الاثنين، 30 أكتوبر 2017

ثيسيوس

ثيسيوس

ها هي الحرب تفرض على أحد ملوك أثينا أن يرسل كل تسعة أعوام أشجع مقاتليها وأجمل نسائها كقربان للـ"ميناتور". كل تسعة أعوام يتم إرسال سبعة مقاتلين وسبع حوريات أثينيات، لكائن نصفه إنسان ونصفه ثور.. الميناتور، وإلا أهلك المدينة بأكملها.. في المرة الثالثة، أي بعد ثمانية عشر عاما، تقدم ثيسيوس لوالده الملك، وقال إنه سيتصدى للوحش بنفسه. وأنه سيخرج من أثينا لكريت بسفن أشرعتها سوداء... وأنه لا يعود إلا بأشرعة بيضاء بعد أن يقضي على الوحش. ويحرر البلاد. وهكذا فدا ثيسيوس أحد السبعة الشباب بنفسه، ورحل على السفينة كقربان قاصدا الوحش. ربما ينجح في القضاء عليه؟! وانتظره والده.. انتظر الوالد الأشرعة البيضاء.


أهل الكهف

لم يكن الدكتور محمود رجلا بما يكفي أبدا. هكذا كان يراه ابنه ناجي. على عكس ذلك كان يرى الناس الدكتور محمود على أنه رجل عظيم وحر، فبعد أن سيطرت شركة الحرس الوطني على كافة الأعمال التجارية في أرض التجمع، كان الدكتور ومجموعة شكلها هي الوحيدة التي لا تزال تناضل ضد تغول شركة الحرس الوطني. لطالما كانت "أرض التجمع" هي الوطن الدافئ لعائلة الدكتور.

في بيت الدكتور محمود اعتاد أصدقاؤه وبعض الطلبة اللقاء للحديث عن التغيير وآلياته. الدكتور محمود يرى أن التغيير يلزم أن يكون إصلاحيا تدرجيا من جيل لآخر وبشكل سلمي. وأن القوة تكمن في "العلم". وبذلك انتهج على مدار 40 عاما منذ شبابه ذلك النهج التعليمي الإصلاحي.

في ثورة ديسمبر، آخر الثورات، حين كان محمود شابا في صدر الثورة، لم تفوته مليونية واحدة. عواطف زوجته أبلغته أنه مستحق للجنسية الكندية.. وكذلك ولديهما ناجي وأحمد. لم تفهم عواطف وقتها ما يجول بصدر محمود حين أخبرها بثقة: هذه هي بلدنا الآن.. لن نتركها. ولم يحصل أي منهم على الجنسية الكندية منها.. أبدا!

كان محمود الذي سيتحصل على الدكتوراه لاحقا، لا يعي الفرق بين حرية الصياح التي نالها، وبين أن يتحقق أي شيء مما كان يطلبه في كل مليونية. فمجلس الحرس الوطني الذي حمى ثورة ديسمبر، هو نفسه الذي انقلب عليها وأسس شركة الحرس الوطني المتحدة.

ناجي ابن الدكتور محمود، على عكس والده يرى أن القوة هي القوة. لا يهم العلم.. الناس كلها تخضع لشركة الحرس المتحدة فقط بسبب القوة، لا يهم العلم أساسا. ولذلك اعتاد ناجي المرور على اجتماعات والده الشيخ بكثير من التأفف والشعور بالغثيان. إذ لا يزال هو وطلبته يتجاذبون الحديث عن التغيير الإصلاحي التدريجي البسيط فيها.. وكأنهم بالنسبة لناجي: أهل الكهف.

كان ناجي يكمل طريقه متجاوزا غرفه أخيه أحمد، وجلسة أمه أمام التلفاز، واجتماع والده.. إلى الشارع. لم يكن الطريق للتغيير الذي يراه يحمل التظاهر السلمي كما كان ينظر والده، وإنما التظاهر بـالسلاح لو أمكن!


كانت سرقة البترول أوضح سرقة بالنسبة لناجي، شركة الحرس الوطني تحفر في الأرض، تأخذ المال لها بشكل مباشر وفج، ولا تعطي الناس حقهم. لذا كان يتجمع هو وعدد من أصحابه من حركة 15 أبريل أمام مقر شركة الحرس الوطنية للبترول، ومن ثم يبدأ التظاهر.. وربما يأت يوم يتطور الأمر لصدام فثورة فتغيير؟ صح؟!

في النهاية، الحرس المدني لأبواب الشركة كان يعرف جيدا ما الذي يجب فعله. يجب أن يُمنح هؤلاء الشباب مساحة للتظاهر أمام أبواب الشركة. في النهاية هي شركة مدنية، ومجلس الحرس الوطني لم يعد مهتما بقتل المزيد من الضحايا. القتل والسجن مر زمنهما بعد أن سيطرت شركة الحرس الوطني المتحدة على كل الأعمال الاقتصادية في أرض التجمع.

يمكث الشباب أصدقاء ناجي بين الفينة والأخرى أمام الشركة، يتظاهرون، يصحيون، يُعييهم الصياح، يحاولون استثارة الحرس، يحتويهم الحرس ويمنع عنهم الماء وزاد الناس.. يشوههم الإعلام بشكل مستمر، يأتي الليل، يذهب كل منهم لبيت والديه لينام، وهلم جرا.

ناجي كان يرى نفسه وكأنه يكرر ذلك السيناريو.. مئات المرات. وفي كل مرة كان ينتهي لنفس النتيجة. فحتى لو حدثت تلك الثورة المرجوة، من سيحاسب؟ من هو المخطئ أصلا؟ ألن ينقلب الحرس الوطني مرة أخرى على تلك الثورة؟ ربما يأت ابن ناجي نفسه، ليقول عنه أنه لم يكن رجلا بما يكفي ليؤمن له الحرية.. الحرية التي تعطي للوطن معنى، الحرية التي هي أثمن من أي شيء آخر.

ناجي لا يريد بأي حال أن يسير في طريق سار فيه والده، وهو الآن يدرك أن حتى طريق التظاهر ذلك، لا طائل منه.. إلا أن يأت ابنه فيقول أنه: لم يكن رجلا بما يكفي.


الشبيبة 25.1.2022

استيقظ الناس على خبر اختطاف الأستاذة نجاح، مدير شركة الحرس الوطني للصرف الصحي. الأستاذة نجاح اعتلت منصبها منذ بضعة أعوام كمديرة لشركة الصرف الصحي المركزية، وهي تخدم في الحكومة الوطنية والشركة الوطنية منذ أكثر من 20 عاما. المختطفون تركوا ورقة كتبوا عليها: "حركة الشبيبة تطلب فدية 20 مليون نسر وطني مقابل الإفراج عن الأستاذة نجاح".

أعطى ذلك التصريح ضوءا أخضر لتصريح رسمي من شركة الحرس الوطني بأن ثمة حركة إرهابية "الشبييبة" تروع أبناء الوطن المخلصين. في الحقيقة، كانت هذه أفضل فرصة لتعود شركة الحرس الوطني لأعمال القتل مرة أخرى لمكافحة الإرهاب المحتمل الجديد.

على مدى ثلاثة أيام تالية، تكفل الإعلام الوطني بالحديث عن الأستاذة نجاح، عن حياتها الشخصية وأولادها النابهين وزوجها المحترم. وامتلأت الصحف بصورة رصينة للسيدة نجاح بحجابها التقليدي كواحدة من أبناء الشعب الوطنيين. في ذات الوقت امتلأت الجرائد والمحطات بتحليلات عن أولئك "الشبيبة" الإرهابيين.


لقد تم تضخيم حجم الشبيبة، وأصبح القضاء عليهم هدفا لكل رجل في ربوع أرض التجمع. أي عمل وطني أسمى من محاربة الإرهاب والمخربين.. لأجل الوطن!
هذا بالضبط ما أراده "ثيسيوس".


الذبح.. الخميس: 23.1.2022

الساعة العاشرة صباحا، استيقظ الناس على أول إعلان رسمي من الشبيبة، بأنهم قاموا باختطاف السيدة نجاح وأنهم يتسلمون الفدية أمام مقر شركة الحرس الوطني للصرف الصحي، ظُهر اليوم التالي في الساعة الثالثة بالضبط، وإلا سيقوموا بتفجير السيدة نجاح في بث مباشر على فيس بوك.

اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقفت الخبر برامج التوك شو بمزيد من الحفاوة، وأصبح شغل الناس الشاغل هو ما سيحدث يوم الجمعة بعد الصلاة.
واشتعلت المنابر تذكر مساوئ الإرهاب، وأهمية الاعتصام بحبل الله جميعا وعدم التفرق في هذه النازلة العظيمة بالوطن.


الفدية.. الجمعة: 24.1.2022

تجمهر الناس بالقرب من شركة الحرس الوطني للصرف الصحي انتظارا لما سيحدث، يحرسون الفدية وينتظرون الإرهابيين. ناجي مع أصدقاؤه، قرروا استغلال الوضع في أعمال عنف من باكر اليوم، ولكن ردة فعل الحرس الوطني لم تتغير.. الاحتواء، والمزيد من الاحتواء.. تمهيدا لما بعده. الوطن كله الآن في مواجهة الخطر الإرهابي القائم: الشبيبة.

أعلنت شركة الحرس الوطني، أنها لا تتفاوض مع القتلة، ولكن من الضغط الحاصل، نصح المتحدث الإعلامي للشركة بدفع الفدية لأن السيدة نجاح تمثلنا جميعا.. أليس كذلك؟ وأُطلقت حملة "#كلنا_نجاح" وأصبحت نجاح في ذاتها رمزا وطنيا لا يوجد شخص في أرض التجمع لا يعرف شكل وجهها.

التقط أحدهم فيديو على يوتيوب يُعرض فيه كلمة للسيدة نجاح. كان وجهها يملأ الشاشة، أرض التجمع كلها الآن تعرف السيدة نجاح.. وتعرف الشبيبة. بدت السيدة نجاح مجهدة، محملة بحزام ناسف به عداد. كان وجهها يعلوه الرعب.. وتعلق كل من شاهد الفيديو بحروفها التالية.. وانتظر ملايين الناس ما ستقوله الأستاذة نجاح...

قالت نجاح: بمعاونة أعضاء مجلس الإدارة في شركة الحرس الوطنية، قمنا بتمرير صفقات كيماويات من أموال الشعب لشركات خاصة لقادة الحرس الوطني. وقعت بنفسي على قروض من الاتحاد الأوروسي ومررنا المال بدون مناقصة، ولا إعلان.. بالاتفاق مع القائد منعم صبحي، ما فعلته سرقة، ولا أريد أن أموت....
وأجهشت نجاح بالبكاء.

ظهر مختطفها لأول مرة.. ثيسيوس. قال: لا نملك قرار قتلها بدونكم. إن رأيتم أن العدل فيها القتل، قتلناها.. وإن رأيتم غير ذلك تركناها حية. المال الذي طلبناه للفدية، هو مالكم.. حق لكم، سرقته شركة الحرس الوطني وتركت لنا جميعا الدين. الدين الذي نراه في ارتفاع الأسعار والغلاء، وحرمان أولادنا من أي مستقبل. الفدية الموجودة الآن أمام مقر الشركة، الملايين تلك التي أعدوها لنأخذها نحن "الشبيبة".. كل تلك الملايين.. هي لكم!

وأكمل: أما حياة نجاح، فهي بيدكم أنتم. نحن يد العدالة لا أكثر. من الآن ولمدة يوم يمكنكم التصويت على حياتها، وبعد انقضاء 24 ساعة بالضبط، ينفذ فيها حكمكم. وسنعرض عليكم طريقة للتصويت تعتمد على العقود الذكية، "البلوك-شين".. لا يمكن تعقبها، ويمكن لكم جميعا التصويت بشكل مباشر، والنتيجة تبث أيضا بشكل مباشر.. ولا يمكن وقفها.


فوضى

الفدية؟ كانت تنتظر أمام مبنى شركة الحرس الوطني للصرف الصحي. ولكن حالما أعلن ثيسيوس أن المال ملك للناس، لم يكن مستغربا ما تم: لأول مرة شعر المارة أن العنف مع الحرس المدني للشركات الوطنية أمر لازم. لم يتوقف الناس أمام صف الحرس، ولا السيارات المصفحة التي كانت تحرس المال.. وهرع الناس للمال يغترفون منه وهم يعرفون أنه حقهم.. لم يبد الأمر لهم وكأنه سرقة أبدا. كان الجميع يشعر بثقة أن هذا مال يتم استرداده من اللصوص الوطنيين!

و بعد أن تلقف الناس الأموال، جرى نهب وسرقة لممتلكات الشركة نفسها. هل هذه هي شرارة الفوضى التي قد تؤسس لما بعدها؟

ناجي وحده كان يعرف أن هذه الفوضى لن تؤدي لأي شي جديد عما كان. بقية الناس في المنازل لا تزال عيونهم معلقة على حياة نجاح. وربما، لأمد بعيد، عرف الناس كيف يمكن للتصويت أن يُحيي أحدهم أو يميته بالمعنى الحرفي للكلمة. وبدلا من أن كانت حركة الشبيبة حركة إرهابية، ثار جدل واسع بين الناس في كونهم "روبين هود" الوطن الجديد.. وأصبح الجميع ملزمين بداية، بالإجابة على أبسط سؤال: هل نقتل نجاح؟

لقد انتقل الجدل العام من كون الشبيبة حركة إرهابية، لكون الحرس الوطني نفسه عصابة لصوص مسلحة في غطاء مدني. وأنه حتى مثل السيدة نجاح البسيطة تلك، هي مجرد مجرم آخر يلزم القصاص منه. ولكن كم نجاح في أرض التجمع؟
ناجي.. كان يعرف من بإمكانه الجواب، كان ذلك هو الوقت المناسب لإعلان الإجابة.



انقلاب شعبي.. 25.1.2014

كان الفيديو الذي تم عرضه لاستاذة نجاح، مسجلا. لم يكن من الممكن تتبعه. ولكن الشبيبة قالوا أن اليوم التالي سيكون بثا مباشرا لإعدام نجاح.. إن اختار الناس ذلك.

أكثر من 62 % اختاروا إعدام نجاح. وعرضت النتيجة أمام شاشة كبيرة أمام أعين نجاح، وحانت لحظة الحقيقة، لحظة تنفيذ حكم الناس في هذه الموظفة البسيطة. وأخبرها ثيسيوس، أن هذه نهايتها. وأنه ربما لو طلبت عفو الناس الآن، تتغير الكفة، وأنه سيعطيها بالضبط دقيقتين لتذكر أسماء آخرين.. ربما تفدي نفسها بذلك، وقام بتفعيل عداد التفجير على العد التنازلي 10 دقائق.

شرعت نجاح في التحدث ثانية، هذه المرة كان بثا مباشرا. هذه المرة كانت نجاح تعرف أن الجميع يريدها مقتولة، وأنها ثمة فرصة واحدة فقط لتستدر عطف الملايين ولو بالكذب لتنجو.


القائمة

أحمد أخو ناجي وابن الدكتور محمود الآخر، لم يكن اجتماعيا، ولكنه كان يملك من المهارات التقنية ما يكفي. حدثه ناجي، أن برأسه فكرة مجنونة..
في ثورة ديسمبر، هناك لحظة تجرأ فيها الناس على مقرات أمن الحرس الوطني.. وأحرقوها بما فيها. لقد شاء الناس التحرر، وظنوا أن ذلك يحررهم، وقد كانوا مخطئين.

أخبر أحمد أن موقعا اسمه "زين بوست" نشر عرضا شبكيا بشكل تقني لشبكة العلاقات لملاك شركة الحرس الوطني. وأنه لو عرف الناس هؤلاء بتفاصيل مساكنهم، وأعمالهم.. لكان أولى أن يذهبوا إليهم، ويقوم الناس جميعا بما فعله ثيسيوس: محاكمة علنية ببث مباشر لكل مجرم منهم.

ناجي كان يعرف أن ذلك ما حدث بالضبط في الثورة الثقافية بالصين، منصات محاكمة في كل شوارع الوطن للمجرمين. ولكنه اليوم يريد أن يعرف بالضبط من هؤلاء المجرمين؟


أحمد أخبره أن ما قام به موقع "زين بوست" قاعدة بيانات شبكية على آداة بسيطة تسمى Neo4j وأنه يمكن تطوير تلك الشبكة لتصبح ما هو أشبه بفيس بوك لشركة الحرس الوطني، يمكن لأي شخص الإدلاء بمعلومات عن أولئك الأشخاص بشكل غير مركزي. ربما استطرد في أمور تقنية، كاستخدام قاعدة بيانات مفتوحة غير مركزية لا تحفظ في مكان بعينه، وبذلك لا يمكن لأحد حذفها، وأنه بالإمكان الاستعانة بقاعدة بيانات من لهم حق الانتخاب التي يحتفظ بها والدهما سرا على سي دي.. وبذلك يمكن الحصول على عناوين الجميع وأرقام بطاقاتهم بشكل مباشر.. صحيح مر 10 أعوام على ثورة ديسمبر، ولكن حتى بعد 10 أعوام.. تبقى هذه المعلومات ذات قيمة.

في هذه اللحظة الحرجة بالضبط، كان كل ما يحتاجه الناس: فيس بوك لشركة الحرس الوطني، ليقيموا العدل بأنفسهم إن شاءوا.. إن ما يحرق الظلم، هو محاسبة أهله، لا مبانيه.. وماكيناته.
ناجي كان يستلهم الكثير من فكر "ثيسيوس"، هل كان يعرفه حقا؟

نعم. ولكن لم يخبر أحدهم. كان ثيسيوس قد كتب "مانيفستو" صغير للثورة، وكان يرى أن العمل بكل الطرق التقليدية السابقة لا يجدي، ولن يغير. وأنه يلزم استخدام حركة الشبيبة، مع ثوار 15 أبريل، مع طلاب الدكتور محمود، مع الجماهير.. في حركة شعبية واحدة.. تنتظر لحظة فوضى لتقيم العدل.

وإنه حين تتهيأ هذه اللحظة، يلزم أن تتوفر المعلومات لتجاوز ماكينة القتل. لن يواجه الناس الدبابات ولا السلاح.. ولكن سيواجهون الدولة الحقيقية.. الموظفين خلف تلك الماكينات. الموظفين الذين يمولون آلة القتل تلك بشكل مباشر أو غير مباشر... كالأستاذة نجاح.


10 دقائق

كانت نجاح قد فقدت أعصابها تماما، ثم بدأت في الحديث مرة أخرى، وقد بدا أمامها عداد الــ 10 دقائق عند الدقيقة التاسعة و50 ثانية.. وفهمت أن الوقت ليس في صالحها.. لا بد أن تخرج ما في جعبتها إن أرادت الحياة...

وأجهشت نجاح بالبكاء، وبدأت في الحديث عن مجلس إدارة شركة الحرس الوطني. قالت: بعد أن تمكنا من إزاحة كل الشركات المحلية الخاصة، وأبقينا فقط الشركات المتعاونة مع قادة الحرس الوطني، أصبحت مهمتنا توريد الأموال من خزينة الدولة إلى الشركات. يدفع الناس فواتير الكهرباء، وتنقب شركات الحرس الوطني عن البترول.. وتصب كل تلك الأموال بما فيها ما نأخذه من قروض داخل الخزينة العامة. حتى ما يدخره الناس من تأمينات اجتماعية كل شهر، أو ما يتركونه كودائع في البنك نأخذها لصالح أي شيء يمكن شراؤه من شركات الحرس الوطني الخاصة.. نعم.. كنا نأخذ الأموال بأي شكل من الناس إلى قادة الحرس الوطني.

لا تقتلوني، أنا نادمة على مافعلت.. وفعلت ذلك ظنا مني أني أخدم الوطن، بزيادة مال الحرس الوطني. أعرف أننا سرقنا حتى أموال موظفينا.. ولكن كنا نحمي الوطن من الإرهابيين.

راقبت بعدها الأستاذة نجاح العداد، واختفى ثيسيوس. واختار الناس بأغلبية أن تقتل. وانتظر الجميع أن تنفجر القنبلة في الوقت الموعود.. ولكن لم يحدث ذلك. وظن الجميع أن ثمة عطب في القنبلة. ولكن بينما العيون كلها على لحظة موت الأستاذة نجاح، نُشرت قائمة كان قد أعدها أحمد بأسماء كل من هم مثل الأستاذة نجاح في أرض التجمع! كانت القائمة على شكل موقع لا يمكن حجبه، كفيس-بوك يحمل تفاصيل السكن، والوظيفة وتهم مبدئية لكل من هم على شاكلة الأستاذة نجاح....

و وصلت قوات الحرس الوطني لمكان الأستاذة نجاح.. وحاولوا التعامل مع القنبلة.. فإذا بها لعبة أطفال لا تضر ولا تنفع!
الأستاذة نجاح حرة؟ كيف ستسير هي أو الآخرين في الشارع؟


الأسطورة

في قصة الصين التاريخية، تم قتل مئات الآلاف في محاكمات شعبية بالثورة الثقافية التي قامت بالصين. كان الحرس الأحمر يقيم المحاكم في الطرقات لكل الخارجين على الثورة. لم يكن يملك الحرس الأحمر أي قوائم أو تكنولوجيا تساعده، ولكن كان يملك الوعي بأنه يلزم محاسبة الجميع مباشرة حفظا للثورة. وأوشكت الصين على الوصول لحرب أهلية، ثم قامت الصين التي نراها اليوم.

أما القصة أعلاه، منقولة بحذافيرها من مسلسل كندي اسمه: كونتينيوم. يتحدث عن حركة تحرر تستخدم الزمن كآداة ضمن أدواتها الثورية. القصة أعلاه مجرد نقل حرفي مباشر لأحداث أحد حلقات المسلسل ليس إلا. أي أنها عمل أدبي بحت، تم تعريبه.

وأخيرا، في أسطورة ثيسيوس، عاد الابن بعد أن قتل الميناتور ولكن نسي أن يغير أشرعته للون الأبيض كما وعد أبيه.. فلما رآه الأب، انتحر ظنا منه أن ابنه قد قتل وقبل أن تصل السفن لميناء أثينا! وثيسيوس لم يكن رجلا عاديا، قتل وحشا واحدا.. وإنما تحكى عنه الأساطير وعن حكمه بعد وصوله أثينا، حتى اختلط على الناس أهو هرقل؟ أهو حقا بشر؟ أم أن كل ذلك أساطير..
ربما جيلنا كثيسيوس.. أسطورة رجل عاد بشراع أسود، فظن الناس أنه مات، ولكنه حقيقة كان عائدا ليبدأ أسطورة أخرى أكبر من سابقتها. ربما هناك المزيد ينتظرنا..


- تم نشر هذه التدوينة في موقع مدونات الجزيرة


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-haleem/story_b_18419558.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات