الأحد، 4 مارس 2018

معاوية خامس الخلفاء الراشدين

معاوية خامس الخلفاء الراشدين

لا يوجد تاريخ دولة تم تشويهه مثل تاريخ بني أمية، ولا شخص تم تشويهه وبحقد، مثلما حدث ويحدث مع معاوية (رضي الله عنه). وظني أن العرب لم يتأخروا ويتخلفوا إلا بعد أن فتكوا بالأمويين واستأصلوا شأفتهم! والحقيقة لا يوجد حدث في حياة معاوية سلم من التشويه من أول تاريخ ميلاده، لتاريخ إسلامه، لولايته وصراعاته ثم خلافته، وحتى إنجازاته الكبرى أهالوا عليها التراب، والخطآن الوحيدان اللذان ارتكبهما ضوعفا عشرات المرات، وهما كبيران ولا ريب!

وكل هذا التشويه لم يحدث إلا بعد صراعه مع العلويين وانتصار العباسيين على الأمويين، وكما نعرف أن تاريخ الأمويين كُتب في عصر أعدائهم العباسيين.

ولو نظرت لتاريخ معاوية نظرة معتدلة، قبل هذا الصدام وبعده، فسيبدو لك ومنذ بدايته -كما قال صاحب "الفخري"- رجلاُ "عاقلاً في دنياه لبيباً عالماً حاكماً قوياً جيد السياسة، حسن التدبير لأمور الدنيا، عاقلاً حكيماً فصيحاً بليغاً، يحلم في موضع الحلم، ويشتد في موضع الشدة، إلا أن الحلم كان أغلب عليه، وكان كريماً باذلاً للمال محباً للرياسة شغوفًا بها". وفي هذا السياق، يمكن أن نفهم قول النبي (ص) له: "يا معاوية، إن وليت أمراً فاتقِّ الله واعدل"‏ (العقد الفريد).

وكانت أول ولاية له في سنة 18هـ/639م (في عهد عمر بن الخطاب)، تولى ولاية الأردن في الشام ثم ولاية دمشق وما يتبعها من البلاد، وقال عمر آنذاك: "لا تذكروا معاوية إلا بخير"، مما يدل على أن هناك من كان يذكره بغير الخير.

وفي سنة 23هـ/ 644م، ولاه عثمان الشام كلها، فأصبح من ولاة الأمصار، وأصبحت جيوش الشام تحت قيادته. وله في هذه الفترة إنجازات باهرة: ففي سنة 28هـ/ 648م، وبعد أن سمح له عثمان بالغزو بحراً، بنى أول أسطول إسلامي وغزا قبرص وفتحها. وفي عام 31هـ/ 651م، انتصر على الروم في أول معركة بحرية خاضها المسلمون، وهي معركة "ذات الصواري" التي أظهرت عبقريته العسكرية بجلاء.

وعندما قُتل عثمان سنة 35هـ/656م، أصبح كبيرَ بني أمية ووليَّ الدم، فنادى بأخذ الثأر من قَتلة عثمان، واستطاع بحنكته ودهائه أن يجعل من الشام حزباً قوياً يقف إلى جانبه.

وفي سنة 37هـ/657م، قاد معاوية جيشاً ضد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) والذي لم يعترف به معاوية ولا بنو أمية ومن خلفهم الشام كأمير للمؤمنين؛ أي إن بيعة علي (رضي الله عنه) لم تكن مكتملة! ولذا، أمر علي بخلع معاوية ولكن الأخير لم يستجب؛ لأن الأمر -في رأيه- جاء من غير ذي حيثية. ثم كانت معركة "صفين" التي انتهت بالتحكيم، الذي رفع مكانة معاوية ووضعه في مرتبة المنافس لعليّ (رضي الله عنه).

وفي ربيع الآخر من عام 41هـ/661م، عقد الحسن بن علي (رضي الله عنه) صلحاً مع معاوية تنازل له فيه عن الخلافة. وكان عهده مع معاوية ينص على شروط منها: (1) التجاوز عن الدماء والأموال؛ لذا لم يقتص معاوية من قتلة عثمان الذين كانوا قد قتلوا بالفعل في أحداث مختلفة. (2) وعلى أنه يبايع معاوية على ما بايع المسلمون عليه أبا بكر وعمر وأن يسير بسيرتهما، وأن الأمر بعده يعود للمسلمين لاختيار خليفتهم.

وقد بايعه الحسين أيضاً وبقية الصحابة، حتى من اعتزل الصراع بين معاوية وعليّ. وبموجب ذلك العهد تسلم معاوية الحكم، وبايعته بقية الأمصار، فأصبح خليفة المسلمين الشرعي؛ بل إن بيعته كانت أكثر اكتمالاً من بيعة عليّ (رضي الله عنه).

وتوجد نصوص كثيرة تصف طريقة معاوية في الحكم، لعل أشهرها قوله: "لَوْ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةٌ مَا انْقَطَعَتْ؛ لأَنَّهُمْ إِنْ مَدُّوهَا خَلَّيْتُهَا، وَإِنْ خَلَّوْهَا مَدَدْتُهَا" (سير أعلام النبلاء).

وقد اتضح هذا منذ أول خلافته ويمكن أن نعدّ هذا فضيلته الكبرى، وقد جاء في "العقد الفريد" لابن عبد ربه أن معاوية قدم المدينةَ بعد بيعته فدخل دارَ عثمان فصاحت عائشة بنت عثمان وبكت ونادت أباها‏،‏ فقال لها معاوية‏:‏ "يا ابنة أخي، إنّ الناس أعْطَوْنا طاعةً وأعطيناهم أماناً وأظهرنا لهِم حِلْماً تحته غَضب، وأظهروا لنا ذُلّاً تحته حِقْد، ومع كل إنسان سيفُه ويرى موضع أصحابه فإن نكثناهم نكثوا بنا، ولا ندري أعلينا تكون أمْ لنا‏.‏ لأن تكوني ابنةَ عمِّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني امرأة من عُرض الناس"‏.‏

وعندما صعد المنبر قال‏: "أيها الناس، إنّ أبا بكر -رضي الله عنه- لم يُرد الدنيا ولم تُرده، وأما عمر فأرادتْه ولم يُردها، وأما عثمان فنال منها ونالتْ منه، وأما أنا فمالتْ بي وملتُ بها وأنا ابنُها، فهي أُمي وأنا ابنُها، فإن لم تَجدوني خيركم فأنا خيرٌ لكم‏"،‏ ثم نزل.

والخطبة على قصرها تدل على عبقرية سياسية نادرة، فالرجل يعي مكانه في السلسلة الراشدة ويعرف نفسه جيداً ويعرف نفوس من يخاطبهم، وله من القوة النفسية والرزانة العقلانية ما يمكنه من السيطرة على الزمان والمكان. وهذا ما فعله لمدة أربعين سنة، عشرون قبل الخلافة وعشرون بعدها. وفي عهده لازم الخلافة طابع سياسي لا ديني. وقد اتخذ الحُجّاب، والشرطة والحرس، تمشي بين يديه وابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه إليها أحد، استقاها -ولا ريب- من الممالك حوله.

أما أخطاؤه الكبرى، فلم تزد على خطأين في تقديري: أما الأول فأخذه البيعة لابنه يزيد، ففي سنة 50 هـ/670م وبعد وفاة الحسن بن علي (رضي الله عنه) جعل معاوية أهل الشام ومكة -بزعم الخوف من الفتنة- يُبايعون ابنه يزيد، فكان له ما أراد غصباً. وكما يقول صاحب "العقد الفريد": "فلم يزل يروض الناس لبيعته سبع سنين ويشاور ويعطي الأقارب ويداني الأباعد حتى استوثق له من أكثر الناس".

أما الخطأ الثاني، وهو مرتبط بالأول، فهو قتل حُجر بن عدي (رضي الله عنه) وأصحابه سنة (52 هـ/671م)، وكان السبب -في تقديري- هو رفضهم البيعة ليزيد؛ لأن فيها مخالفة لاتفاق معاوية مع الحسن بن عليّ (رضي الله عنه)، وكانت النتيجة أن نالهم ما خاف منه الآخرون. وكانت مأساة بحق وخطأ كبيراً ولا ريب. وفي الروايات أن حُجر بن عدي (رضي الله عنه) أوصى قبل قتله فقال: "لا تغسلوا عني دمي ولا تفكوا عني قيودي وادفنوني في ثيابي، فإني سألقى معاوية غداً".

وقد ندم معاوية على ذلك؛ ربما لأنها المرة الوحيدة التي افتقد فيها للحلم، وعندما قدم على السيدة عائشة (رضي الله عنها) سألته في الأمر فأبدى أسفه، وقال: "لم يكن حولي رشيد"، وهذا أيضاً مأخذ عليه. وفي رواية لابن سيرين أن معاوية لما حضرته الوفاة سنة 60هـ/680م، جعل يقول: "يومي منك يا حُجر طويل. يومي منك يا حُجر طويل". تصور حاكماً ظل يندم مدة ثمانية أعوام بسبب قتل خطأ.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/abd-elsalam-hedar/post_17035_b_19363992.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات