الاثنين، 1 يناير 2018

كيف تصبح مسخاً

كيف تصبح مسخاً

هالني ما حصل الشهر الماضي في سطيف الجزائرية، وهالني ذلك المهووس المسخ الذي خشي على عذريته من تمثال حجري يبلغ قرناً من العمر، ولكن ما صعقني هو تلك الإشادات التي تلقاها ذلك المسخ والتبريكات للفعل الشنيع الذي أقدم عليه، من قِبل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي العرب.


لن أناقش التعليقات السياسية، التي اتهمت حكومة الجزائر بأنها كافرة ومرتدة، وما إلى ذلك من دواعي الإسلام السياسي، الذي خرب البلاد وهجّر العباد، ولم يترك موجة إلا ركبها في سبيل تحقيق غاياته المنفعية.


سأناقش قليلاً أولئك البسطاء الذين اعتقدوا أن ما فعله مسخ سطيف هو نصرة للدين، وربما كانوا يعتقدون أنه لولا تلك الفعلة لسقط دين الإسلام وتشرذم المؤمنون به.


فعلها إبراهيم من قبله، وتوَّجَه ربي نبياً، قال أحدهم، ونسي ذاك أن إبراهيم لم يحطم الأصنام خشية على الدين، بل لتبيان نقصها وضعفها ودحض الكهنوت الذين استثمروا بها، واستحمروا البسطاء، وما أقرب اليوم من الأمس.


أحدهم قال إن الرجل الثلاثيني قد فتنه التمثال وخشي على نفسه وعلى غيره، وأسأله هنا: يا ترى إن لم يقم ذلك المهووس بتحطيم التمثال، هل كان فعل الفاحشة معه؟ أم أنه خشي على نسله من تمثال لا يدري له حسباً ولا نسباً؟

راقني جداً دفاع الأهالي عن التمثال العتيق، وراقني تدافعهم وإنكارهم للحادثة المستنكرة، والتي أثبتت أننا شعب لم يمت بعد، و أن هناك في الأفق البعيد بصيص نور قد ينتشلنا من هذه العتمة الكالحة، التي أرخت بظلالها على كل تفاصيل حياتنا.


حياتنا التي بات شخص كعبد العزيز القناعي متهماً، ومداناً، في حين يجد مهووس سطيف من يتعاطف معه، ويجد من يناصره ويشد على يديه ويبارك شناعته.
ولكن، هل سألنا أنفسنا لم وُجد بيننا هذا المسخ المهووس؟ هل سألنا لم وجد بيننا من يبارك فعله ويعتبره بطلاً؟ تأتيك الإجابة عندما تعلم أن ذلك المعتوه يعتبر الموسيقى حراماً، والفنون مبارزة لخلق الله، والمرأة عورة يجب دفنها والتخلص من عارها.


هذا المسخ وأمثاله، يعتبرون أن كل المختلفين عنهم حل لهم، وأن كل الفكر المختلف عنهم هو هرطقة، و كل ما لم يتحدث به السلف هو بدعة يجب وأدها والتخلص منها.


أولئك يعتقدون أن دينهم أوهن من بيت العنكبوت، فهم يخشون من الآخر، ويخشون من العقل، ويحاربون الفكرة.
هل سألت نفسك: كيف تحصل على مسخ يخشى على نفسه فتنة تمثال حجري يفوق عمره القرن؟
الوصفة جاهزة ومتوفرة عافاك الله.
حرّم الموسيقى وامنع الفن وحارب حرية الرأي، واترك للطبيعة أن تكمل ما بدأته، و ستجد هؤلاء المسوخ ينسلون من كل حدب وصوب.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/nafez-abdellatif-samman/-_14464_b_18894314.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات