الأحد، 4 مارس 2018

أيُّها الإنسان انزع عنك ثوب الغرور‎

أيُّها الإنسان انزع عنك ثوب الغرور‎

اتسمت كتابات الشيخ مصطفى الغلاييني بأحاسن الأقوال في كتابه "أريج الزهر"؛ لما يحتويه من القيم الأخلاقية وسرد الجزئيات المرتبطة بمسيرة الإنسان في الحياة، وتميُّز مواضيعه بالحسيّة والتصوّف الغريزي، متدرجاً في مدارج النمو والإبداع في سبيل الخدمة العامة من خلال حضّ الأجيال على الرقي الأخلاقي والظهور بمظهر الأمم الراقية.

لن نغادر روعة الأمثلة الحسيّة ورشاقة البيان في كتاباته؛ لنتعرّف في هذه التدوينة أيضاً على رونق البلاغة والكتابة المنعشة للأرواح في مقال "أيُّها الإنسان".

عمارة الأرض
لقد خُلقت لعمارة الأرض وحسن السير في مناكبها، خُلقت لتكون خليفة الله فيها، أهكذا تكون عمارتها؟ وهل بهذه الأعمال الشائنة تتولّى خلافتها؟ ما بهذا أُمِرنا ولا لمثل ذلك خلقنا!

خليفة الأمة، يحسن سياستها ويدبّر أعمالها ويدير دولاب حياتها الاجتماعية والعمرانية، وعامر الأرض يسعى لرفاهية سكانها وخادميها، ويُهيئ لهم الأسباب التي تدعوهم لعمارتها، ويقدم لهم كل ما يحتاجون إليه لصلاح تلك الأرض.. فهل أنت أيها الإنسان، يا من خُلقت لعمارة الأرض، يا من وُجدت لتكون خليفة اللّه فيها، تعمل بمقتضى سُنة الله في الأكوان، لتصحّ خلافتك عليها وتكون عامراً لها؟

أهلها جُوّع وقاطنوها جهلاء، فهم يأكلون بجهلهم لحوم إخوانهم ويخربون بسوء عملهم ما أمر الله بعمارته وأنت قادر على تعليمهم وإطعامهم وتدبير أمورهم والنظر في إصلاح شؤونهم. فاتّقِ الله في الوديعة التي استودعك إيّاها، فقد ادّعيت أنها ملك لك، فتصرّفت فيها على ما يرضي هواك، لا على ما يريد المُودِع.

إنما جعلك غنياً لتنظر في حالة الفقراء والمساكين، فتدرأ عنهم عوادي الزمان وتدفع طوارئ الحدثان، فاستأثرت بالأمانة وصرت من أهل الخيانة ولسوف تندم ولات ساعة مندم.

ثم إنك لم تكتفِ بما فعلت؛ بل طفقت تُنكر عليهم حقّهم وتعبث بمرافقهم وتحتقرهم كأنهم الأنعام أو أضل سبيلاً، فكأنك لم تنظر إلى قول الله الكريم: "وفي أموالهم حقُّ معلوم للسائل والمحروم".

أيُّها الإنسان!
استيقظ من غفلتك، فإن الزمان قد استدار وربّ هذا الفلك الدوار، فأدِّ الحقّ الواجب، فإنه عليك ضربة لازب، وانهض من سباتك وأصلح ما فات من غلطاتك، وتدارَك هفواتك وإلّا فارتقب جزاء سيئاتك وويلات غفلاتك يوم يطالبك شركاؤك بما أكلت من حقهم اللازم، فينأى عنك أولياؤك، فلا تستطيع تأدية المغارم، ثم يأتيك يوم هو أشد الأيام هولاً وأثقلها وطأة، هو يوم يُنتصر فيها للمظلوم من الظالم وللضعيف من الغاشم، ذاك يوم تدور فيه رحى الشقاء على أهل الجور، ويهيم فيه البخلاء في كل نجد وغور، فلا يجدون مكاناً يعصمهم من البلاء ولكلّ قوم دَور.

أيُّها الإنسان!
تنبّه، إني لك من الناصحين، واحذر أن تخالف عن أمري فتكون من الخاسرين، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، فالإنسان أخو الإنسان و"إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، و "ليس لأحد فضل على أحد إلّا بدين أو عمل صالح"، و"إنّ أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويُؤلفون"، و"إن أخسر الناس صفقةً من أخلق يديه في آماله ولم تساعده الأيام على أمنيته، فخرج من الدنيا بغير زاد وقدم على الله بغير حجّة".

و"قد برئ من الشُح من أدّى الزكاة وقرى الضيف. وأعطى في النائبة"، و "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، و"الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، و"كل ذات كبد حرّى أجر"، و"والعفو لا يزيدُ العبد إلّا عزّاً، والتواضع لا يزيده إلّا رفعة"، و"ما نقص مال من صدقة"، و"اليوم الرهان وغداً السباق، والغاية الجنة، والهالك من دخل النار"، و"يُحضَر الجبّارون والمتكبرون يوم القيامة أمثال الذرّ يطؤُهم الناس".

فانزع عنك -أيها الإنسان- ثوب الغرور واخلع معاطف الزهو والخيلاء وانظر إلى أخيك في الإنسانية وأعنه بما تستطيع وخفّف ويلاته وقلل من نكباته.

فماذا تفيدك كبرياؤك؟ وما تغني عنك خيلاؤك"؟.
كما قال قائلهم في هذه الأبيات:
فاتقِ الله يا قوي وخفضْ
إن ملكت الورى من الغُلواء
إنما الناس يا قويٌ سواء
كل خلقٍ من طينها والماء
لا تدعْ شوكة التكبُر تنمو
فجميع الأنام من حواء
إن تُفاخرْ بالأصل فالطين والما
أو ببطشٍ فهاك أسد السراءِ
خفّف الوطء فالبرايا عيال الله
فارحم يرحمك منْ في السماء
وانتزع عنك مِطْرف الزهو
واخلع قبّعات الإعجاب والكبرياءِ


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/dhaher-elsaleh/post_17039_b_19364000.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات