خلال الفترة الممتدة بين سنة 1912 و1956، أصبح المغرب تحت الحماية الفرنسية، وبالتالي كانت المستعمرات بمثابة مختبرات تجريبية مميزة في كل المجالات، اعتبرتها فرنسا فرصةً لوضع خطط التنمية وأنظمة الحدائق العامة قيد التنفيذ في المغرب، على الرغم من أنها لم تطبقها في المدن الفرنسية.
في هذا السياق، تم التفكير في خطط لتطوير المدن وتوسيعها. لذلك، كان التخطيط للحدائق في قلب تفكير المهندسين الرئيسيين، المتمحور حول خلق مدن مغربية ذات مناظر طبيعية خلابة. وكان يجب أن تكون هذه المدن حديثة ومتجددة الهواء. لذلك بذل هؤلاء المهندسون جهوداً حثيثة من أجل ترويض الطبيعة، وكرّسوا مواهبهم في فن الحدائق من أجل الوصول إلى مبتغاهم.
كتاب منية بناني تحت عنوان "مدن ومشاهد طبيعية في المغرب"، الذي قامت دار نشر "لا ديكوفرت" بطباعته، جمع هذا التاريخ ومعه عدد لا يحصى من النباتات التاريخية والرسومات والصور، مصحوبة بنص علمي يوضح هذا التراث النباتي الذي أسهم في التأثير على المشهد الحضاري للمملكة ومناظرها الطبيعية.
نموذج استعماري جديد
خلال سنة 1906، وضع مخطط ومنسق الحدائق الفرنسي، جان كلود نيكولا فوريستير (1861-1930)، مفهوم نظام الحديقة في المدن، وفي سنة 1913، في ختام مهمته، اقترح على أول مقيم عام للمغرب بعد احتلاله، ليوطي (1854-1934)، مناشدة المهندس المعماري هنري بروست (1874-1959) لتصميم المدن الجديدة.
بالنسبة لليوطي، كان الاستعمار الجزائري بمثابة الاستعباد والإهانة، "ومتحفاً للفظائع، ونموذجاً لا يجب اتباعه"، على عكس ذلك في المغرب كان ليوطي يرغب في خلق "نموذج مضاد"، وبناء "صورة جديدة للعمل الاستعماري".
كانت الخطوة التي اتخذها تندرج ضمن مشروع إصلاحي يهدف إلى تطوير المغرب وتعميره بدلاً من تدميره، وجعل المصممين يعملون على إنشاء حدائق لا تعكس السلطة الاستعمارية كما هو الحال في المستعمرات الأخرى، إلا باستثناء الرباط، حيث مزجوا بين الحداثة والتقاليد.
بعد مرور قرن من إنشائها، أصبح هذا الإرث النباتي الحضري يمثل تراثاً ثقافياً استثنائياً يجذب اهتماماً متزايداً من السلطات والسكان والسائحين، فضلاً عن ذلك، تصنف العديد من هذه الإنجازات على أنها آثار تاريخية.
في هذا السياق كتبت منية بناني، التي تخرجت في المدرسة الوطنية للمناظر الطبيعية في فرساي والمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، وفي سنة 2006 أسست منيا بناني وكالة خاصة بها في الرباط، "يجب أن نأخذ في الحسبان جميع المساحات غير المبنية التي لا تزال المدينة تطمع في تزيينها، بما في ذلك الغابات، والوديان، والأماكن الرائعة، والساحات، ومفترقات الطرق، فضلاً عن جميع المساحات الحرة وجميع الفراغات التي تضمن وضوح المشهد الحضري.
وتشكل هذه المساحات والفراغات الكبيرة اليوم جمال وهوية جميع مدننا المغربية. لذلك، يتمثل واجبنا في الحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة".
مدن عتيقة بلمسة أوروبية
لم يتوقف جان كلود نيكولا فوريستيي يوماً عن تحديث الحديقة المغربية، وقد استخدم فوريستيي شكل المربع في تصميم الحدائق، فضلاً عن المدرجات ونظم الري مثل (السواقي، والنواعير، والأحواض، والنوافير، وما إلى ذلك، دون أن يتخلى عن الأزقة المنحدرة والنباتات العطرة والمثمرة، فضلاً عن الخزف الملون التقليدي (الزليج الإسباني والمغربي).
في المغرب، تمكَّن فوريستيي من تعميق معرفته بالثقافة الإسلامية والبيئة المتوسطية، واختراع مفردات لوصف حديقة البحر الأبيض المتوسط الجديدة، التي أطلق عليها اسم "حديقة مناخ شجرة البرتقال". وستكون هذه الحديقة بمثابة إشارة رئيسية إلى فن تصميم الحدائق في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين.
إلى جانب فوريستيي، إن ليوطي منذ وصوله إلى المغرب، أمر بأن يتم الحفاظ على مظهر المدينة، وطابعها الأصلي والنابض بالحياة، وكل ما يمثل هويتها: من أسوار، ومتاهة الممرات الضيقة والمتعرجة، وهندسة الشرفات التي توجد على السطح، والمساجد، والآثار التاريخية بشكل عام.
لهذا الغرض، تم إنشاء مركز خاص للفنون الجميلة والآثار التاريخية في الرباط، وفي الحقيقة، كان تطوير المدن المغربية الجديدة رداً على الخطاب السياسي المتعلق بالحماية التي تفرضها فرنسا على المغرب.
لذلك سعى ليوطي إلى تقديم هوية حضرية جديدة كلياً تقضي بالفصل التام بين هندسة المدينة التقليدية والمدينة الأوروبية الجديدة لأسباب جمالية وصحية، واقتصادية بحتة، تفرض احترام العادات والتقاليد المحلية، بغية تطبيق قواعد صارمة تتعلق بالتخطيط الحضري الخاص بالمدن الجديدة.
وحتى قبل تنصيبه خلال شهر يوليو/تموز من سنة 1914، كانت عاصمة المغرب، الرباط، تتمتع بجميع أصول المدينة الحديثة المثالية، من حيث موقعها الجغرافي عند مصبِّ النهر، وتضاريسها المتباينة، وآفاقها الواسعة، وتراثها المعماري، وحدائقها، وألوانها، وأضوائها.
كما تعتبر الرباط من بين عدد من المدن الحديثة في العالم، التي تم التفكير في تحديثها بالرجوع إلى قاعدتها الجغرافية، حيث لعبت الطبوغرافيا، والمناظر الطبيعية، والمحيط، والنهر، والحدائق القديمة، والمعالم التاريخية دور حجر الأساس في خطط المدينة الجديدة الرامية إلى تحديد المناطق التي سيتم الحفاظ عليها، وتطوير المتنزهات والحدائق والمساحات المشجرة".
أماكن العاصمة ومواقعها المتميزة
في كتابها تفرد منية بناني لائحة للأماكن والحدائق التي ميزت المدن المغربية، ومن ضمنها الإقامة الخاصة بالمقيم العام الفرنسي في المغرب، فقد تم إنشاؤها بالقرب من القصر الملكي، في حي "التواركة". فكل شيء في الموقع يؤيد هذا الخيار، كالوصول المباشر إلى المكان قدوماً من الإقامة القديمة ومن المدينة. كما أن الموقع مثالي للمنازل الواقعة بين الإقامة القديمة والجديدة مع وجود موقع للتوسع في حدائق أكدال، من أجل بناء المؤسسات الجامعية. وقد أعجب ليوطي وبروست بشكل خاص بهذا المشهد، الذي قد ينال إعجابنا أيضاً إن رأيناه من هذه الزاوية في الرباط.
هناك أيضاً حديقة نزهة حسان التي أنشأها مارسيل زابورسكي سنة 1924، ومما لا شك فيه، فإن هذا العمل هو الأبرز من بين المناظر الطبيعية، وتمثل هذه الحديقة اليوم إحدى أجمل الحدائق الحضرية التي أسستها الحماية الفرنسية. وقد جعلها موقعها الاستراتيجي على الحدود مع الأحياء الأوروبية والمدينة حلقة وصل رئيسية في نظام حدائق العاصمة، وعنصراً هيكلياً للنسيج الهندسي للمدينة الجديدة.
حديقة الأوداية التي تسمى أيضاً حديقة الرباط هي الأكثر زيارة من قبل السياح، بل ومن قبل سكان المدينة أيضاً، وهناك عدة أسباب لهذا الانجذاب نحو الحديقة، مثل موقعها داخل أسوار القصبة، المطلة على نهر أبو رقراق والمدينة، بالإضافة إلى تركيبتها الفريدة، التي تصور بشكل متقن الرياض المغربي التقليدي. وتحتل الحديقة، المحاطة بالجدران المرصوفة العالية التي يعود تاريخها إلى عهد السلطان العلوي مولاي رشيد وزمن الموحدين، وتتخللها الحصون وبرج يربطها بممر، مساحة هكتار واحد تقريباً.
موقع شالة الذي يطل على وادي أبو رقراق، يعتبر كذلك من بين أولى المواقع التي تم ترميمها من قبل الحماية الفرنسية. ويتكون الموقع من مدينة قديمة ممتدة على حوالي أربعة هكتارات ومجمع مقابر بنو مرين. وعلى الرغم من أنه يقع خارج النسيج الحضري للمدينة الجديدة، إلا أنه تم ترميم موقع شالة ليصبح حديقة عمومية في بداية الحماية. وقد أدرج الموقع منذ سنة 2012 في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
سحر مراكش وفاس
امتلكت مراكش منذ القديم كل مقومات المناظر الطبيعية الحديثة للمدينة المعاصرة بحدائقها التاريخية، وبساتين أشجار النخيل العملاقة، والشبكة المائية الموروثة عن الأجداد، والمناظر الخلابة المطلة على جبال الأطلس الكبير. وعلى عكس الرباط، اقتصر العمل الحضري للحماية الفرنسية على الحفاظ على التراث الطبيعي القائم، ودمجه بمخطط الأحياء الأوروبية الجديدة.
وكانت حديقة المنارة وحديقة أكدال أكثر الحدائق التي يرتادها السياح. فمنذ وصول القوات الفرنسية إلى مراكش، حافظ المستعمر على هذه الحدائق كما فعل ببستان النخيل، حيث تم بناء ممرات للاستراحة. وأدرك المستوطنون هذا التراث التاريخي، ورأوا فيه قيمة حضرية وسياحية عالية. واقتصر هدفهم في الحفاظ هذه الخزانات الغابوية الضخمة، ودمجها ضمن المساحات المفتوحة خلال التخطيط للمدينة الجديدة.
أما فاس، العاصمة التاريخية للمملكة المغربية، فعندما قدم الفرنسيون إليها سنة 1912 اكتشفوا مدينة مكونة من نسختين حضريتين: فاس البالي (أي فاس القديمة) وفاس الجديدة، ولكل منهما نسيجه الخاص. وقد أسهم النسيج الحضري الكثيف، بالإضافة إلى التضاريس الوعرة جداً التي سببها وجود وادي فاس وروافده التي حفرت العديد من الوديان والوديان العميقة، في جعل المدينة صعبة الدراسة على المهندسين.
وتقع المدينة القديمة على وادي فاس، وهي غير بعيدة عن التقائه مع وادي سبو، وتعلو على مستوى سطح البحر بما يقرب من 370 متراً. ويتناسب النسيجان الحضريان للمدينة مع الخطوط العريضة لتضاريسها، إذ تلتقي المدينة القديمة مع وادي فاس بالمدينة الثانية، بينما تمتد فاس الجديدة على الهضبة إلى الغرب فوق التكتل السكاني الأول، ويجوب وادي فاس، وفروعه من أنهار وجداول وينابيع شوارع المدينتين.
في هذا السياق، تم التفكير في خطط لتطوير المدن وتوسيعها. لذلك، كان التخطيط للحدائق في قلب تفكير المهندسين الرئيسيين، المتمحور حول خلق مدن مغربية ذات مناظر طبيعية خلابة. وكان يجب أن تكون هذه المدن حديثة ومتجددة الهواء. لذلك بذل هؤلاء المهندسون جهوداً حثيثة من أجل ترويض الطبيعة، وكرّسوا مواهبهم في فن الحدائق من أجل الوصول إلى مبتغاهم.
كتاب منية بناني تحت عنوان "مدن ومشاهد طبيعية في المغرب"، الذي قامت دار نشر "لا ديكوفرت" بطباعته، جمع هذا التاريخ ومعه عدد لا يحصى من النباتات التاريخية والرسومات والصور، مصحوبة بنص علمي يوضح هذا التراث النباتي الذي أسهم في التأثير على المشهد الحضاري للمملكة ومناظرها الطبيعية.
نموذج استعماري جديد
خلال سنة 1906، وضع مخطط ومنسق الحدائق الفرنسي، جان كلود نيكولا فوريستير (1861-1930)، مفهوم نظام الحديقة في المدن، وفي سنة 1913، في ختام مهمته، اقترح على أول مقيم عام للمغرب بعد احتلاله، ليوطي (1854-1934)، مناشدة المهندس المعماري هنري بروست (1874-1959) لتصميم المدن الجديدة.
بالنسبة لليوطي، كان الاستعمار الجزائري بمثابة الاستعباد والإهانة، "ومتحفاً للفظائع، ونموذجاً لا يجب اتباعه"، على عكس ذلك في المغرب كان ليوطي يرغب في خلق "نموذج مضاد"، وبناء "صورة جديدة للعمل الاستعماري".
كانت الخطوة التي اتخذها تندرج ضمن مشروع إصلاحي يهدف إلى تطوير المغرب وتعميره بدلاً من تدميره، وجعل المصممين يعملون على إنشاء حدائق لا تعكس السلطة الاستعمارية كما هو الحال في المستعمرات الأخرى، إلا باستثناء الرباط، حيث مزجوا بين الحداثة والتقاليد.
بعد مرور قرن من إنشائها، أصبح هذا الإرث النباتي الحضري يمثل تراثاً ثقافياً استثنائياً يجذب اهتماماً متزايداً من السلطات والسكان والسائحين، فضلاً عن ذلك، تصنف العديد من هذه الإنجازات على أنها آثار تاريخية.
في هذا السياق كتبت منية بناني، التي تخرجت في المدرسة الوطنية للمناظر الطبيعية في فرساي والمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، وفي سنة 2006 أسست منيا بناني وكالة خاصة بها في الرباط، "يجب أن نأخذ في الحسبان جميع المساحات غير المبنية التي لا تزال المدينة تطمع في تزيينها، بما في ذلك الغابات، والوديان، والأماكن الرائعة، والساحات، ومفترقات الطرق، فضلاً عن جميع المساحات الحرة وجميع الفراغات التي تضمن وضوح المشهد الحضري.
وتشكل هذه المساحات والفراغات الكبيرة اليوم جمال وهوية جميع مدننا المغربية. لذلك، يتمثل واجبنا في الحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة".
مدن عتيقة بلمسة أوروبية
لم يتوقف جان كلود نيكولا فوريستيي يوماً عن تحديث الحديقة المغربية، وقد استخدم فوريستيي شكل المربع في تصميم الحدائق، فضلاً عن المدرجات ونظم الري مثل (السواقي، والنواعير، والأحواض، والنوافير، وما إلى ذلك، دون أن يتخلى عن الأزقة المنحدرة والنباتات العطرة والمثمرة، فضلاً عن الخزف الملون التقليدي (الزليج الإسباني والمغربي).
في المغرب، تمكَّن فوريستيي من تعميق معرفته بالثقافة الإسلامية والبيئة المتوسطية، واختراع مفردات لوصف حديقة البحر الأبيض المتوسط الجديدة، التي أطلق عليها اسم "حديقة مناخ شجرة البرتقال". وستكون هذه الحديقة بمثابة إشارة رئيسية إلى فن تصميم الحدائق في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين.
إلى جانب فوريستيي، إن ليوطي منذ وصوله إلى المغرب، أمر بأن يتم الحفاظ على مظهر المدينة، وطابعها الأصلي والنابض بالحياة، وكل ما يمثل هويتها: من أسوار، ومتاهة الممرات الضيقة والمتعرجة، وهندسة الشرفات التي توجد على السطح، والمساجد، والآثار التاريخية بشكل عام.
لهذا الغرض، تم إنشاء مركز خاص للفنون الجميلة والآثار التاريخية في الرباط، وفي الحقيقة، كان تطوير المدن المغربية الجديدة رداً على الخطاب السياسي المتعلق بالحماية التي تفرضها فرنسا على المغرب.
لذلك سعى ليوطي إلى تقديم هوية حضرية جديدة كلياً تقضي بالفصل التام بين هندسة المدينة التقليدية والمدينة الأوروبية الجديدة لأسباب جمالية وصحية، واقتصادية بحتة، تفرض احترام العادات والتقاليد المحلية، بغية تطبيق قواعد صارمة تتعلق بالتخطيط الحضري الخاص بالمدن الجديدة.
وحتى قبل تنصيبه خلال شهر يوليو/تموز من سنة 1914، كانت عاصمة المغرب، الرباط، تتمتع بجميع أصول المدينة الحديثة المثالية، من حيث موقعها الجغرافي عند مصبِّ النهر، وتضاريسها المتباينة، وآفاقها الواسعة، وتراثها المعماري، وحدائقها، وألوانها، وأضوائها.
كما تعتبر الرباط من بين عدد من المدن الحديثة في العالم، التي تم التفكير في تحديثها بالرجوع إلى قاعدتها الجغرافية، حيث لعبت الطبوغرافيا، والمناظر الطبيعية، والمحيط، والنهر، والحدائق القديمة، والمعالم التاريخية دور حجر الأساس في خطط المدينة الجديدة الرامية إلى تحديد المناطق التي سيتم الحفاظ عليها، وتطوير المتنزهات والحدائق والمساحات المشجرة".
أماكن العاصمة ومواقعها المتميزة
في كتابها تفرد منية بناني لائحة للأماكن والحدائق التي ميزت المدن المغربية، ومن ضمنها الإقامة الخاصة بالمقيم العام الفرنسي في المغرب، فقد تم إنشاؤها بالقرب من القصر الملكي، في حي "التواركة". فكل شيء في الموقع يؤيد هذا الخيار، كالوصول المباشر إلى المكان قدوماً من الإقامة القديمة ومن المدينة. كما أن الموقع مثالي للمنازل الواقعة بين الإقامة القديمة والجديدة مع وجود موقع للتوسع في حدائق أكدال، من أجل بناء المؤسسات الجامعية. وقد أعجب ليوطي وبروست بشكل خاص بهذا المشهد، الذي قد ينال إعجابنا أيضاً إن رأيناه من هذه الزاوية في الرباط.
هناك أيضاً حديقة نزهة حسان التي أنشأها مارسيل زابورسكي سنة 1924، ومما لا شك فيه، فإن هذا العمل هو الأبرز من بين المناظر الطبيعية، وتمثل هذه الحديقة اليوم إحدى أجمل الحدائق الحضرية التي أسستها الحماية الفرنسية. وقد جعلها موقعها الاستراتيجي على الحدود مع الأحياء الأوروبية والمدينة حلقة وصل رئيسية في نظام حدائق العاصمة، وعنصراً هيكلياً للنسيج الهندسي للمدينة الجديدة.
حديقة الأوداية التي تسمى أيضاً حديقة الرباط هي الأكثر زيارة من قبل السياح، بل ومن قبل سكان المدينة أيضاً، وهناك عدة أسباب لهذا الانجذاب نحو الحديقة، مثل موقعها داخل أسوار القصبة، المطلة على نهر أبو رقراق والمدينة، بالإضافة إلى تركيبتها الفريدة، التي تصور بشكل متقن الرياض المغربي التقليدي. وتحتل الحديقة، المحاطة بالجدران المرصوفة العالية التي يعود تاريخها إلى عهد السلطان العلوي مولاي رشيد وزمن الموحدين، وتتخللها الحصون وبرج يربطها بممر، مساحة هكتار واحد تقريباً.
موقع شالة الذي يطل على وادي أبو رقراق، يعتبر كذلك من بين أولى المواقع التي تم ترميمها من قبل الحماية الفرنسية. ويتكون الموقع من مدينة قديمة ممتدة على حوالي أربعة هكتارات ومجمع مقابر بنو مرين. وعلى الرغم من أنه يقع خارج النسيج الحضري للمدينة الجديدة، إلا أنه تم ترميم موقع شالة ليصبح حديقة عمومية في بداية الحماية. وقد أدرج الموقع منذ سنة 2012 في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
سحر مراكش وفاس
امتلكت مراكش منذ القديم كل مقومات المناظر الطبيعية الحديثة للمدينة المعاصرة بحدائقها التاريخية، وبساتين أشجار النخيل العملاقة، والشبكة المائية الموروثة عن الأجداد، والمناظر الخلابة المطلة على جبال الأطلس الكبير. وعلى عكس الرباط، اقتصر العمل الحضري للحماية الفرنسية على الحفاظ على التراث الطبيعي القائم، ودمجه بمخطط الأحياء الأوروبية الجديدة.
وكانت حديقة المنارة وحديقة أكدال أكثر الحدائق التي يرتادها السياح. فمنذ وصول القوات الفرنسية إلى مراكش، حافظ المستعمر على هذه الحدائق كما فعل ببستان النخيل، حيث تم بناء ممرات للاستراحة. وأدرك المستوطنون هذا التراث التاريخي، ورأوا فيه قيمة حضرية وسياحية عالية. واقتصر هدفهم في الحفاظ هذه الخزانات الغابوية الضخمة، ودمجها ضمن المساحات المفتوحة خلال التخطيط للمدينة الجديدة.
أما فاس، العاصمة التاريخية للمملكة المغربية، فعندما قدم الفرنسيون إليها سنة 1912 اكتشفوا مدينة مكونة من نسختين حضريتين: فاس البالي (أي فاس القديمة) وفاس الجديدة، ولكل منهما نسيجه الخاص. وقد أسهم النسيج الحضري الكثيف، بالإضافة إلى التضاريس الوعرة جداً التي سببها وجود وادي فاس وروافده التي حفرت العديد من الوديان والوديان العميقة، في جعل المدينة صعبة الدراسة على المهندسين.
وتقع المدينة القديمة على وادي فاس، وهي غير بعيدة عن التقائه مع وادي سبو، وتعلو على مستوى سطح البحر بما يقرب من 370 متراً. ويتناسب النسيجان الحضريان للمدينة مع الخطوط العريضة لتضاريسها، إذ تلتقي المدينة القديمة مع وادي فاس بالمدينة الثانية، بينما تمتد فاس الجديدة على الهضبة إلى الغرب فوق التكتل السكاني الأول، ويجوب وادي فاس، وفروعه من أنهار وجداول وينابيع شوارع المدينتين.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/12/31/story_n_18920466.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات