السبت، 10 فبراير 2018

من دولة أفندينا إلى دولة البلح

من دولة أفندينا إلى دولة البلح

منذ انقلاب يوليو/تموز بقيادة الضباط الأحرار والإطاحة بملك مصر والسودان الملك فاروق، عاشت مصر -ولا تزال تعيش- في تخلُّف أخلاقي، فعاشت مصر في أيام الملك فاروق على الأفلام الكوميدية البسيطة، مثل أفلام زعيم المسرح والكوميديا نجيب الريحاني، والمبدع علي الكسار، لتنتهي نهاية الثقافة الفنية في مصر على يد السبكي وأفلامه.

دولة أفندينا عاشَ فيها المصريون بكرامة رغم الاحتلال الإنكليزي، فلا أحد يُنكر إنهاء اتفاقية سنة 36 على أيدي النحاس باشا، لتعلن الصحف المصرية أنه لن يحاكَم أحد يحمل السلاح في وجه الإنكليز، ليقوم بعدها الإخوان من صدمة اغتيال الإمام البنا ليقاوموا الإنكليز في مدن القنال، ومن تحركات عبد المنعم عبدالرؤوف وصلاح الشادي برز الإخوان المسلمون في مقاومة الإنكليز وتفجير معسكراتهم.

خدم حزب الوفد الإخوان المسلمين خدمةً جليلةً فكان سبباً في عودة الإخوان المسلمين بقوة للساحة السياسية بعد اغتيال مرشدهم حسن البنا، فتحالفوا معهم في الانتخابات البرلمانية. هكذا كانت مصر في ذاك التوقيت الإخواني والوفدي، يعيشون في بيت واحد، وكان حزب الوفد لديه رؤية مختلفة عن الإخوان المسلمين في حكم مصر، إلا أنهم كانوا يشتركون في بعض النقاط، مثل مقاومة الإنكليز ورفض العدوان الصهيوني على فلسطين.

أما الآن، تحت الحكم العسكري، انقسم المجتمع المصري، فأصبح كل من يُعرف أنه من الإخوان المسلمين إرهابياً وعدواً لمصر والإسلام، ويستغل العسكر كل هذا تحت مظلة وغطاء نظام إعلامي يأخذ أوامره مباشرة من المخابرات العسكرية، كما بث الإعلام المعارض لنظام الانقلاب في مصر تسريبات صوتية لبعض الإعلاميين يتلقون أوامرهم من ضابط مخابرات!

إن الوضع الذي تعيشه مصر الآن تحت النظام العسكري، الذي باع الأرض وسفك الدماء في شوارع، لن يرحل بمنتهى السهولة، فمن معركة الإخوان مع العسكر إلى معركة العسكر بعضهم مع بعض من سامي عنان للسيسي وحاشيته، وكأن مصر أصبحت ملكاً للعسكر وهم من يتحكمون فيها ويقررون مَن الخائن ومَن المؤتمَن، ومن الوطني ومن الطابور الخامس.

الملك فاروق ورث مصر من أبيه وأبوه ورث مصر عن جد فاروق، ولم يفرط أي منهم في الأرض، إنما هذا حدث فقط تحت حكم العسكر، فعبد الناصر خسر جميع الحروب التي خاضها في حياته، بدايةً من حرب الفلوجة في فلسطين إلى حرب اليمن والعدوان الثلاثي، نهاية بالنكسة، ليأتي بعده بـ40 عاماً عبد الفتاح السيسي ليبيع الأرض من أجل حفنة من فلوس الخليج، على الرغم من أن الملك فاروق كان يملك ولا يحكم وتحت طوعه جيش خاص من الحرس الملكي، لكنه رفض أن يدخُل في معركة مع الجيش، وقرر أن يترك الحكم من أجل العسكر، ليعاني الشعب المصري هذا القرار إلى وقتنا الحالى.

الناصريون والعداء للإسلاميين
كانت جميع التنظيمات في مصر أيام الملك فاروق تعمل تحت لواءٍ ورايةٍ واحدة؛ ألا وهي راية الوطن، عندما أُغلقت جميع الأبواب أمام حسن البنا عام 1949 في شهر يناير/كانون الثاني، فتح "مصر الفتاة" أبوابه لحسن البنا، ليأتي ويجلس ويتناقش مع الحكومة؛ للوصول إلى حل من أجل عودة الإخوان لممارسة نشاطهم من جديد.

هكذا كانت الوطنية تغلب على مصلحة الأحزاب وغيرها، أما بعد انقلاب يوليو/تموز والإطاحة بـ"الإخوان" في سجون عبد الناصر، ليخرج بعدها "الإخوان" من السجون مغلوبين على أمرهم بعد تشويه جماعتهم وقادتهم واغتيالهم في السجون.

لم يصمت حكم العسكر على هذا، فأخذ الناصريون أتباع عبد الناصر في تشويه السادات بعد معاهدة السلام مع الاحتلال الصهيوني، حتى ظهر على الساحة تنظيم "ثورة مصر" الذي لم يطعن فيه "الإخوان" أو تشويهه كما شوَّهته أنظمة مبارك في أوائل الثمانينيات، فالتنظيم قام بالعديد من عمليات الاغتيال التي نالت الأميركان والصهاينة على الأراضي المصرية؛ بل وبقلب القاهرة، في ذاك التوقيت لم يتوقف الناصريون عن مهاجمة كل ما هو إسلامي، سواء جماعة الإخوان المسلمين أو غيرهم من التنظيمات الإسلامية السياسية.

شرعية يوليو
إن السبب في بروز الكره والحقد في نفوس البشر لا يأتي إلا من خلال طاقة وأوامر مباشرة للإعلام حتى ينشر رسائله داخل أوساط المجتمع، عاني المصريون بعد الملك فاروق مثل معاناة الفقير داخل مستشفى قصر العيني كما يقول المثل المصري "الداخل مفقود والخارج مولود".

إن محاسبة العسكر عن جرائمهم لا تكفي فقط؛ حتى يعلم الشعب إلى مدى وصل بهؤلاء تقسيم المصريين رغم أن المصريين يتبعون عرقاً واحداً ولغة واحدة حتى إن المسلمين ذوي الأغلبية يتبعون المذهب السنّي، والطائفة المسيحية أغلبها من الأرثوذكس، فماذا سيحدث لو كانت مصر مثل ماليزيا دولة تملك ثلاثة أعراق (الملايو والصينيين والهنود) و5 أديان (الإسلام، والبوذية، والهندوسية، والسيخية، والمسيحية).

لم يتوقف العسكر عند تشويه تاريخ الملك فاروق وحسب؛ بل أيضاً في تاريخ محمد علي باشا وأولاده وتزوير التاريخ في المناهج التعليمية، وكل هذا تحت غطاء شرعية يوليو/تموز التي أدت بمصر إلى الخروج من التصنيف التعليمي، لتعيش 20 عاماً خلف الدول المتقدمة، فهذه هي دول أفندينا وهذه هي دولة البلح.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/omar-gomaa-ahmed/-_14928_b_19172560.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات