مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط بواشنطن لـ"نيويورك تايمز" "يرفض المصريون الاعتراف بأنَّ تنظيم داعش ليس مجرد تهديد إرهابي. فقتل الإرهابيين ليس كافياً. إنَّهم بحاجةٍ إلى حرمان داعش من الدعم المحلي الذي يتجذر في إهمال القاهرة التاريخي لسيناء".
وترى "نيويورك تايمز" أن الرغبة في حرمان داعش من الدعم تلاشت تدريجياً بسبب انتهاج الجيش أساليب متمثلة في التعذيب والإعدامات خارج نطاق القضاء، فضلاً عن التكتيكات العسكرية العشوائية التي كثيراً ما تسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين وتزرع بذور استياء واسع النطاق.
وقال مهند صبري، الذي ألَّف كتاباً عن سيناء: "لم يكترث الجيش قط بالخسائر المدنية. إذ أسفر الإفراط والتهور في استخدام القوة عن مقتل أُسرٍ بأكملها.
نصحوه بالتنمية
على مدار العام الماضي، استضاف السيسي مجموعةً من القادة الأجانب في القاهرة حيث أبرم صفقاتٍ بمليارات الدولارات مقابل الحصول على معدات عسكرية متطورة ضمَّت غواصات ألمانية، ومروحيات قتالية روسية، وحاملة طائرات فرنسية، وقمراً صناعياً لأغراض عسكرية.
وحاول مسؤولون عسكريون أميركيون بهدوءٍ إقناعه بتخصيص موارده، بما في ذلك المساعدات الأميركية السنوية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار، لتطوير أدواتٍ وتقنيات أكثر ملاءمةً لمحاربة التمرد في سيناء، مثل معدات جمع المعلومات الاستخباراتية والتدريب على ذلك.
لكنَّهم يقولون إنَّ السيسي لا يستمع لرأيهم، ويُفضِّل لواءاته شراء دباباتٍ وطائرات وأسلحة ثقيلة أخرى من أجل قواعدهم العسكرية الموجودة حول نهر النيل.
وقال مسؤولٌ أميركي سابق إنَّ الشخص الوحيد الذي كان يحظى ببعض التأثير على السيسي هو محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري سابقاً. فكان الأميركيون يعتبرونه الشخص الوحيد ضمن دائرة السياسي المُقرَّبة القادر على معارضته علانية. بالإضافة إلى وجود علاقة مصاهرة تربطهما، فابنة حجازي هي زوجة ابن السيسي.
لكنَّ السيسي أقال الفريق حجازي من منصبه في الشهر الماضي بعد نوبة غضبٍ عارم جرَّاء نصب كمينٍ مُسلَّحٍ قاتل لقافلةٍ أمنية جنوبي القاهرة أسفر عن مقتل 16 شُرطياً، وربما أكثر من ذلك بكثير.
وقال المسؤول المذكور سلفاً، الذي رفض الكشف عن هويته بداعي حماية سرية النقاشات الداخلية حول حليفٍ مُهم لا يستقبل الانتقادات العلنية بصدرٍ رحب في أغلب الأحيان، إنَّ هذه الإقالة أزعجت مسؤولين بارزين في وزارة الدفاع الأميركية كانوا يعتبرون حجازي رقيباً على السيسي ضمن دائرة مستشارين صارت أصغر من أي وقتٍ مضى ويخشى البعض من أنَّها أصبحت مُتملِّقة للرئيس المصري.
ساحة صعبة على أقوى جيوش العالم
وتمثِّل سيناء ساحةً صعبة لمكافحة التمرد حتى بالنسبة لأقوى الجيوش في العالم: فهي أرض شاسعة من الصحراء والجبال، ومحدودةٌ بسواحل طويلة، وحدودٍ سهلة الاختراق.
وتقول الصحيفة انهيار مدينة الرقة السورية ومدينة الموصل العراقية أسفر عن تحوُّلٍ حاد في تكتيكات تنظيم داعش في سيناء.
وتقول "هآرتس" إن هزيمة داعش وسقوط الخلافة التي أقامها التنظيم في سوريا وشمال العراق تمهِّد الطريق أمام عصرٍ جديد تُسمِّيه الاستخبارات الإسرائيلية النسخة الثانية من داعش أو داعش 2.
ولم تعد هذه النسخة تُسيطر بوضوح على منطقةٍ محددة، بل هي "خلافة افتراضية" يُجنِّد فيها التنظيم المتطرفين الشباب عبر الإنترنت، وفي الدول الغربية أيضاً، من أجل تنفيذ هجماتٍ بينما يستفيد من صحراء سيناء الشاسعة.
وقد ضم داعش بالفعل إلى صفوفه محاربين مخضرمين من معاركه في سوريا والعراق، وهي الظاهرة التي قد تزيد في الأشهر المقبلة.
لا يحتاجون دروساً من الأميركيين
وتشير "نيويورك تايمز" إلى ما دار ويدور في اللقاءات الخاصة، حيث يقول مسؤولو السيسي إنَّهم لا يحتاجون دروساً من الأميركيين. ويشيرون إلى ما يقولون أنَّه فشلٌ لمشروعات مكافحة التمرُّد الأميركية في العراق وأفغانستان. ويُضيفون أنَّ وسائلهم نجحت في التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، على الأقل مؤقتاً وفي مناطق أخرى من مصر، حين سمح الرئيس حسني مبارك بإجراءاتٍ قاسية لنزع سلاح المسلحين الذين هاجموا السياح الغربيين في الأماكن التاريخية.
وقال زاك غولد، الخبير في شؤون سيناء بمركز رفيق الحريري بالمجلس الأطلسي: "إنَّهم ينظرون للماضي ويقولون: تلك هي الطريقة التي قمنا بالأمر بها، وقد نجحت". لكنَّ الظروف، كما قال غولد، مختلفة جذرياً في شمال سيناء، التي عانى فيها السكان سنواتٍ من الإهمال وسوء المعاملة من جانب المركز في القاهرة.
ويشكو سكان سيناء من شعورٍ بالعزلة، وحتى بالتباعد الثقافي، عن وادي النيل الذي يعيش فيه الغالبية العظمى من المصريين. ويشير الكثيرون في شمال سيناء إلى المصريين الآخرين بـ"شعب الوادي"، كما لو كانوا مواطنين لدولةٍ أخرى. ويتحدث البعض بشعورٍ يكتنفه الحنين عن الحكم الأفضل حين كانت شبه جزيرة سيناء تخضع للسيطرة الإسرائيلية، في الفترة بين استيلاء إسرائيل على المنطقة أثناء حرب الأيام الستة في يونيو/حزيران 1967 وعودتها إلى مصر عام 1982.
سيئان بنفس الدرجة
وتقول قبائل البدو التي تعيش هناك، والتي تُصوَّر في الثقافة الشعبية المصرية في كثيرٍ من الأحيان بأنَّها خارجة عن القانون، إنَّها تشعر بارتباطٍ أكثر مع القبائل في غزة، وهي العلاقة التي لطالما أثارت شكوكاً لدى المسؤولين في القاهرة، خصوصاً منذ الاحتلال الإسرائيلي.
فقال ميلر، المحلل: "لا يعتبر الكثير من المصريين على الضفة الغربية من قناة السويس أنَّ البدو مصريون تماماً. ويحظون بتعليمٍ أسوأ وفرص عمل أقل، ومُنِعوا إلى حدٍ كبير من شغل الوظائف الحكومية والعمل في الأجهزة الأمنية".
وكان التشكيك في الحكومة المركزية واضحاً خارج مستشفى الإسماعيلية يوم الجمعة، حيث كانت سيدة بدوية مُسنّة ترتدي ملابس سوداء تجلس على العشب المُوحِل المتراكم تحت بطانية من أجل التدفئة. وقد رفضت الإفصاح عن اسمها، متحججةً بمخاوف من الانتقام من الجيش أو داعش. وقالت: "إذا رأى أي الطرفين أسمائنا، سيقتلوننا. إنَّهما سيئان بنفس الدرجة".
وأضافت: "سيستمر الجيش في سجن وقتل الشباب المحليين. وسيواصل الإرهابيون الذين يكرهوننا ويكرهون المسيحيين في استخدام ذلك كذريعةٍ لقتلنا. ليس هناك فائدة من الحديث بشأن أي شيء".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/11/26/story_n_18655476.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات