الاثنين، 1 يناير 2018

هل صرتُ داعشياً لأن زوجتي انتقبت؟!

هل صرتُ داعشياً لأن زوجتي انتقبت؟!

في بلدانٍ إسلامية صرتَ تخشى تطبيقَ شرائع الله في أهلك أو بيتك خشية أن يتهموك بأنك داعشي. ظاهرة صرنا نراها اليوم كثيراً للأسف، ولم نكن نراها قبل ظهور التنظيم المشؤوم حين كان الإسلامُ إسلاماً واضحاً ولم يكن يجرؤ أحد من كارهيه على التطاول عليه.

داعش.. البلاء العظيم الذي مرت به الأمةُ عموماً وبلدان عربية قليلة الحظ كالعراق وسوريا خصوصاً. هو تنظيمٌ، لم يخدم في التاريخ أعداءَ الإسلام أحدٌ كما خدمهم هو. ذاك التنظيم الذي ما فتِئ يستخدم كلمات الحق التي يُراد بها باطل، لا لسبب إلا للتغرير بالبسطاء والعامة والإساءة إلى الدين، وقد فعل فغرّر بالصغار والجهلة والبسطاء الغيورين على الإسلام منهم أو أصحاب الحميّة في أنحاء الأرض، فكان مصيرهم القتل أو الانحراف الذي لا اعتدال بعده، فحقق بذلك هدفه الأول.

ثم فتح المجال أيضاً لكل ملحد أو حاقد أو حتى مسلم جاهل للتطاول على الدين والإسلام والمسلمين جهاراً نهاراً عياناً، وكل ذلك بحجة داعش، فحقق هدفه الثاني والأكبر وهو تعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا، ليس لدى غير المسلمين فقط؛ بل لدى بعض المسلمين أنفسهم أيضاً.

وليت الجميع يفهم حقيقة أن داعش ﻟﻢ ﻳﻜﻦ تنظيماً ﺩﻳﻨﻴﺎً؛ ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎً. وعناصره كاﻧﻮﺍ ﻳﻜﺮﺭﻭﻥ ﻭﻳﺮﺩﺩﻭﻥ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻧﻪ ﻫﻢ ﺑﺪﻟﺎً ﻣﻦ المجادلة ﺑﺎﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ وآيات القرآن الكريم.

وﻇﻬﻮﺭ ﺩﺍﻋﺶ ‏ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ لم يخدم الإسلام؛ بل العكس ﺃﺳﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺻﻮرته ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ، وذلك ما جعل ﻣﺮﻭّجي ﺍﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ يستفيدون من ظهوره. والحقيقة أنه ونتيجة لممارسات داعش، وُﺟِﺪ ﺃﻥ نسبة كبيرة من غير المسلمين ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﻣﺎ يقوم ﺑﻪ ‏ﺩﺍﻋﺶ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺗﺤﺖ ﺃﻱ ﺣﻜﻢ ﺇﺳﻼﻣﻲ، وذلك ليس صحيحاً إن استثنينا منه تطبيق الشرائع بالتأكيد، والقصد الذي كان يرجونه هم من تطبيقها.

وﺍﻟﺪﻳﻦ لم يكن ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻷﻓﻌﺎﻝ ‏ﺩﺍﻋﺶ‏، ﻭﻟﻴﺲ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻧﻀﻤﺎﻡ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ إﻟيﻬﻢ‏، فداعش كان يستخدم ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ، وكانوا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻹﺿﻔﺎﺀ الشرعية ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ لا أكثر.

وبسبب داعش وفي هذا الزمان الذي انتشرت فيه وسائل التواصل، صار -وللأسف- لبعض الجهلة منابر، فصاروا يتقوّلون على الإسلام، ويهرفون بما لا يعرفون من تلك المنابر، ويقوّمون ويحكمون من منابرهم تلك، ويعترضون على الشريعة وأحكام الدين بحجة أنها أحكام داعش.

وإن جئت ناقشتهم اتهموك بأنك داعشي أو من الغلاة والخوارج، ولن تجدي معهم وقتها حججك ولا دلائلك، فحتى حديثك بالقرآن صار دليل كونك من داعش في نظر بعضهم؛ وذلك بسبب الفوبيا التي أحدثها داعش لديهم أو بسبب حقدهم الدفين على الإسلام الذي فتح لهم داعش باب التطاول عليه.

ومن أكثر الأمور إزعاجاً والتي خلفها ظهور داعش، الاعتراض على الزِي الإسلامي، فزيك الإسلامي صار اليوم تهمةً، رجلاً كنت أو امرأةً. ولكن الحقيقة أن الأمر سيكون عليك أهون إذا ما كنت رجلاً، فلحسن الحظ أن زيّك ما عاد غريباً في هذا الزمن، الذي صارت فيه اللحية موضة، ولولا ذلك لضيّق الجاهلون والحاقدون كثيراً على أصحاب اللحى.

ولكن الأمر مختلف بالنسبة للمرأة المسلمة إذا ما أرادت تطبيق شرع ربها، سواء في بلدان الغرب أو البلاد المسلمة حتى! وأخص بذلك مسألة النقاب وفوبيا النقاب التي أصبحت منتشرة بشكل كبير بعد داعش.

واليوم أقولها صراحةً وبكل أسف: لم يعد يمكنني المشي بحرية وراحة مع زوجتي المنتقبة دون أن أسمع المضايقات السخيفة من قبيل: "مرَّ الدواعش"، أو كلمات عن احتمال كوننا مفخّخَين، بسخريةٍ وتهكم، وجُمل سخيفة أخرى تنمُّ عن جهل أو حقد دفين، وربما غيرة أحياناً من رجال ونساء مسلمين، ما استطاعوا ضبط أنفسهم ولا تطبيق الحد الأدنى من شعائر دينهم، فأرادوا التعويض عن نقصهم ذاك بالنيل من الآخرين الأكثر التزاماً منهم.

واليوم بعد داعش، لم يعد يمكننا تحمُّل ما يُنشر على صفحات التواصل من استهزاء بشرائع الله بحجة أنها شريعة داعش، ولا دعوات تلك الصفحات المستمرة إلى التخلي عما نؤمن به؛ كي لا نكون دواعش في نظرهم، ولكننا صامدون، وسنظل نؤدي رسالتنا أينما ذهبنا أو حللنا، والتي مفادها أن الإسلام ليس داعش، والإسلام هو الذي لا يدعو -باسم الله والدين- إلى تكفير الآخرين ثم قتلهم، وأن المجتمع كله ينبغي له التحدث ﺑﻠﻐﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻭذلك لن يكون معناه أن المجتمعات المسلمة كلها داعش‏.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/abdul-jabbar-kalef-alaskar/post_16666_b_18921748.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات