الأحد، 1 أكتوبر 2017

مواقع التواصل ومشاعرنا التي باتت على الملأ!

مواقع التواصل ومشاعرنا التي باتت على الملأ!

جملة قرأتها أعجبتني كثيراً، وكانت الدافع وراء كتابة هذا المقال، كانت تقول "كان يرهق نفسه في جمع المال لأجلها، ولم تكن ترغب هي إلا في وجوده بقربها"، حركت بداخلي الكثير من المعاني، وتذكرت الكثير من العلاقات التي مرت أمامي ليس فقط بين اثنين مرتبطين، لكن أيضاً على مستوى جميع العلاقات؛ أب بأبنائه، الأخ الكبير إذا كان عائلاً لأسرته، أم بأطفالها، وغيرها من العلاقات القائمة على فكرة المسؤولية وتحمُّل أعباء الحياة.

نعم، أعلم جيداً أن الحياة صعبة، وكل رب أسرة شغْله الشاغل هو تأمين مستقبل أولاده، وكل زوج يريد أن يجعل زوجته ملكة متوَّجة لا تحتاج لأحد يوفر لها كل ما تريد، فيُهلك نفسه في العمل، فيرهق جسمانياً أو ذهنياً، كل حسب طبيعة عمله؛ ومن ثم يستنفد طاقته، وحينما يأتي وقت جلوسه مع أبنائه أو زوجته، ينعدم الكلام، فهو يأتي للبيت للراحة والاستجمام ليستطيع مواصلة مشاق العمل في اليوم الآخر، وتستمر الحياة على هذا المنوال بلا أي طعم


أعتقد أن الحياة أبسط من ذلك بكثير، نعم هي دار عناء ومشقة وأيضا ابتلاء، لكن علينا استغلالها بشكل نستطيع الاستمتاع بها، فالحب في حياتنا هو دافع قوي للاستمتاع والتمتع بكل لحظة نعيشها، التعبيرعن مشاعرنا لبعضنا البعض من باب التحدث وكنوع من الرأفة والرحمة فيما بيننا، عامل مؤثر جداً، كما أنَّ للكلمة أهميتَها في دين الإسلام، فقد ترفع صاحبها أعلى الدرجات، وقد تهوي به في النار.

وقال صلى الله عليه وسلم: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ" (متفق عليه).

كما قال ابن عثيمين (رحمه الله): "الصدقة لا تختص بالمال؛ بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل".

وعن المقدام بن معد يكرب (رضي الله عنه)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه".


إذن، فتعبيرنا عن مشاعرنا تجاه من نحبهم، له تأثير السحر عليهم، الحياة ليست ماديات فقط، فالموت يأتي في لحظة، ويصبح الإنسان مجرد ذكرى في هذا العالم، لذلك أتساءل دائماً: أين الحب والرومانسية، والمشاعر الدفيئة في حياتنا؟! أين العطف والحنان ومساعدة الغير؟! أين الرضا بما كتبه الله لنا؟! أين نعمة الشكر والاعتراف بالجميل وبنعم رب الناس عليك التي لا تعد ولا تحصى، قبل الناس أنفسهم الذين ساعدوك طوال مشوار حياتك؟!

للأسف، مع التقدم الهائل في مجال التكنولوجيا وظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت مشاعرنا مباحة للجميع إلا المقربين إلينا، وهم الأولى والأحق بهذه المشاعر، أصبحت كلمات أمثال "يا حبي، يا عمري، يا قلبي..." تقال للجميع، البعيد قبل القريب، نلاحظها بكثرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبين النشطاء وبعضهم البعض من خلال حساباتهم الشخصية.

أيضاً، أحضان المطارات، والفضفضة بكل ما في القلب، أصبحت للأصدقاء وأحياناً لبعض العلاقات العابرة في حياتنا، في حين نأتي لأقرب الناس إلينا -وهم الأولى بهذه المشاعر والأحاسيس- فنكون أمامهم جثثاً تأكل وتشرب، وتنام في نهاية النوم، وإذا تكلمت اشتكت أو ربما تألمت مرضاً؛ لاستعطاف من حولها أو لتجد من يداويها .

لا أقصد في كلامي هذا إنكار نعمة العلاقات والأصدقاء المقربين، فرب صديقة خير من أخت أو أخ شقيق، لكن الفكرة هي في المرحلة التي وصلنا إليها؛ علاقات متداخلة، ومشاعر متدفقة وملتهبة على السوشيال ميديا، وأسئلة وإجابات ومواقع أمثال "Ask" ،"fm"، "صراحة"، حيث استباحة الخصوصية، والخروج عن المألوف بأسئلة وإجابات تقشعر لها الأبدان، يكتبها صاحب الحساب على مواقع التواصل دون التعرف على هويته الحقيقية.

فالشاهد والمستدل من تفاعل الكثيرون مع مثل هذه المواقع هو أننا في أمسّ الحاجة للتعيبر عما بداخلنا، سواء كانت مشاعر إيجابية أو سلبية، المهم التحدث والبوح عما بداخلك. نعم، التحدث والفضفضة بكل صراحة ووضوح من أهم عوامل نجاح أي علاقة في حياتنا، لكن -للأسف- الخرس الزوجي والأسري بشكل عام أصبح من سمات هذا العصر، الذي أصبح نصيب الإنترنت فيه أكبر بكثير من نصيب جلوسنا وتحدثنا مع أقرب المقربين إلينا.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/asmaa-alshnwany/-_13429_b_18074712.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات