الجمعة، 16 فبراير 2018

نمضي قُدُمَاً

نمضي قُدُمَاً

نقفُ كثيراً في منتصف الطرق تحديداً في منطقة اللاركون، لا إلى السهل، ولا إلى أعماق البحر، نقف ويكسونا التيه إلى أخمص قدمينا، وقد نتساءل حينها ما قد جَرَى؟ ولن نجد جواباً.

ونتساءل ما قد حل في أرضٍ لا تقوى على حملنا إلى جهة محددة، وتتركنا داخل التيه، داخل منطقة اللاوصول.

نتساءل ونُحرم من أن نجد لها جواباً أحياناً.

أيضاً قد تجرنا هذه الفترة الزمنية إلى الخلف خطوات قد تهبط بنا درجات وتبعدنا مقامات، وَقد تفعل بنا ما يحلو لها.

مِنْطِقَةٌ تتميز بوابل الضربات، فوق رأسك مباشرة، منطقة لا تعلم عنك سوى أنك المخطئ دائماً، وأنها تتجهز صباح كل يوم لتبدأ في ذُلَّكَ وَهَوَانك، إلَّا أننا وبقوةٍ لا نجاريها، ونصمد لنداويها، إلا أننا وبكل قوة نمضي قُدماً.

لن أذكر كم هو صعب ذلك المُضي، لن أذكر آلامه، أو ضرباته المدمية، لكنك حين تسير، تُبصِر أنَّ الغد يستحق مِنكَ أن تمضي قُدُماً، ثُم تَصيرُ مُمتناً لِسَيرك وعدم توقفك، تدرك أنك لم تُخلق لترضى بذلك التيه والهوان، وفي إدراكك ذاك الكثير من رحمة الله بك.

وفي إدراكك هذا، وعيك الكامل لنفسك البشرية التي خلقها الله لغاية عظمى، تستكشف عُنوانك الأسمى، فلا تسمح بِضَيَاعها، أو تفلُتِّها وميلها للخطأ والهوى، وفي ذلك كل الخير.

إذن لا داعي لأن تجلس وتبكي الحال، وتنشده بعضاً من قصائد هجائك، في أنه كان حظك الملعون، إذن لا داعي لأن تَذكُرُهم: كل هؤلاء الذين تركوك، وقد خلَّفوا الكثير من الجروح المدمية بك، فحقاً ينتظرك المسير، وحين تقرر أن تسير عليك أن تتوقع كل ما هو آتٍ من أنواع عذابٍ، لِتُختَبَر، هل تستحق أن تمضي قُدُماً؟

وفي الاختبار يكون البيان، هل أنت من المجاهدين الصابرين الأقوياء الذين وبكل ثباتٍ هم الجديرون بحمل اللقب الكبير، فيُشار إلى أحدهم بكل إعجاب: يمضي قُدُمَاً.

إنني أحُثك الآن ، وغداً وطُول العمرِ بأكمله أن لا تفتر ولا تتوانى عن مُضيك قدماً فليس أجمل من شعورك بأنك قاتلت بعد هزيمتك لتنتصر في وجه الحياة وحِقَبها الزمنية المخزية، جميل أن ترى حُطامك يمضي قدماً معك ليلتئم بك مرة أخرى بكامل آلامه وأحزانه وطياته التي تحمل الكثير من الخذلان.

حين تمضي قُدُماً سيجدك أحدهم ويقدُمُ إليك، في ظاهر قوله أنه يريد أن يمضي قُدُماً معك، لكنه لا يعلم أنه وبحكم إتيانه في مرحلة المضي قدماً، سيمضي قُدُماً بواسطتك، وَستمضي أنتَ قُدُماً بواسطته، فترتقي به ويرتقي بك، وهنا يختلف المسير، هُنا تشعر وكأن ثمار مضيك تبدأ بالنضوج، تراقبها من بعيد، أنت لم تحصل عليها بعد، ولكن من بعيد صورتها المحفورة في ذهنك تربِطُ على قلبك وقَدَمِكَ أيضاً في المضي قُدُماً.

ذلك أنك ما ضعفت وما وهنت حين كُسرت، وقد عزمت على أن تُبدل جميع خطواتك للوراء أضعافها إلى الأمام والمضي قدماً، ذلك جميل بكل ما تحمله الكلمات من معانٍ، وَمجهد حتى الموت، وبه فقط يتحقق التوفيق والفوز.

إن الله -جل وعلا- أمرنا بالسعي، أنزل الأمر بالسعي دون النظر إلى النتيجة هُنا فقط يتلخص المُضي قُدُماً بكل فجواته الواسعة، أن اسعْ ما استطعت، أن امضْ قُدُمَاً ما حَلِلْت.

أينما كنت تقاتل الآن لا تضعف ولا تتخلّ، أينما كنت الآن تائهاً في حقبة زمنية بدون عنوان لا تحزن على ما فاتك، ولا تيأس أن تمضي قدماً بعد عودتك للخلف خطوات.

لا تدع الحياة مهما فعلت بأن تقضي عليك، لا تترك لها مجالاً، لا تسمح للحياة بأن تبث فيك وهناً وضعفاً كالأفعى تبث سمها، لا ترضَ بحال قد ارتضاه جميع من حولك وهو لا يناسبك.

لا تخشَ أن يرتفع صوتك ما دمت تصدح بالحق ودع عنك كل المثبطين، الذين حولتهم الحياة واستسلموا أمامها، كن وهاجاً مشرقاً على يقين دوماً بمدد الله لك.

كُن كما ارتضى الله لك هذه الحياة أن تحياها، ولا تكن جباناً يخشاها، وَما هذه إلا ذكرَى لقومٍ مجاهدين، قومٌ أصروا على أن يمضوا قُدُمَاً.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/norhan-hassan-abd-el-atty-elsaied/post_16929_b_19243566.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات