السبت، 30 سبتمبر 2017

ضعْ يدك على فمك ولك الجنة

ضعْ يدك على فمك ولك الجنة

ولأننا أصبحنا أسرى مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا كان الإنسان في السابق يتنقل بين أزقة مدينته، أو يتنقل بين صفحات الكتب، أصبحنا اليوم ننتقل بين صفحات الفيسبوك والإنستغرام وتويتر، وكالعادة يسعدني أن أتابع استوريات الأصدقاء في الإنستغرام، وإذا بي تقع عيني على أحد الأفلام القصيرة، لإحدى طالباتي كانت تصور أختها، كانت تصور أختها الصغرى درر التي لا يتجاوز عمرها الأحد عشر ربيعاً، وموجز الفيلم أن درر تطلب من أخيها الصغير محمد أن يضع يده على فمه، مع عبارة استفزتني كثيراً وأسعدتني في نفس الوقت (ضع يدك على فمك وسوف يدخلك الله الجنة)، فيقوم محمد بوضع يده على فمه لتقوم هي بضربه.

القصة على بساطتها تدل على ذكائها في استغلالها للوازع الديني، لتحقق مشهداً رائعاً في خلجات نفسها يحقق لها المرح والسعادة، ويبدي للآخرين مدى ذكائها، كل هذا ونحن نستطيع أن نقول حسناً، لكن ما الذي جعلها تنتهج هذا النهج ربما التربية المنزلية، وربما التربية المدرسية، أو التربية المجتمعية، أو التربية الإعلامية.

لن أقف كثيراً على من هو السبب المباشر؛ لأنه قد تجتمع كل هذه المنظومة بالجريمة والسبب، سيندهش البعض ويتساءل عن أي جريمة تتحدث؟ أجل جريمة كبيرة لا تقل خطورةً عن جريمة القتل، إنها جريمة استغلال الوازع الديني، ما الذي دفع طفلة بهذا العمر إلى أن تنتهج هذا النهج لولا أن أحداً انتهج معها في السابق نهجاً كهذا أو قريباً منه؟

هذه الفكرة التي شاعت بين أوساط الملتزمين التي ركز عليها الخطاب الوعظي إلى يومنا هذا، خطاب الجنة والنار ودفع الناس إلى الأمام دون تفكير، الجنة والنار الفكرة الخالدة العظيمة التي يكون مصير الإنسان إلى واحدة منهما، لكن هذه الفكرة حين يساء تسويقها وتصبح ملاذاً لكل من يريد أن يحقق أهدافاً ذاتية أو مجتمعية، تراه يصعّد من لهجة الخطاب الديني، فبدءاً من الخطاب السياسي الديني الذي يسوق لأحزابه التي ستجلب لمجتمعاتنا الخير في الدنيا والآخرة الذي لم نحظَ منه بشيء، إلى الخطاب التكفيري الذي أقنع همجاً ورعاعاً بأن الجنة تكون على أنقاض المدن وأشلاء بني الإنسان، إلى الخطاب الديني الطائفي الذي يحرم غيره من الجنة لأن يخالفه بالمذهب أو يختلف معه بالرأي، وإذا أمعنّا النظر بهذه الأمور نجدها نتيجة حتمية لخطاب ديني حزبي وطائفي جلب على الأمة الويل والثبور، بل الأدهى من كل ذلك العمل على إثارة العاطفة بدل إثارة التفكير، وهذا ما لا يريده تجار الدين؛ لأن إعمال التفكير عند الأمة سيمنح الإنسان الثقة بنفسه، وسيجعله يقلّب كل فكرة يسمعها وقد يردها على قائلها، وفضلاً عن كل ذلك تسويق الجنة لمن يحب الشيوخ ويتبعهم ويكون كالريشة بين أيديهم، وأن تكون بين يدي أستاذك كالريشة في مهب الريح، أي منطق وأي عقل وأي تفكير أن نرّوج لهذه الترهات من أجل أن نحرم الأمة من التفكير والعقلانية؟

وما زِلْتُ أذكر أحد الخطباء زعل كثيراً وتضجر لأن أحد الناس طلب منه ألا يكثر من شيء معين في خطبه، كل هذه روّجنا له من خلال خطاب الجنة والنار الفكرة العظيمة التي كلنا نرجو من الله أن يدخلنا إياها.
ولعل أهم ما نخرج به من كل ما سبق:-

1. الجنة والنار فكرة عظيمة خالدة نسعى إليها لأجل مرضاة الله -عز وجل- وليس من أجل إيصال طائفة أو حزب يعمل لبني قومه فقط إلى السلطة.
2. الجنة سندخلها إذا اتبعنا أسلوب الحياة الطيبة التي تتمنى الخير لجميع الإنسانية .
3. الجنة أساس دخولها الحب وعدم كراهية الخلق والإحسان إلى الإنسان .
4. التطرف والتكفير يتحمّل جزء كبير من دعاة الدين سببه؛ لأنهم استطاعوا تسويق الجنة والنار على أساسهما، رغم أن التكفير هو قضية قضائية يتولاها القضاء سابقاً وليس الدعاة.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/hares-elabasy/-_13411_b_18061020.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات