إن وجود الإنسان ككيان عاقل ومُعبّر (إشارة باليد أو بالرسم... أو نُطقاً)، حتّم وجود الاختلاف. فالإدراك (الذي يميز الإنسان ككائن عاقل) يؤكد وجود الاختلاف بـ"القوة"، أما التعبير (الذي يُميز الإنسان ككائن مُعبّر) فأكد الاختلاف بـ"الفعل". كيف ذلك؟
الاختلاف وضع إنساني
الاختلاف هو وضع حتمي (لن أتعسف لأقول إنه وضع ضروري) بالنسبة للوجود الإنساني. فالمكان والزمان اللذان يُخلق فيهما الفرد، والقدرة التي ورثها بيولوجياً عن أبويه، والصيرورة التي تحكمه في الفكر والواقع، لا تتشابه بين الأفراد.
فلا يمكن أن تتطابق هذه الأمور بينهم. فحتى التوأمان -وإن تشابها في الزمان والمكان (نسبياً) والقدرة التي ورثاها عن أبويهما- فإنهما لن يتشابها في الصيرورة؛ نظراً إلى انعزال كل واحد منهما عن الآخر جسدياً. لكن هل هذا اللاتشابه بين الأفراد في هذه الأمور (المكان والزمان والقدرة والصيرورة) هو الاختلاف عينه؟
الإختلاف هو إدراك وتعبير إنساني، فهو وضع يرتبط بالوجود الإنساني لا غير. ولا علاقة له بالكائنات الأخرى (غير العاقلة)، فلا يمكن اعتبار التنوع بين الحيوانات وما يحصل بينها من افتراس، اختلافاً. فالاختلاف هو إدراك وتعبير الأنا بأنها لا تشبه الآخر ولا هو يُشبهها. أما الحيوانات، فلا تُدرك ذلك ولا تعبر عنه؛ لأنها غير عاقلة. لهذا لا وجود للاختلاف فيما بينها، بل هنالك تنوّع وتفرّد وصراع (عشوائي). أما الإنسان، فهو الوحيد الذي يُدرك كل هذا ويُعبر عنه.
الاختلاف بـ"القوة" ثم بـ"الفعل"
إن إدراك الإنسان لوجوده، يجعله يُدرك كل ما يحيط به على حدود إدراكه. فيشعر بأنه مستقل عما يُحيط به، ومُختلف عنه. هذا الاختلاف النابع من الإدراك يظل مجرد اختلاف بـ"القوة" (أي إنه ليس واقعاً) ولم يتحول بعد إلى وجود بـ"الفعل". فمتى إذن يتحول إلى هذه الوضعية؟
يظهر الاختلاف كوجود بـ"الفعل" (أي وجود واقعي)، عندما يبدأ الإنسان في التعبير. فهذا يعني رغبته في استخراج فكرة أو شعور من داخل الأنا إلى خارجها. لكن هذا التعبير لم يبدأ إلا عندما أدركت الأنا أن هناك ذاتاً أخرى تُشبهها في المناحي الإنسانية (كالعقل والتعبير)، لكن لا تعرفها (أي إن الأنا لا تعرف تلك الذات الأخرى). لهذا بدأت تُعبر عن نفسها؛ حتى يتعرف عليها الآخر. ليقوم هو في المقابل بالتعبير عن نفسه لتعرفه الأنا.
فلا يمكن معرفة الآخر إن لم يتم التعبير. وهذا اعتراف ضمني من الأنا بأن الآخر يختلف عنها. فلو أن الأنا متأكدة أن الآخر ليس مُختلفاً عنها، فإنها ستتأكد أن الآخر يُشبهها، يعني أن معرفته لنفسه كافية لتقوده إلى معرفتها (الأنا)، فيكون التعبير بذلك لا أهمية له. لكن شعور الأنا بأنها لا تعرف الآخر، استنتجت أن الآخر -في المقابل- لا يعرفها، فعبرت عن نفسها ليعرفها الآخر؛ ليُعبر هو أيضاً عن نفسه لتعرّفه هي (الأنا).
إذن، وجود الأنا ككيان عاقل وإدراكها للآخر حتّم وجود الاختلاف بـ"القوة". فأدركت هذا الاختلاف، الذي أفرز لديها رغبة في معرفة الآخر؛ لأنه لا يُشبهها (لكن تُدرك أنه يستطيع أن يفكر مثلها ويُعبر)، فاستعملت اللغة (إشارة أو كلاماً) من أجل ذلك، فظهر الاختلاف كوضع بـ"الفعل" في الواقع.
الاختلاف.. إما تكامل وإما صراع
معرفة الآخر من ثم جعلت الاختلاف واقعاً. لكنه كان يقود إلى أمرين في علاقة الأنا بالآخر (بعد المعرفة)، فإما أنه كان يقود إلى التكامل وإما كان يقود إلى الصراع.
التكامل
التكامل هو اتحاد للاختلاف بين الأنا والآخر، من أجل تجاوز حالة الألم إلى حالة اللذة. وهو اتحاد ناتج عن التحديات التي لم يستطع الفرد أن يتجاوزها وحده بما يملكه من قدرات، لهذا اضطر إلى أن يتحد بالآخر (الذي يختلف عنه بالضرورة)، حتى يستطيعا الاستجابة للتحدي بإيجابية، ويتجاوزاه. وهذا التجاوز يكون ناجحاً كلما كان استثمار هذا الاتحاد ناجحاً. ويكون كذلك، كلما وُضعت كل قدرة في مكانها المناسب، وكلما كان عدد القدرات كبيراً (أي كلما كان عدد الأفراد كبيراً بقدراتهم، يزيد نجاح الاستثمار).
الصراع
أما الصراع، فهو تقاطع في الاختلاف بين الأنا والآخر، وهو ناتج عن شعور كل فرد بفرديته وأنه أفضل من الآخر. والصراع يأتي انطلاقاً من ثلاثة طرق: منافسة حول هدف معين، احتكاك حول وسيلة معينة، تعبير عن رأي معين.
بالنسبة للمنافسة، فهي استثمار كل فرد لقدراته الخاصة ليصل إلى هدف معين، سواء أكان الهدف مادياً أم معنوياً. فالمادي هو ما يتعلق بحياته البيولوجية (كالأكل أو الجنس...). أما المعنوي، فهو ما يتعلق بحياته النفسية (كتأكيد الذات).
أما بالنسبة للاحتكاك حول وسيلة معينة، فإنه يحدث نتيجة عاملين: إما ندرة في هذه الوسيلة وإما احتكارها من طرف فرد معين. فالندرة قد تؤدي إلى الاحتكار ومن ثم إلى الاحتكاك، أو قد تؤدي إلى الاحتكاك مباشرة ثم إلى الاحتكار ثم بعدها إلى الاحتكاك وهكذا دواليك. أما الاحتكار، فقد يؤدي إلى الندرة ومن ثم إلى الاحتكاك. لهذا كانت إحداهما تؤدي إلى الأخرى. فهل هذا يعني أن الاحتكاك أمر حتمي؟ وإن كان كذلك فهل يمكن تجاوزه؟
وتكون أهمية الوسيلة مرتبطة بأهمية الهدف؛ لأن هذا الأخير هو الذي يُحدد قيمة الوسيلة، فكلما كان الهدف مهماً كانت الوسيلة مهمة، وكلما كانت هذه الأخيرة مهمة، كان الاحتكاك حولها قوياً.
وستبقى لنا النقطة الثالثة من الصراع التي تتحدث عن "التعبير عن الرأي" لنناقشها في مقال آخر إن شاء الله.
الاختلاف وضع إنساني
الاختلاف هو وضع حتمي (لن أتعسف لأقول إنه وضع ضروري) بالنسبة للوجود الإنساني. فالمكان والزمان اللذان يُخلق فيهما الفرد، والقدرة التي ورثها بيولوجياً عن أبويه، والصيرورة التي تحكمه في الفكر والواقع، لا تتشابه بين الأفراد.
فلا يمكن أن تتطابق هذه الأمور بينهم. فحتى التوأمان -وإن تشابها في الزمان والمكان (نسبياً) والقدرة التي ورثاها عن أبويهما- فإنهما لن يتشابها في الصيرورة؛ نظراً إلى انعزال كل واحد منهما عن الآخر جسدياً. لكن هل هذا اللاتشابه بين الأفراد في هذه الأمور (المكان والزمان والقدرة والصيرورة) هو الاختلاف عينه؟
الإختلاف هو إدراك وتعبير إنساني، فهو وضع يرتبط بالوجود الإنساني لا غير. ولا علاقة له بالكائنات الأخرى (غير العاقلة)، فلا يمكن اعتبار التنوع بين الحيوانات وما يحصل بينها من افتراس، اختلافاً. فالاختلاف هو إدراك وتعبير الأنا بأنها لا تشبه الآخر ولا هو يُشبهها. أما الحيوانات، فلا تُدرك ذلك ولا تعبر عنه؛ لأنها غير عاقلة. لهذا لا وجود للاختلاف فيما بينها، بل هنالك تنوّع وتفرّد وصراع (عشوائي). أما الإنسان، فهو الوحيد الذي يُدرك كل هذا ويُعبر عنه.
الاختلاف بـ"القوة" ثم بـ"الفعل"
إن إدراك الإنسان لوجوده، يجعله يُدرك كل ما يحيط به على حدود إدراكه. فيشعر بأنه مستقل عما يُحيط به، ومُختلف عنه. هذا الاختلاف النابع من الإدراك يظل مجرد اختلاف بـ"القوة" (أي إنه ليس واقعاً) ولم يتحول بعد إلى وجود بـ"الفعل". فمتى إذن يتحول إلى هذه الوضعية؟
يظهر الاختلاف كوجود بـ"الفعل" (أي وجود واقعي)، عندما يبدأ الإنسان في التعبير. فهذا يعني رغبته في استخراج فكرة أو شعور من داخل الأنا إلى خارجها. لكن هذا التعبير لم يبدأ إلا عندما أدركت الأنا أن هناك ذاتاً أخرى تُشبهها في المناحي الإنسانية (كالعقل والتعبير)، لكن لا تعرفها (أي إن الأنا لا تعرف تلك الذات الأخرى). لهذا بدأت تُعبر عن نفسها؛ حتى يتعرف عليها الآخر. ليقوم هو في المقابل بالتعبير عن نفسه لتعرفه الأنا.
فلا يمكن معرفة الآخر إن لم يتم التعبير. وهذا اعتراف ضمني من الأنا بأن الآخر يختلف عنها. فلو أن الأنا متأكدة أن الآخر ليس مُختلفاً عنها، فإنها ستتأكد أن الآخر يُشبهها، يعني أن معرفته لنفسه كافية لتقوده إلى معرفتها (الأنا)، فيكون التعبير بذلك لا أهمية له. لكن شعور الأنا بأنها لا تعرف الآخر، استنتجت أن الآخر -في المقابل- لا يعرفها، فعبرت عن نفسها ليعرفها الآخر؛ ليُعبر هو أيضاً عن نفسه لتعرّفه هي (الأنا).
إذن، وجود الأنا ككيان عاقل وإدراكها للآخر حتّم وجود الاختلاف بـ"القوة". فأدركت هذا الاختلاف، الذي أفرز لديها رغبة في معرفة الآخر؛ لأنه لا يُشبهها (لكن تُدرك أنه يستطيع أن يفكر مثلها ويُعبر)، فاستعملت اللغة (إشارة أو كلاماً) من أجل ذلك، فظهر الاختلاف كوضع بـ"الفعل" في الواقع.
الاختلاف.. إما تكامل وإما صراع
معرفة الآخر من ثم جعلت الاختلاف واقعاً. لكنه كان يقود إلى أمرين في علاقة الأنا بالآخر (بعد المعرفة)، فإما أنه كان يقود إلى التكامل وإما كان يقود إلى الصراع.
التكامل
التكامل هو اتحاد للاختلاف بين الأنا والآخر، من أجل تجاوز حالة الألم إلى حالة اللذة. وهو اتحاد ناتج عن التحديات التي لم يستطع الفرد أن يتجاوزها وحده بما يملكه من قدرات، لهذا اضطر إلى أن يتحد بالآخر (الذي يختلف عنه بالضرورة)، حتى يستطيعا الاستجابة للتحدي بإيجابية، ويتجاوزاه. وهذا التجاوز يكون ناجحاً كلما كان استثمار هذا الاتحاد ناجحاً. ويكون كذلك، كلما وُضعت كل قدرة في مكانها المناسب، وكلما كان عدد القدرات كبيراً (أي كلما كان عدد الأفراد كبيراً بقدراتهم، يزيد نجاح الاستثمار).
الصراع
أما الصراع، فهو تقاطع في الاختلاف بين الأنا والآخر، وهو ناتج عن شعور كل فرد بفرديته وأنه أفضل من الآخر. والصراع يأتي انطلاقاً من ثلاثة طرق: منافسة حول هدف معين، احتكاك حول وسيلة معينة، تعبير عن رأي معين.
بالنسبة للمنافسة، فهي استثمار كل فرد لقدراته الخاصة ليصل إلى هدف معين، سواء أكان الهدف مادياً أم معنوياً. فالمادي هو ما يتعلق بحياته البيولوجية (كالأكل أو الجنس...). أما المعنوي، فهو ما يتعلق بحياته النفسية (كتأكيد الذات).
أما بالنسبة للاحتكاك حول وسيلة معينة، فإنه يحدث نتيجة عاملين: إما ندرة في هذه الوسيلة وإما احتكارها من طرف فرد معين. فالندرة قد تؤدي إلى الاحتكار ومن ثم إلى الاحتكاك، أو قد تؤدي إلى الاحتكاك مباشرة ثم إلى الاحتكار ثم بعدها إلى الاحتكاك وهكذا دواليك. أما الاحتكار، فقد يؤدي إلى الندرة ومن ثم إلى الاحتكاك. لهذا كانت إحداهما تؤدي إلى الأخرى. فهل هذا يعني أن الاحتكاك أمر حتمي؟ وإن كان كذلك فهل يمكن تجاوزه؟
وتكون أهمية الوسيلة مرتبطة بأهمية الهدف؛ لأن هذا الأخير هو الذي يُحدد قيمة الوسيلة، فكلما كان الهدف مهماً كانت الوسيلة مهمة، وكلما كانت هذه الأخيرة مهمة، كان الاحتكاك حولها قوياً.
وستبقى لنا النقطة الثالثة من الصراع التي تتحدث عن "التعبير عن الرأي" لنناقشها في مقال آخر إن شاء الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohamed-bn-mimoun-amzil/story_b_18074698.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات