السبت، 1 يوليو 2017

لن أحمل مع المستبد وزرَه!

لن أحمل مع المستبد وزرَه!

السياسة كذب ونفاق وفساد، السياسة كلام ووعود، من السياسة ترك السياسة؛ عبارات تتكرر على مسامعنا كل يوم يقولها المواطن العادي غير المؤدلج، ويقولها المثقَّف الحداثي، ويقولها السلفي والصوفي، يختلف الجميع في اختيار الألفاظ، ويتَّفقون على إطلاق الأحكام القيمية، وأكثر من هذا يجتمع شتاتهم كلّما انتقدت وضعاً معيّناً أمامهم، ثمّ دعوتهم إلى النشاط والفعل،

فيقول لك السلفي: "لا يجوز الخروج على الحاكم" ويردِّد الحداثي على مسمعك أنّنا شعوب متخلّفة لا تستطيع ممارسة الحكم، ويتنطّع الصوفي فيتّهمك بالسفسطة، وأشدّهم تطرُّفا يرميك بالزندقة، وإن أعياهم حجاجك يلجأ هؤلاء إلى عبارة شهيرة يحفظونها عن ظهر قلب وكأنّها استدلال أرسطي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: "نحن فاسدون لذا أنتجنا حكَّاماً فاسدين، نحن مسؤولون عن كلِّ ما وصلنا إليه"، وإن سألتهم عن الحلِّ أجابوا كمن أتاك بما لم يأت به الأوائل: "إنَّ الله لا يغيِّر ما بقوم حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم" (الرعد 11).

نعم، لكن الله الذي قال ذلك قال أيضاً في محكم التنزيل: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران 104)، وقال: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ" (البقرة 251)، سنن كونية لا تتبدّل.

كثيراً ما أسألهم عمَّا أفعل بعد أن انتهيت من تغيير نفسي فيبهتهم السؤال ولا يحيرون ردّاً مقنعاً، تتكرَّر النقاشات مع هؤلاء وتتكرّر ردودهم المجترَّة وكأنّي بهم سكارى وما هم بسكارى ولكنَّ الفعل جلل والعبء عظيم ومخاطر التغيير كثيرة، والقوم يؤثرون السلامة في النفس والمال والولد ولا يقبلون التضحية من أجل مبدأ يؤمنون به وحقّ يستردّونه وضعيف يدافعون عنه ورسالة يؤدّونها.

في الواقع سلبية هؤلاء لا علاقة لها بالتَّقوى ولا الإيمان ولا المنطق، إنّها مبرِّرات الجبناء صاغها المستبدُّون، ورسَّخها فقهاء البلاط وروَّج لها إعلامهم، فتلقَّفها الناس بلا وعي، ووافقت هوى أنفسهم حتَّى غدت من البديهيات، إنَّها خيانة المثقَّفين وإنَّه خداع الكلمات وسطوة الدّعاية.

ما يتناساه هؤلاء الحياديون وهم يستغيثون بالتُّراث وسير الأوَّلين ليبرِّروا ركونهم ليزيدوا الناس استكانة وخنوعاً، أن التاريخ مليء بالأحداث التي تُفنِّد آراءهم وتفضح شططهم، فهذا علي بن أبي طالب يخاطب الخليفة الفاروق -رضي الله عنهما- بعد أن فجأته كثرة أموال الزكاة، واغتبطت نفسه بأمانة ولاته، فاستغرب ما يراه منهم لمَّا وصله سيف كسرى الفرس غنيمة. وقال: إنَّ قوماً أدَّوا هذا لَأهل أمانة، فقال عليٌّ: "عففت فعفَّت رعيَّتك ولو رتعت لرتعت"، رَبَط ورع الرعيَّة بعفاف الراعي، صلح الرّأس فاصطلح الجسد، وقديماً قيل: "الناس على دين ملوكهم" ورحم الله المتنبِّي حين قال:

وإنَّما الناس بالملوك، وما تفلح عرب ملوكها عجم.

وخادم العجمي أسوأ من العجمي، والخائن أنكى من المحتلِّ وزبانية الانتداب أرجس منه، لا أقصد بالعجمة عجمة اللسان، وإنَّما أقصد به الغرب الذي يعين مستبدِّينا علينا.

أتساءل كيف يريد منَّا بعض النَّاس أن نقتسم مسؤولية الفساد مع الأنظمة المجرمة والحكومات الفاسدة، ونحن لم ننتخب تلك الأنظمة ولم نمدَّ يد البيعة إلى الحكام، ولم نشارك الوزراء في صنع السياسات العمومية ولم نُسهم في تنفيذها، لم يستشيرونا ولم يسمعوا آراءنا، لم يسألونا أرضينا أم غضبنا بما يخطِّطون ثم يأتينا من يساوي بيننا وبينهم فيحمّلنا أوزار الوزراء وآثام المجرمين وفساد القادة ونحن بريئون من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

مبدأ المسؤولية الجماعية فكرة غير سليمة بتاتاً حين تأتي مطلقة غير مقيَّدة لأنَّها تساوي بين الضحيَّة والجلَّاد تثبِّط المعارض وتقف في وجه طلَّاب التغيير دون منطق، هي شبيهة بمبدأ العقوبة الجماعية التي تمارس في الجيوش، يخطئ فرد فتعاقب المجموعة، فكرة تتجاوز قيمة العدل وتنافي روح الإنصاف، وكلُّ نفس بما كسبت رهينة، ونحن لم نكسب ظلما فيما تعلَّق بممارسات الحكَّام.

أيّها القرّاء الكرام إنّي أُشهدكم أنِّي لست مسؤولاً عمَّا اقترفه الحكّام ولن أحمل معهم أوزارهم وأذكِّركم أنَّي ضدَّهم اليوم وغداً ما داموا عن الحقِّ زائغين، وإنّي أحثّكم على الحذو حذوي، ولا يغرَّنّكم قول المرجفين أنَّنا شاركناهم بالصمت والرضا، وها هو صوتي مرتفع فأسمِعوا أصواتكم وارفعوا اللّاء عالية!.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/faisal-osman/-_12263_b_17320476.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات