الجمعة، 8 سبتمبر 2017

مسلمة بن عبد الملك.. فارس بني أمية الذي كان يستحق الخلافة

مسلمة بن عبد الملك.. فارس بني أمية الذي كان يستحق الخلافة

قد يكون هناك شخص في زمان ما ومكان ما يستحق منصباً هاماً ويحمل كل مؤهلات هذا المنصب، إلا أن هناك عوامل أخرى ليس من بينها الكفاءة تحرمه منه!

وهذا ما حدث مع فارس بني أمية القائد الفذ مسلمة بن عبد الملك بن مروان الذي حرمته التقاليد من أن يتولى الخلافة.

نَسَبُه: هو أبو سعيد مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي الدمشقي، ظل أكثر من خمسين عاماً يحمل سلاحه ويسدد رماحه ويذود عن حِمى الدين.

شمائله وصفاته: كان من أبطال عصره بل من أبطال المسلمين المعدودين حتى كانوا يقولون هو خالد بن الوليد الثاني؛ لأنه كان يشبه سيف الله المسلول في شجاعته وكثرة معاركه وحروبه.

ويقول عنه المؤرخ، يوسف بن تغري بردي، صاحب كتاب النجوم الزاهرة هذه العبارة: كان شجاعاً صاحب همّة وعزيمة وله غزوات كثيرة.

ويقول عنه صاحب العقد الفريد: ولم يكن لعبد الملك ابنٌ أسدد رأياً ولا أزكى عقلاً ولا أشجع قلباً ولا أسمع نفساً ولا أسخى كفاً من مسلمة.

وقال عنه مؤرخ الإسلام الذهبي: كان مسلمة أولى بالخلافة من إخوته. وقد كانوا يلقبون مسلمة بلقب الجرادة الصفراء؛ لأنه كان متحلياً بالشجاعة والإقدام مع الرأي والدهاء. مسلمة بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز: وكان اتصال مسلمة بخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز من أقوى الأسباب في تكوين شخصيته تكويناً باهراً ورائعاً؛ لأن عمر بن عبد العزيز كان رجلاً تتمثل فيه نفحات إلهية من الخير والبر والتوفيق، وكل مَن اختلط به وهب التوفيق والرشاد، وهناك عبارة قالها مسلمة تدل على أن ملامح شخصيته كان الفضل لعمر بن عبد العزيز فيها، وهي: جزاك الله عنا يا أمير المؤمنين خيراً، فقد ألنتَ قلوباً كانت قاسيةً، وجعلت لنا في الصالحين ذِكراً.

أخذ مسلمة يمهد الطريق للوصول إلى القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، واستمر يغزو أرض الروم واستولى في طريقه على حصون الحديد وغزالة وماسة، وسوسنة، وكاد أن يفتح القسطنطينية لولا الثلوج والأمطار ومساعدة البلغار للروم، فعلم الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز الذي تولى الخلافة بعد وفاة سليمان أن ظروف الجيش الإسلامي وقسوة الشتاء أدتا إلى هلاك كثير من الجنود فأمره بالعودة والانسحاب من الحصار.

توفي الخليفة عمر بن عبد العزيز وتولى الخلافة يزيد بن عبد الملك الذي تعرضت في عهده الدولة الأموية لفتنة يزيد بن المهلب، وتوقفت الفتوحات على أثرها في أرض الروم، وكادت تدمر الدولة الأموية، فتصدى لها مسلمة وأخمدها وقضى عليها بأمر من الخليفة يزيد الذي ولّاه الكوفة والبصرة وخراسان تكريماً لانتصاره، ووصفه يزيد بن المهلب قائلاً: إني لقيت بني مروان فما لقيت منهم أمكر ولا أبعد غدراً من مسلمة.

شملت فتوحات مسلمة وحروبه 7 بلدان هي: تركيا، وروسيا، وداغستان، وجورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان، والعراق، تحديداً في منطقتي الأناضول "آسيا الصغرى" والقوقاز، وخلال حروبه تمكن من تطهير وتأمين الحدود الشمالية والشرقية من أعداء الدولة الإسلامية الأموية، ودامت حروبه أكثر من 35 عاماً.

وكفاءة مسلمة في الحرب والسياسة كانت تسبب حرجاً لإخوته الخلفاء وهم يشعرون بضآلتهم أمامه وبعضهم كان أصغر منه سناً. وربما كان بعضهم يتخوف من وجود أطماع وطموحات لدى مسلمة يعززها كونه القائد العام للجيش الأموي ورجل الحرب الذي يدين له الجيش بالولاء، ولكن مسلمة لا يبدو من تاريخه ذلك الطموح للخلافة.

ولكن تخوف الخلفاء من أبناء عبد الملك نحو أخيهم القائد مسلمة كان يظهر من سرعة عزلهم له عن الولايات التي يحكمها والجيوش التي كان يقودها خوفاً من أن تطول به المدة فيثبّت أقدامه ويصبح خطراً عليهم.. وكانت العادة أن يعود من الولاية أو من المعركة إلى دمشق ليكون بجوار أخيه الخليفة ناصحاً ومشيراً، وما روي عنه يدل على أنه كان ناصحاً ومشيراً أميناً.

وحين جاء عمر بن عبد العزيز في خلافته بسياسة الرشاد وجد العون من مسلمة الذي حاول أن يمتص غضب ابن أمية على الخليفة الراشد، وبعد موت عمر بن عبد العزيز جاء الخليفة يزيد بن عبد الملك فنصحه أخوه مسلمة بأن يلزم الصواب؛ لأن الناس ستقارن بينه وبين عمر بن عبد العزيز قبله ولن تكون المقارنة في صالحه.

وهكذا كان مسلمة نعم الناصح الأمين لإخوته الصغار من الخلفاء.. وقد كان إلى جانب يزيد ثم هشام يشير عليهما ويقود الجيوش يحارب أعداء الأمويين في الداخل والخارج، في العراق حين قاتل يزيد بن المهلب الثائر على الأمويين وفي الشمال والشرق حين جاهد الروم والخرز والترك والأرمن.

وفي سنة 98 هـ كان حصاره لمدينة القسطنطينية.
وقد اختط مسلمة خطة جديدة في ذلك الحصار إذ أقام بيوتاً من خشب للجيش وأمرهم بأن يزرعوا ويأكلوا مما يزرعون ومما يصيبون من الغارات، وذلك حتى يستمر الحصار أطول مدة ممكنة، وفي نفس الوقت الذي ضمن فيه إمدادات الجيش أقام العسكر حول أسوار القسطنطينية يشددون عليها الحصار، وجعل على مقدمة الجيش قُواداً مهرة مثل خالد بن بعدان ومجاهد بن جبر وعبد الله زكريا.

واضطر الروم لأن يعرضوا الجزية ديناراً عن كل شخص في مقابل إنهاء الحصار، ولكن رفض مسلمة، وحدث أثناء ذلك أن مات ملك الروم فاستمال الروم إليهم القائد الرومي إليون، وقد كان ثائراً على الملك السابق ومناصراً لمسلمة ومتحالفاً معه في حصار القسطنطينية وحدث التحالف السري الجديد بين الروم وإليون من وراء ظهر مسلمة الذي كان يثق في إليون ولا يتصور أنه سيخونه، وعد المؤرخون ذلك خطأ من جانب مسلمة؛ لأن الذي يخون قومه لا يستبعد عليه أن يخون حليفه.

وكان أعيان القسطنطينية قد وعدوا إليون بالمُلك إذا تمكن من صرف المسلمين عن حصار مدينتهم، فأقنع إليون مسلمة بأن يعطي المؤن للروم في مقابل أن يعطيه الروم الطاعة وانتقلت المؤن لأهل القسطنطينية وهم تحت الحصار والجوع، ففوجئ مسلمة بإليون ينضم إليهم بعد أن نقل كل مؤن الجيش المسلم، وأصبح الروم في قوة وشبع بينما أصبح مسلمة وجيشه في خوف وجوع خصوصاً وقد حل الشتاء، فاضطر الجيش لأكل الدواب وأصول الشجر، وساءت الأحوال حتى تولى عمر بن عبد العزيز فأمر مسلمة بالرجوع عن حصار القسطنطينية وعظم على مسلمة أن يعود هكذا بخفيّ حنين فأرهب الروم في القسطنطينية أنه لن يرجع عنها حتى يبنوا له فيها مسجداً ففعلوا.. وظل ذلك المسجد فيها رمزاً لذلك الحصار الأموي الكبير للقسطنطينية يشحذ هِمَم المسلمين لإعادة حصارها ومحاولة فتحها حتى فتحها محمد الفاتح العثماني سنة 1453م.

أما عن سبب عدم توليه للخلافة مع أنه كان مستحقاً لها.. والحقيقة أن التقليد الذي كان متبعاً في الخلافة الأموية هو أن الخلفاء لا بد أن تكون أمهاتهم حرائر عربيات وأم مسلمة جارية، وهذا ما منعه من تولّي الخلافة.. وهذا ما منع شخصاً فذّاً معه كل المؤهلات التي تكفيه لشغل منصب الخليفة من أن يكون خليفةً للمسلمين.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/shamel-mohamed-helmy/story_b_17858856.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات