وتكبر القائمة ويكبر معها الوجع!
أسأل قلبي: "بأي ذنب سُجنوا؟!"... "صَهْ"، يقول القلب.. "صَه، فإن الحب اليوم جرم، وترديد ذكر المحبوب وصونه بكل الجوارح كارثة تستحق القتل لا الأسر وحسب".
يقتل صمتي صوتي، كما الكثيرين، وتنطلق الأحاسيس تترى يحارب بعضها بعضاً، بين رجاء وغضب وانتفاضة وألم.
يهزأ بي العقل، ويلعن ألف مرة سذاجتي، وتستمر المأساة. مأساة سيدة الموقف فيها عاطفة مشلولة وكفى، لا يد فيها إلا لأمل أتقن فيه "الهمز" احتلال الفضاء فلم يترك لـ"العين" مجالاً لتعويضه.
صدقوني، هي ملحمة متعددة الفصول والمشاهد، لكنها في النهاية واحدة. ملحمة أبطالها أناس رضعوا حليب العز، ومسح جمالُ القبة الذهبية على قلوبهم مسحة حب خالد، وعطَّر ثَرى الأقصى أنوفهم حتى عبقت أرواحهم، فكان للأرض أن تجذبهم إليها انطياعاً ليثبُتوا كما المآذن والأسوار، يحسبهم العابر جزءاً لا يتجزأ من جغرافيا المكان. غرسوا جذور قلوبهم بكل شبر من حدائق الأقصى، لتنافس الزيتون في ذكرى الصمود. ذاك الحمام يسابق النسمات زاكية بطيف أنفاس المحبة قد سمت من كل حر فيهم وسارت بانسياب. تعرفهم المحاريب، وتأنس بخطاهم الأروقة، وتجري فرحاً بحضورهم مياه الأسبلة عذبةً لكأنها قبست من الكوثر قبساً!
يباغتني سؤال أحد المتفرجين على الملحمة بالمقعد الموجود على يميني، قاطعاً عليّ الغوص بين عوالم الملحمة: "مَن الأبطال؟". أحار في الرد، وأضيع بين متاهات البحث ليحضرني الجواب: "بباب المغاربة المغلق تجدهم، تصدح أصوات تكبيرهم لتعم أزقة المسجد طراً. وتعلو سبّاباتهم لترمقها بمدخل الحارة مرفوعة متراصة، كأنها الخَلق يوم البعث تنتظر الحساب. سوى أن الظالم المدحور يراها سهاماً مهلكة بما حملت من قوة اليقين.".
لكني ما أفتأ أتمّ الرد حتى يربكني المشهد الصادم.. لقد سجنوا الأوتاد، وعتوا في الأرض الفساد، وانطلقوا يرمونهم في جب الظلم والظلم دون زاد..
مع كل اسم ينضاف، يثقل ميزان الخيبة والحسرات.. بِشيخ الأقصى عادوا ليبدأوا، رائد كما اسمه الخالد "رائد صلاح"، ولم يكفِهم من الحقد ما جنت أيديهم ليمروا إلى الحرائر، ابتداءً بالسيدة المرابطة الوقور، ذات البسمة "سحر النتشة"، مروراً إلى أم الأحمد والحسام وذات النور "خديجة خويص"، وصولاً إلى رفيقتها الصدوق، ذات الألق والإشراق "هنادي الحلواني".
يتضاعف الألم الغائر، ويتردد السؤال الحائر "بأي ذنب سُجنوا؟!".. ويليه هاته المرة صمت!
لا يكسر الصمت سوى همس لضمير صحا فجأة: "متفرج لست إلا يا ذليل، فبأي صفة تراك ترجو الانضمام وبأي شكل، إلى صفوف الملحمة؟".
يتوقف المشهد -بشكل مؤقت- ولما تنته الملحمة الطويلة بعدُ، ويسدل الستار على كواليس الاعتداء وراء أسوار السجون وعلى طاولة أحكام عبثية للتمديد والتأجيل، بانتظار إفراغ المعالم مما بقي من أبطال عند فتح الستار من جديد..
سوى أننا -جموع المتفرجين- لا نبرح المقاعد جميعاً. يعود بعضنا لينتظر كالمشلول تتمة المشهد، لذرف الدمع على اسم جديد ينضاف لقائمة العدو الطويلة المتسعة للكثير من الأسماء الأخرى. في الوقت الذي تنسحب فيه جموع أخرى لتواصل حياتها بشكل طبيعي نمطي، مخدَّرة الإحساس كأنها كانت على موعد مع مسرحية كوميدية أو عرض ترفيهي عابر.
نحاول -نحن الملازمين لمقاعدنا- الانتظار، على أمل دائم بارتقاء منصة الملحمة للانخراط في المشاهد، لنكتشف بعد طول انتظار أن ذلك ضرب من الاستحالة فيغتالنا العجز...
يبقى الاستفهام المتربِّع على عرش الموقف -بل المواقف- قائماً حول سبب الاستحالة، والحق أن الجواب جليٌّ لكل ناظر وعابر؛ لأن أشباحاً تحرك أطرافها العاطفة والهوى، وتهيم باختياراتها الشهوات وتتلاعب بها، تذرف الدمع لبضع ثوانٍ وتكتفي بالصراخ والعويل لحين، لا تستحق سوى البقاء على هامش التاريخ، ويستحيل لها أن ترتقي ملحمة البطولة وتستوي أكتاف ذويها بأكتاف أبطال نبض قلوبهم "قدس" وقدس أحلامهم "نصر وفتح" لأقصى أُغلق ظاهراً، واستحال منع إسراء الأرواح إليه مذ باركه الله..
من يذود اليوم عن البيت المقدس، يا أسى البيت!
أعيدوا للأقصى أوتاده وادفنوا تحت طين الذل أجساد خيبتنا.. ولا ترثوا ضمائرنا، فقد رثاها قبلكم الزمن يا أوتاد أقصانا!
أسأل قلبي: "بأي ذنب سُجنوا؟!"... "صَهْ"، يقول القلب.. "صَه، فإن الحب اليوم جرم، وترديد ذكر المحبوب وصونه بكل الجوارح كارثة تستحق القتل لا الأسر وحسب".
يقتل صمتي صوتي، كما الكثيرين، وتنطلق الأحاسيس تترى يحارب بعضها بعضاً، بين رجاء وغضب وانتفاضة وألم.
يهزأ بي العقل، ويلعن ألف مرة سذاجتي، وتستمر المأساة. مأساة سيدة الموقف فيها عاطفة مشلولة وكفى، لا يد فيها إلا لأمل أتقن فيه "الهمز" احتلال الفضاء فلم يترك لـ"العين" مجالاً لتعويضه.
صدقوني، هي ملحمة متعددة الفصول والمشاهد، لكنها في النهاية واحدة. ملحمة أبطالها أناس رضعوا حليب العز، ومسح جمالُ القبة الذهبية على قلوبهم مسحة حب خالد، وعطَّر ثَرى الأقصى أنوفهم حتى عبقت أرواحهم، فكان للأرض أن تجذبهم إليها انطياعاً ليثبُتوا كما المآذن والأسوار، يحسبهم العابر جزءاً لا يتجزأ من جغرافيا المكان. غرسوا جذور قلوبهم بكل شبر من حدائق الأقصى، لتنافس الزيتون في ذكرى الصمود. ذاك الحمام يسابق النسمات زاكية بطيف أنفاس المحبة قد سمت من كل حر فيهم وسارت بانسياب. تعرفهم المحاريب، وتأنس بخطاهم الأروقة، وتجري فرحاً بحضورهم مياه الأسبلة عذبةً لكأنها قبست من الكوثر قبساً!
يباغتني سؤال أحد المتفرجين على الملحمة بالمقعد الموجود على يميني، قاطعاً عليّ الغوص بين عوالم الملحمة: "مَن الأبطال؟". أحار في الرد، وأضيع بين متاهات البحث ليحضرني الجواب: "بباب المغاربة المغلق تجدهم، تصدح أصوات تكبيرهم لتعم أزقة المسجد طراً. وتعلو سبّاباتهم لترمقها بمدخل الحارة مرفوعة متراصة، كأنها الخَلق يوم البعث تنتظر الحساب. سوى أن الظالم المدحور يراها سهاماً مهلكة بما حملت من قوة اليقين.".
لكني ما أفتأ أتمّ الرد حتى يربكني المشهد الصادم.. لقد سجنوا الأوتاد، وعتوا في الأرض الفساد، وانطلقوا يرمونهم في جب الظلم والظلم دون زاد..
مع كل اسم ينضاف، يثقل ميزان الخيبة والحسرات.. بِشيخ الأقصى عادوا ليبدأوا، رائد كما اسمه الخالد "رائد صلاح"، ولم يكفِهم من الحقد ما جنت أيديهم ليمروا إلى الحرائر، ابتداءً بالسيدة المرابطة الوقور، ذات البسمة "سحر النتشة"، مروراً إلى أم الأحمد والحسام وذات النور "خديجة خويص"، وصولاً إلى رفيقتها الصدوق، ذات الألق والإشراق "هنادي الحلواني".
يتضاعف الألم الغائر، ويتردد السؤال الحائر "بأي ذنب سُجنوا؟!".. ويليه هاته المرة صمت!
لا يكسر الصمت سوى همس لضمير صحا فجأة: "متفرج لست إلا يا ذليل، فبأي صفة تراك ترجو الانضمام وبأي شكل، إلى صفوف الملحمة؟".
يتوقف المشهد -بشكل مؤقت- ولما تنته الملحمة الطويلة بعدُ، ويسدل الستار على كواليس الاعتداء وراء أسوار السجون وعلى طاولة أحكام عبثية للتمديد والتأجيل، بانتظار إفراغ المعالم مما بقي من أبطال عند فتح الستار من جديد..
سوى أننا -جموع المتفرجين- لا نبرح المقاعد جميعاً. يعود بعضنا لينتظر كالمشلول تتمة المشهد، لذرف الدمع على اسم جديد ينضاف لقائمة العدو الطويلة المتسعة للكثير من الأسماء الأخرى. في الوقت الذي تنسحب فيه جموع أخرى لتواصل حياتها بشكل طبيعي نمطي، مخدَّرة الإحساس كأنها كانت على موعد مع مسرحية كوميدية أو عرض ترفيهي عابر.
نحاول -نحن الملازمين لمقاعدنا- الانتظار، على أمل دائم بارتقاء منصة الملحمة للانخراط في المشاهد، لنكتشف بعد طول انتظار أن ذلك ضرب من الاستحالة فيغتالنا العجز...
يبقى الاستفهام المتربِّع على عرش الموقف -بل المواقف- قائماً حول سبب الاستحالة، والحق أن الجواب جليٌّ لكل ناظر وعابر؛ لأن أشباحاً تحرك أطرافها العاطفة والهوى، وتهيم باختياراتها الشهوات وتتلاعب بها، تذرف الدمع لبضع ثوانٍ وتكتفي بالصراخ والعويل لحين، لا تستحق سوى البقاء على هامش التاريخ، ويستحيل لها أن ترتقي ملحمة البطولة وتستوي أكتاف ذويها بأكتاف أبطال نبض قلوبهم "قدس" وقدس أحلامهم "نصر وفتح" لأقصى أُغلق ظاهراً، واستحال منع إسراء الأرواح إليه مذ باركه الله..
من يذود اليوم عن البيت المقدس، يا أسى البيت!
أعيدوا للأقصى أوتاده وادفنوا تحت طين الذل أجساد خيبتنا.. ولا ترثوا ضمائرنا، فقد رثاها قبلكم الزمن يا أوتاد أقصانا!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/chaymae-jroundi/-_13431_b_18077060.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات