الجمعة، 29 سبتمبر 2017

ماسنيسا أو المأزق الاستراتيجي الذي وقعت فيه النّظرية القومية البربرية

ماسنيسا أو المأزق الاستراتيجي الذي وقعت فيه النّظرية القومية البربرية

كل التيارات القومية في العالم تلجأ لأيديولوجية معينة تستند إليها كمرجع أساسي في خياراتها السياسية أو الاجتماعية.

وتُعْتبر "الأسطورة" و"البطولة" للشخصيات التاريخية هي القاعدة الأساسية ترتكز عليها هذه الأيديولوجية لتفصيل وصناعة ذاكرة جماعية مُحَرّكة.

لقد اختار التيار القومي البربري شخصية "ماسنيسا" التاريخية كمرجع لإخضاع الذاكرة الجماعية وقد تورَّطَ في هذا الاختيار ووجد نفسه في "مأزق" تاريخي مُعَقّد للغاية.

لم تظهر مُؤشرات ودلالات هذا المأزق "الأيديولوجي" داخل التيار القومي البربري إلا بعد تراجع التيار الإسلامي منذ سنوات وظهور شخصية الملك "سيفاكس" في ساحة الأحداث التاريخية، هذه الشخصية للملك سيفاكس التي ثمثّل القُطب المُنافس والمُتناقـض مع أسطورة ماسينسا، والذي لديه الشرعية في حكم نوميديا، الملك سيفاكس الشرعي الذي قضى عليه الرومان بمساعدة "ماسنيسا".

هنا يكمن سرّ الخطأ الاستراتيجي في اختيارات "الشخصية البطولية لماسنيسا" كحجر أساس في قاعدة التيار القومي البربري.

كل المصادر والكتب التاريخية الغربية تُؤكد أن "ماسنيسا" كان يمثل دور "الوكيل" على مصالح روما في إفريقيا الشمالية، والخطاب الشهير للقائد الروماني Scipion يشهدُ على امتنان روما لماسنيسا في استيطانها لأراضٍ إفريقية ويشهد كذلك بمبادرة روما بـ"تتويج" ماسنيسا ومنحه "الكرسي وعصا القيادة والملك".

كما يُصَرّحُ خطاب القائد sippion على فرض روما لقوانينها وعُرْفها على ماسنيسا وعلى سكان شمال إفريقيا، بما في ذلك أَسْر واعتـقال الملك الشرعي "سيفاكس" في سجون روما، وسقوط أتباع سيفاكس من السكان والقبائل تحت الأسر الروماني، مثلما قال scippion "إن أتباع الملك سيفاكس وأملاكه قد أصبحوا أسرى وفريسةً وغنيمةً في أيدي روما"، والتاريخ يروي أن من بين هؤلاء الأسرى كانت هناك زوجة ماسنيسا التي لم تنجُ هي كذلك من الأسر وعجز ماسنيسا على صون زوجته وعـرْضه خضوعاً للقوانين الرومانية التي سار مفعولها على سكان شمال إفريقيا.

ظهر الملك سيفاكس الذي يُمثّل الضحية والشرعية، والذي مات في سجون المُسْتَعْمر روما، هذا ما أضعف أسطورة ماسنيسا "البطولية" وسقطت كل الحسابات الأيديولوجية للتيار القومي وظهرت هستيريا في اللاشعور، هذا التيار الذي أصبح يستعمل الترويج العنصري وشنّ هجمات شرسة عنيفة ومجانية ضد كل طبقات المجتمع الجزائري كأنه يجري وراء سراب ويلاحق شبحاً، ويحارب كابوساً يجري في دمه ألا وهو "كابوس الملك سيفاكس".

منطقياً حتى ولو افترضنا أن الملك سيفاكس كان "بربرياً" فهذا يجعلنا نستنتج حتمياً أن مصالح سيفاكس البربرية نوميدية كانت مشتركة ومتلاحمة مع المصالح الفينيقية؛ لأن كان هناك انسجام وتصاهر بين العِرقين الفينيقي/البربري بحكم أن زوجة سيفاكس فينيقية وكل الشعب النوميدي كان يتكلم اللغة الفينيقية، وتشهد المراجع الرومانية أن كلاً من سيفاكس وماسنيسا كان يتكلم اللغة الفينيقية، وهذا ما يجعلنا نستنتج أن ماسنيسا هو "الجاني" على ملك سيفاكس الشرعي وعلى المصالح النوميدية/الفينيقية المشتركة، وهذا بإدخال والاستعانة بعنصر أجنبي وقوة أجنبية استيطانية رومانية فوق الأراضي الجزائرية.

إحياء ذاكرة الملك الشرعي سيفاكس حطّمت أسطورة ماسنيسا "البطل" التي اعتمدها التيار القومي البربرست في تسيير والتحكم في الذاكرة الجماعية الجزائرية.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/lakhdar-bouasria-benkoula/post_16007_b_18109598.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات