الأربعاء، 31 يناير 2018

الخلل الثقافي والعلمي الشرعي عند أبناء الحركة الإسلامية

الخلل الثقافي والعلمي الشرعي عند أبناء الحركة الإسلامية

يوماً ما كنت على مأدبة طعام مع بعض شباب الحركة الإسلامية من كلية شرعية، وقبل بدء الطعام، أخذ مسؤول الشباب في هذه الكلية يسرد لنا خاطرة له، فقال: انظروا إلى قول الله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) [الأنعام: 162].
وقال: انظروا إلى هذه الآية: قل إن صلاتي، وهي تعني (كل صلاتي وكل محياي وكل مماتي)، قرأ ( قل) على أنها (كل).

ومع احترامي وحبي لهذا الأخ الكريم، فقد كان أخاً حبيباً إلى قلبي حقيقة، إلا أن هذا الموقف يمثل إلى أي حد وصل مستوى الضحالة العلمية الشرعية لدى أبناء الحركة الإسلامية، فهذا مسؤول شبابي، وفي كلية علمية شرعية.

ويوماً ما سألني أخ كريم في إحدى القرى، وهو رمز للحركة الإسلامية في هذه القرية، سألني فقال: لماذا لا يساعد أبناء الضفة الغربية أبناء غزة في حروبهم مع إسرائيل؟ لماذا لا يدخلون إلى غزة ويحاربون معهم؟

ولا يعرف الرجل أن بين الضفة وغزة تقبع إسرائيل على عشرات الكيلومترات، فاصلة بين المنطقتين.

وهذه أيضاً (في رأيي) حادثة تمثل إلى أي حد وصلت الضحالة الثقافية لأبناء الحركة الإسلامية، فهذا وجيه من وجهاء الحركة في هذه القرية، ولا يعرف أبسط المعلومات عن أهم قضية للحركة الإسلامية وللأمة الإسلامية كلها؛ قضية فلسطين.

لقد رأينا ونرى في صفوف الحركة الإسلامية ضحالة ثقافية وعلمية شرعية فجة، إلى الحد الذي من الممكن أن تُكتب عنه الكتابات الساخرة، وترسم فيه الرسومات الكاريكاتورية المضحكة.

عند التيارات السلفية اهتمام كبير بتعلم العلوم الشرعية، وقد بلغوا في ذلك حداً من التشدد، إذ يرى الكثيرون منهم أن لا يتصدر لدعوة الناس إلى دين الله إلا من له باع في العلوم الشرعية وأصولها، وأكثر ما يأخذه هؤلاء على أبناء جماعات التبليغ والدعوة ضحالة علمهم الشرعي.

وعلى الجانب المقابل، فإن جماعات التبليغ والدعوة ترى أن دعوة الناس وهدايتهم إلى الله لا تحتاج إلى مزيد علم، ولكنها تحتاج إلى إيمان حقيقي وإخلاص، مع أبسط الكلام وأقله، ومعتمدهم في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بلّغوا عني ولو آية) رواه البخاري.

ومن كلامهم الحسن في هذا الحديث (بلغوا... تكليف، عني... تشريف، ولو آية.... تخفيف).

والحق أن الدعوة إلى الله تعالى هي عمل الأمة الإسلامية كلها، بكل أفرادها، وليست حكراً على العلماء والعارفين، وعلى كل فرد أن يدعو لله بما يعرفه، ولو كان آية واحدة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق.

وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: (نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) رواه الترمذي.

وفي هذا الحديث دلالة قاطعة على عدم اشتراط العلم الشامل عند الدعوة إلى الله، بل يكفي أن يدعو المرء بحديث واحد، يحفظه ويبلغه.

ليس شرطاً في الدعوة إلى الله العلم الشامل بعلوم الشريعة، ولكن ذلك قد يقال في حق جماعة التبليغ، فهم لا يدعون إلا إلى عموم عبادة الله والالتجاء إليه وذكره، ولا يحدّثون الناس بغير ذلك، ولا يدخلون في أي تفصيلات فقهية أو شرعية أو غيرها.

أما أبناء الحركة الإسلامية فإن الأمر عندهم أبعد خطراً وأشد أثراً، فإنهم يدعون الناس إلى منهج الله وشريعته بكل تفصيلاتها وجزئياتها، ويحملون في ذلك مشروعهم لنهضة الأمة، الذي يحمل في طياته تفريعاته السياسية والقضائية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والفنية والترفيهية وغيرها.
ولا بد لمن يحمل هذا المنهج أن يعيه، أو على الأقل أن يلمّ به إلماماً غير مخل، ومن جميع جوانبه، فدعوته أن يدعو الناس إليه، ومشروعه أن يدل الناس عليه، فكيف يدعو إلى ما لا يعرفه حق المعرفة، وكيف يدل الناس على مجهول عنده.

الثورة المعلوماتية التي نعيشها اليوم من خلال وسائل الإعلام والتواصل، سيكون لها أبلغ الأثر في تثقيف وتعليم أبناء الحركة الإسلامية مثل غيرهم، وستصلح كثيراً من الخلل الموجود، ولكنها لن تعالجه معالجة نهائية إلا بدور للحركة الإسلامية نفسها، وبدور للأفراد كذلك في تثقيف وتعليم أنفسهم.
أغلب مواقع التواصل على الإنترنت أصبحت مواقع لتبادل المعلومات، وللتحاور العلمي والثقافي والفكري، وهذه هي الحسنة الكبيرة لها في ظل سيئات كثيرة.

ستبقى الأرضية العلمية والثقافية للأفراد هي مهمة الحركة الإسلامية بمناهجها وخططها ونتاجها العلمي والثقافي، وهي كذلك مهمة للأفراد، سواء بسواء.

ولقد عايشت انتكاسة كبيرة للدور التعليمي والتثقيفي للحركة الإسلامية ومناهجها، فقد كانت مناهج الحركة الإسلامية قديما كتباً ومراجع للعلم والفكر الإسلامي، هي أصول في مجالها، يرجع إليها الأفراد، ويتدارسونها فيما بينهم، ثم دار الزمان وأخرجت لجان الحركة الإسلامية التربوية كتباً مبتسرة، فيها خلاصات مخلة للعلوم الإسلامية (تفسيراً وحديثاً وفقهاً وسيرة وتزكية)، فما وفّت ولا كفّت.

وبدلاً من أن يسيح الأفراد في كتب مثل: (تفسير ابن كثير وتفسير الظلال، والأربعون النووية وجامع العلوم والحكم، وفقه السنة والفقه على المذاهب الأربعة، وسيرة ابن هشام والرحيق المختوم، وإحياء علوم الدين ومختصر منهاج القاصدين، والعقيدة الإسلامية وعقيدة المسلم)، وغيرها من الكتب الفكرية في شتى المجالات الأخرى.
بدلاً من ذلك أصبح الأفراد ينظرون في المختصرات المعدة لهم، فلا يكون خللهم بعد الاطلاع عليها بأقل من خللهم قبله.

ولقد رأينا في صفوف الحركة الإسلامية استهانة واستهزاء بأهل العلم والفقه والفكر في داخلها، واتهامهم باتهامات مختلفة لإبعادهم عن سدة القيادة، بادعاء أنهم من أهل المماطلة والمجادلة والاعتداد بالرأي والخلاف، وقد وصل ذلك إلى حد الظاهرة.

ومن عجيب الأمر أن نرى أن القيادة غالباً ما تذهب إلى غير أهل العلم والفكر والثقافة في كل مستويات الحركة القيادية، إلى حد أن تكلم البعض عن أن الطبيعي أن يحدث ذلك، يؤطّر أهل العلم والفكر، ويتحرك الحركيون على هداية تأطيرهم، وكأنه قد كُتب على أهل الكلمة أن يظلوا للكلمة، فيحسدهم الحاسدون، ويتآمر عليهم المتآمرون، ليبقوا كذلك.

إنه لمن المؤسف والمحزن أن يهاجمنا الليبراليون واليساريون فيقولون: إن الإسلاميين لم يُخرجوا لنا مفكراً ولا أديباً إلا سيد قطب.

وإن كانت هذه الكلمة منهم غير دقيقة، وإن كانت الحركة الإسلامية قد خرّجت آخرين في الفكر والأدب، إلا أنها قد خرجت قليلين، وهي بحاجة لكثيرين، وتحتاج من قبل هذا أن يصبح الفكر والأدب جزءاً لا يتجزأ من زاد أفرادها، إلى جانب العلم الشرعي والفقهي، والثقافة العامة؛ ليُخرّج كل ذلك في النهاية أفراداً قادرين على حمل المشروع الإسلامي إلى الناس كافة، مؤمنين وعارفين به، فاهمين وواعين له، مؤتمنين وقادرين عليه.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/emad-ghanem/story_b_19090794.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات