السبت، 13 يناير 2018

من يجبر قلوب الملحدين؟!

من يجبر قلوب الملحدين؟!

حقيقةً، لا أوجه مقالي هذا للملحدين؛ فلن يفهموه، وذلك ليس لقصر فهمهم، لكن لأنه بإنكار وجود الله يقيِّد الملحد نفسه داخل إطار مادي ويتحتم عليه رفض أي تفسير إلا من خلاله، بدءاً من نشأة الكون والحياة، وانتهاءً بالقيم والشعور.

هذا الشعور الذي جُلُّ مقالي يعتمد عليه، هذا الشعور الذي لا أستطيع إنكاره أو حتى تناسيه أو وضعه مؤقتاً على الرف حتى أفرغ من الاستماع إلى أدلة وجود الله العقلية. لن أتكلم اليوم في الجانب العقلي وأدلة وجود الله سبحانه وتعالى، لكن الجانب الشعوري وإحساس قلوبنا بوجوده.

هذا الشعور الذي سيُنكره الملحدون، سينكرون أيضاً أن الله كان معهم في أشد حالات الحزن والضعف، كان معهم بجوارهم؛ يرحمهم ويجبر خواطرهم. لا بد -ولو لمرة واحدة- لمست رحمته قلوبهم.

أنا أشعر بوجود الله في حياتي، أنقذني يومَ كنتُ على وشك السقوط، كنتُ على حافَة الهاوية، لم أجد غيره -سبحانه- لينقذني وأنقذني!

ترتيب أحداث حياتنا، لم يكن قط صدفةً، فلا يمكن لمجموعة ممثلين يرتجلون على المسرح أن يخرجوا بـ"هاملت"، ولا يمكن لعفوية أصوات العصافير أن تخرج بسيمفونية عاشرة لبيتهوفن. فكل تلك المواقف والأزمات يوجد بها رسالة ودليل على وجود الله، ليس ذلك الدليل العقلي، لكنه الحسي الشعوري.

كان كل ما يجول بخاطري بعد كل مرة أنقذني الله فيها، وبعد كل مرة طيَّب خاطري حتى وأنا لم أزل على سجادتي أدعوه، من يجبر قلوب الملحدين؟! لمن يشكون ويبكون؟ ولمن يطرحون أحزانهم أو يناجون؟!

لمن تشكو الأمهات الثكالى ترنيمة الحزن الأبدية لفقد فلذة كبدها؟! كيف لأم أصلاً أن تُلحد؟! أليس أنه شيء يتناقض مع رحمتها بوليدها؟! هي تعرف معنى الرحمة فلا بد أنها أحسَّت برحمة الله، فكيف تنكر وجوده؟!

وممن تطلب العاقر ولداً من رحمها حتى لا تكون وحيدة في هذا العالم القاسي، ولداً يحنو عليها، يحكي لها ويسامرها، ويقبِّل جبينها قبل يدها؟!

لمن يشكو الملحد المرض إذا أضناه؟! عليه أن يحتقر نفسه، تلك الحثالة الكيميائية والغبار الكوني، فهو لا قيمة له حسبما يقول، هو الذي تكون من أصل الأميبا الحقير.

عليه أن يقف إلى جانب microrganisms التي نالت منه ما نالت والخلية السرطانية التي تمددت به وسَطَتْ عليه؛ لأنها أقوى فالبقاء لها.

فكرٌ غبيٌّ، ونظرة محتقرة للذات، لا تميل إلى الرحمة بنفسها حتى قبل أن تميل إلى الرحمة بالغير.

ثمة ابتلاء وفقْد ومواقف حياتية تجبرك على الوقوف، سواء كنا مؤمنين أو ملحدين، لكن سيختلف التعامل معها، ستختلف تلك الروح المتلقية للمآسي الحياتية المختلفة.

نحن نجد في القرآن قصصاً تشبه قصصنا، تروي احتياجاتنا، ونرى بأعيننا جبر قلوب أنبيائنا.. "وكذلك ننجي المؤمنين".

نفوض الأمر لله، ونجد في هذا التفويض النجاة.. "وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) " (سورة غافر).
نشكو الضر لله.. "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (سورة الأنبياء).
نشكو الوحدة لله.. "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" (سورة الأنبياء).
نجد البشري في عز البلاء.. "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" (سورة البقرة).


ونطمئن بوجوده ولوجوده وفي ذكره سبحانه.. "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (سورة الرعد).

ونحن لا نؤمن به سبحانه لذلك الأمان والسعادة في عبادته والسجود إليه؛ فهذا الأمان رحمة منه، دليل يهدي الحائرين، لكننا نؤمن به؛ لأن وجوده هو الحقيقة المطلقة في هذه الحياة.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/eman-abdelaziz-saber/post_16734_b_18993062.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات