الأحد، 13 أغسطس 2017

السلفيون الجدد.. حصن الديكتاتورية الأخير

السلفيون الجدد.. حصن الديكتاتورية الأخير

لم أتوقع يوماً أن أقف أمام سلفيٍّ تبلغ لحيته سُرَّته، يدافع عن نظام ديكتاتوري همجي، والغريب أن هذا النظام يقول صراحةً إنه ضد الإسلام السياسي ويمارس بوضوح سياسة القتل والقمع خارج إطار القانون؛ بل واقتحم المساجد وقتل المصلين، أمر لا يمكن فهمه ولا حتى تخيله!

والغريب أن هذا النوع من الفكر بدأ بالتمدد داخل الوطن العربي تحت اسم السلفية الجامية أو المدخلية، نسبةً إلى محمد بن أمان الجامي وربيع بن هادي المدخلي، اللذين يعتبران المؤسسَّين الحقيقيَّين لهذا التيار، فما أسباب نشأة هذا التيار؟ وما الأسس العقدية التي ارتكز إليها؟ وما نظرته للخروج على الحاكم؟ ولماذا دعمته دول كالسعودية؟ وما المآخذ التي يمكن تسجيلها ضده؟

نشأ هذا الصنف من السلفية بعد غزو العراق للكويت، حيث ظهرت في صفوف علماء المسلمين حيرة شديدة، حول طلب تدخُّل قوات أجنبية لإجبار صدام على الخروج من الكويت، فرأى البعض أن هذا حرام ورأى آخرون أنه مستنكَر، فظهرت الجامية كمدافع عن قرار أولي الأمر باستجداء التدخل الخارجي، ارتكزوا أساساً إلى فكر بعض الحنابلة والأوزاعية الذين يقولون بتحريم الخروج على الحاكم الجائر، كما يعتبرون أنفسهم الممثلين الفعليين للمدرسة الوهابية وشيوخها المعاصرين كابن باز والعثيمين وغيرهما.

ولعل مسألة الخروج على الحاكم وإن كان جائراً، والتي خالفوا فيها الحنفية والمالكية والشافعية وحتى جزءاً من الحنابلة، هي ما استجلب لهم رضا نظامي السعودية والإمارات وغيرهما من قلاع القمع في العالم العربي. هذه المسألة كانوا يسوقون في الدفاع عنها الكثير من الأسباب، من بينها دفع خطر فتنة أكبر ووجوب طاعة أولياء الأمور نزولاً عند آيات كثيرة تدعو إلى ذلك.

فلم يجدوا ضيراً في الوقوف بجانب من دعوا إلى الخروج على نظام محمد مرسي في مصر؛ بل وتبرير فتنة قتل المصلين عند الحرس الجمهوري، وما تلاه من مجازر، كما يشاركون الآن في حشد أنصارهم الذين تتكفل أبوظبي بتدريبهم؛ للقتال في اليمن وليبيا جنباً إلى جنب مع خليفة حفتر الطامح إلى السلطة.

ولعل الدعم الهائل الذي حصلوا عليه من دول الخليج التي تقاوم رياح التغيير، أسهم كثيراً في بروزهم على الساحة؛ بل وتمكنوا من حشد أنصار لهم على امتداد العالم الإسلامي.

ولأن التغيير لا يتم إلا عن طريق مدٍّ شعبي جارف، فقد كان من أدوار هذا التيار تخويف الناس من القادم، وحتى إيصال فكرة أن المطالب بالإصلاح كفر، وقد كان هذا الأمر آخر صيحات الوقوف في وجه تطلعات الشعوب، بعد فشل الاتهامات بالتخوين والتآمر مع الخارج في ثني الشباب عن مطالبهم، فتم اللجوء إلى هذا الحل إدراكاً بأن معظم العرب والمسلمين يكنّون احتراماً كبيراً لدينهم.

بل ومن السهل إقناعهم إذا جئتَهم من مدخل الدين، لكن هذا الأمر وإن نجح مع الكثيرين، فقد أسهم في خلق تيار إلحادي شبابي، بدأ يظهر بجلاء على الساحة، تيار كان يؤمن دائماً بأن الإسلام دين عدل يقف مع المظلوم في وجه الظالم، إلى أن جاء هؤلاء الشيوخ يقولون عكس هذا، فارتكبوا جريمة إساءة الناس لفهم دينهم.

طيلة قرون، كان علماء الدين ملاذاً للمستضعفين وذخراً للمظلومين، ووقفوا بجانب الحق أياً كان الثمن، إلى أن برز هؤلاء الراقصون بلحاهم على الدم؛ بل ويدينون الضحية ويلتمسون العذر للقاتل ويقدمون له فتاوى داعمة، ويحرِّمون حتى التظاهر ضده، فما الذي سيدفع نظاماً لتلبية متطلبات شعبه، إذا لم يكن من حق الشعب حتى التظاهر؟! ما نوع الضغط الذي سيرغم ديكتاتوراً على التعقل، وهو يعلم أنه محاط بكهنة يحرمون الخروج ضده؟!

لقد قدم هؤلاء خدمة كبيرة لأعداء الأمة؛ فقد استجلبوا التدخل الخارجي الذي مزَّق جسد الأمة، كما وقفوا ضد تطلعات الشباب في التغيير، وأجهضوا أحلام شعوب في الانعتاق، بالتخويف من القادم تارة وبسلاح الإفتاء أخرى؛ بل وامتدت شطحاتهم إلى حد تجريم الفعل المقاوم، تحت ذرائع عدة؛ في محاولة لإرسال رسائل للقيادة الصهيونية حول توجه دول ما يسمى الاعتدال نحو المصالحة مع إسرائيل.

رغم اختلافنا مع هؤلاء، فلا يسعنا إلا القول إنهم أحسنوا استغلال المقدَّس لتبرير كل ما هو مدنَّس!
!


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/youssef-belekhal/story_b_17697048.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات