إنها أيام عصيبة على "تاج محل" المعلم السياحي الهندي الأشهر في مدينة أغرا الهندية، الذي يرمز للحب، فأسطحه الرخامية آخذة في الاصفرار من تأثير تلوث الجو، كما أن أعمال الصيانة والترميم طمست مآذنه الشهيرة. ما زال عشرات الملايين من السياح يفدون كل عام لرؤية المعلم، بيد أن الأرقام تشير إلى أن أعدادهم آخذة في الاضمحلال.
ليست تلك آخر مشكلات النصب التذكاري العريق، بل غدا للمعلم منتقدون تزداد شراستهم ضراوة يوماً بعد يوم، ففي الأشهر الأخيرة صعَّد القوميون الشعبويون الهندوس في الدولة ذات الغالبية الهندوسية من حملتهم ضد المبنى التاريخي، الذي يمتد عمره لـ4 قرون، مطالبين بإقصائه وإبعاده إلى هامش التاريخ الهندي؛ حتى إن أحد المشرّعين في البلاد أثار عاصفة وزوبعة وطنية داخل البلاد، عندما وصف الضريح التاريخي بكلمة "بقعة شائنة"، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
من المعروف أن المتطرفين اليمينيين الهندوس يُكنّون البغضاء لهذا المعلم الأشهر في البلاد، الذي بناه إمبراطور مسلم، ولكن تلك البغضاء كانت دوماً دفينة في أقصى أطراف ذلك اليمين، أما اليوم فقد تصاعدت وتيرة هذه المشاعر المعادية للمعلم التاريخي.
فالأصوات الهجومية على المبنى الشهير، الذي يمثل شريان حياة ولاية "أوتار براديش" الكبرى حيث يقع، قد تعالت، الأسبوع الماضي، لدرجة أن رئيس الولاية، رجل الدين الهندوسي يوغي أديتياناث، وهو من منتقدي تاج محل، قد اضطر لـ"قضاء يوم كامل في تدارك الأضرار" حسبما ذكرت صحيفة محلية، وذلك عندما قضى نهاراً كاملاً في زيارة رسمية مطوّلة إلى مدينة "أغرا"، الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول، لكي يصدر من هناك تصريحات وتأكيدات على أن تاج محل "جوهرة فريدة" تلتزم حكومته بحمايتها.
وقال أديتياناث "ينبغي علينا ألا نغوص كثيراً في تفاصيل كيف ومتى ولماذا بني تاج محل، فالمهم هو أنه بني بدماء وعرق فلاحي وعمال الهند".
"فترة عبودية"
وسط عاصفة الجدل ثمة معركة أكبر تدور حول ماضي وحاضر الهند، فالقوميون الهندوس على اختلاف وتدرج مناصبهم، وعلى رأسهم رئيس وزراء البلاد ناريندرا مودي باتوا اليوم يمارسون قدراً من القوة والسلطة لم يتمتعوا به من قبل في كل أنحاء البلاد.
فالعديد منهم، ومودي نفسه من بينهم، يرون أن القرون العديدة التي حكم فيها ملوك مسلمون شمال الهند لم تكن إلا فترة "عبودية" شأنها كشأن فترة "الراج" البريطاني.
يقول فيشال شارما، رئيس غرفة خدمات السياحة في "أغرا": "لذلك هم لديهم نظرة ومنحى معين تجاه أي أبنية شيّدها الحكام المسلمون".
قبل فوزه بانتخابات رئاسة ولاية "أوتار براديش"، شهر فبراير/شباط الماضي، عُرف عن أديتياناث خطابه المعادي للمسلمين، فهو الذي قضى 11 يوماً في السجن عام 2007 بتهمة التحريض الديني وإثارة القلاقل، وهو الذي شبّه ذات مرة بطل الأفلام الممثل شاه روخ خان بإرهابي، كما أنه أيضاً أطلق نداءات بأن تحذو الهند حذو دونالد ترامب وتفرض هي الأخرى حظر سفر على المسلمين.
وكان أديتياناث، شهر يونيو/حزيران، قد أشعل نار الغضب بتصريح له عبَّر فيه عن سعادته بأن زوار التشريفات من الشخصيات الرفيعة ما عادوا يُهدون مجسماً مصغراً للمعلم الأثري تذكاراً لهم لأن المبنى لا "يعكس الثقافة الهندية".
كذلك صدر مؤخراً كتيب سياحي من منشورات الدولة، حُذف فيه كل ذِكرٍ لتاج محل، فيما أسهب بتعداد مواقع الحج الهندوسية، بما فيها المعبد الهندوسي شرق "أوتار براديش" الذي كان أديتياناث نفسه يرأس
كهنته.
بقعة شائنة بناها الخونة
والشهر الحالي مضى إلى ما هو أبعد من ذلك العضو في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، سانغيت سوم المعروف بخطاباته المعادية، حيث نعت المعلم الأثري الذي يرجع إلى القرن الـ17 بأنه "بقعة شائنة" على جبين الثقافة الهندية "من بناء الخونة"، وقال أيضاً من جملة تصريحاته "إن تاج محل يجب ألا يكون له مكان في التاريخ الهندي"، مدعياً أن الإمبراطور المسلم شاه جاهان الذي بنى الضريح لزوجته المتوفاة كان قد "أراد محو الهندوس"، مضيفاً "إن كان هؤلاء جزءاً من تاريخنا، فهذا محزن جداً ولسوف نغير هذا التاريخ".
وتزيد الجدلَ لهيباً كتابات المؤرخ المتطرف بي إن أوك، الذي لم تكن أعماله ومؤلفاته تلقى رواجاً على مر السنين والعقود، أما الآن فهي تلقى رواجاً واحتفاء لا مثيل له في أوساط متشددي الهندوس، حيث يزعم المؤرخ أوك في كتاباته أن معظم أنحاء العالم كانت فيما مضى تحت حكم إمبراطورية هندوسية قديمة، وأن اللغة الإنكليزية ما هي إلا فرع عن السنسكريتية، وأن ويستمينيستر آبي هي في حقيقتها معبد هندوسي مخصص للإلهة "شيفا"، وأما عن تاج محل فقد قال إنه هو الآخر كان في أصله معبداً للإلهة شيفا من بناء المهراجا "جايبور"، وإن اسمه في الأصل كان "تيجو محلايا".
وطيلة هذا الشهر استشهد مشرعون في حزب "بهارتيا جاناتا" بنظرية أوك، من أجل إبداء شكوك حول أصل المبنى الأثري، وقد اعتقل الأسبوع الماضي 12 طالباً داخل مبنى تاج محل، وهم يصلون صلاة هندوسية للإلهة شيفا ضمن حرم المبنى.
وهذا الجدل أزعج الكثير من المؤرخين من بينهم، المؤرخ البارز للطراز المعماري في العصر المُغلي الهندي، إذ يقول "الأمر برمته خطأ وعارٍ عن المنطق"، فتاريخ مبنى تاج محل هو التاريخ الأكثر توثيقاً من بين كل المباني والمعالم الهندية، إذ دوَّنه وسطَّره في ذلك العصر 3 من مؤرخي البلاط. يشرح آن ناث قائلاً "نعرف بالضبط كيف تمت حيازة الأرض وكيف وضعت الأساسات وكيف تم البناء، وما من دليل واحد يدعم هذه النظرية القائلة إنه كان معبداً لشيفا".
مؤرخة أخرى هي "رنا صفوي" في حوزتها نسخة نادرة من سند التملك الفعلي الذي استخدمه "شاه جاهان" كي يحصل على قطعة الأرض لإنشاء المبنى. تقول "الأدلة واضحة على أن الموقع كان لقصر ضخم منيف"، وترى صفوي أن تاج محل ضحية حملة سياسية تهدف إلى إظهار التاريخ الهندي على أنه عبارة عن حرب واقتتال دائر بين هندوس البلاد ومسلميها، وتقول "ثمة اختلاف كبير بين المستعمرين كالبريطانيين وبين حكام البلاد كالمُغل الذين عاشوا في الهند وتزوجوا فيها وماتوا فيها".
وتتابع "باستثناء فترات وجيزة تحت حكم الإمبراطور المُغلي محيي الدين محمد أورنك زيْب عالمكير، فإننا لا نلحظ أي فترات كبيرة من الاقتتال بين طوائف المجتمع؛ فقد كانت تلك استثناءات، لا الوضع الطبيعي".
كانت الآمال معلقة على أن تضع زيارة أديتياناث للمعلم حداً لتلك العاصفة الأخيرة، سيما أن زيارته تمثل استدارة استراتيجية لمواجهة نار الحدث. ولكن لم يمض يوم على تلك الزيارة إلا و صدرت عن الهيئة التاريخية في مجموعة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، وهي أكبر تجمع للهندوس القوميين، مطالبات علنية بمنع المسلمين من الصلاة في حرم تاج محل.
أما شارما، رئيس غرفة سياحة "أغرا" فيتابع أحداث وجولات الجدل المستمر بقلق بالغ، ويقول "متى ظهرت اضطرابات أو حتى ظهرت أقاويل وتقارير عن وجود اضطرابات، فإن السياحة تتأثر. إن تاج محل يعود علينا بالكثير من العملة الأجنبية، وحتى السياحة المحلية ذات كم كبير جداً."
ويختم شارما بالقول "لو كان لأهالي "أغرا" الاختيار، لاختاروا تاج محل على هذه الحكومة".
ليست تلك آخر مشكلات النصب التذكاري العريق، بل غدا للمعلم منتقدون تزداد شراستهم ضراوة يوماً بعد يوم، ففي الأشهر الأخيرة صعَّد القوميون الشعبويون الهندوس في الدولة ذات الغالبية الهندوسية من حملتهم ضد المبنى التاريخي، الذي يمتد عمره لـ4 قرون، مطالبين بإقصائه وإبعاده إلى هامش التاريخ الهندي؛ حتى إن أحد المشرّعين في البلاد أثار عاصفة وزوبعة وطنية داخل البلاد، عندما وصف الضريح التاريخي بكلمة "بقعة شائنة"، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
من المعروف أن المتطرفين اليمينيين الهندوس يُكنّون البغضاء لهذا المعلم الأشهر في البلاد، الذي بناه إمبراطور مسلم، ولكن تلك البغضاء كانت دوماً دفينة في أقصى أطراف ذلك اليمين، أما اليوم فقد تصاعدت وتيرة هذه المشاعر المعادية للمعلم التاريخي.
فالأصوات الهجومية على المبنى الشهير، الذي يمثل شريان حياة ولاية "أوتار براديش" الكبرى حيث يقع، قد تعالت، الأسبوع الماضي، لدرجة أن رئيس الولاية، رجل الدين الهندوسي يوغي أديتياناث، وهو من منتقدي تاج محل، قد اضطر لـ"قضاء يوم كامل في تدارك الأضرار" حسبما ذكرت صحيفة محلية، وذلك عندما قضى نهاراً كاملاً في زيارة رسمية مطوّلة إلى مدينة "أغرا"، الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول، لكي يصدر من هناك تصريحات وتأكيدات على أن تاج محل "جوهرة فريدة" تلتزم حكومته بحمايتها.
وقال أديتياناث "ينبغي علينا ألا نغوص كثيراً في تفاصيل كيف ومتى ولماذا بني تاج محل، فالمهم هو أنه بني بدماء وعرق فلاحي وعمال الهند".
"فترة عبودية"
وسط عاصفة الجدل ثمة معركة أكبر تدور حول ماضي وحاضر الهند، فالقوميون الهندوس على اختلاف وتدرج مناصبهم، وعلى رأسهم رئيس وزراء البلاد ناريندرا مودي باتوا اليوم يمارسون قدراً من القوة والسلطة لم يتمتعوا به من قبل في كل أنحاء البلاد.
فالعديد منهم، ومودي نفسه من بينهم، يرون أن القرون العديدة التي حكم فيها ملوك مسلمون شمال الهند لم تكن إلا فترة "عبودية" شأنها كشأن فترة "الراج" البريطاني.
يقول فيشال شارما، رئيس غرفة خدمات السياحة في "أغرا": "لذلك هم لديهم نظرة ومنحى معين تجاه أي أبنية شيّدها الحكام المسلمون".
قبل فوزه بانتخابات رئاسة ولاية "أوتار براديش"، شهر فبراير/شباط الماضي، عُرف عن أديتياناث خطابه المعادي للمسلمين، فهو الذي قضى 11 يوماً في السجن عام 2007 بتهمة التحريض الديني وإثارة القلاقل، وهو الذي شبّه ذات مرة بطل الأفلام الممثل شاه روخ خان بإرهابي، كما أنه أيضاً أطلق نداءات بأن تحذو الهند حذو دونالد ترامب وتفرض هي الأخرى حظر سفر على المسلمين.
وكان أديتياناث، شهر يونيو/حزيران، قد أشعل نار الغضب بتصريح له عبَّر فيه عن سعادته بأن زوار التشريفات من الشخصيات الرفيعة ما عادوا يُهدون مجسماً مصغراً للمعلم الأثري تذكاراً لهم لأن المبنى لا "يعكس الثقافة الهندية".
كذلك صدر مؤخراً كتيب سياحي من منشورات الدولة، حُذف فيه كل ذِكرٍ لتاج محل، فيما أسهب بتعداد مواقع الحج الهندوسية، بما فيها المعبد الهندوسي شرق "أوتار براديش" الذي كان أديتياناث نفسه يرأس
كهنته.
بقعة شائنة بناها الخونة
والشهر الحالي مضى إلى ما هو أبعد من ذلك العضو في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، سانغيت سوم المعروف بخطاباته المعادية، حيث نعت المعلم الأثري الذي يرجع إلى القرن الـ17 بأنه "بقعة شائنة" على جبين الثقافة الهندية "من بناء الخونة"، وقال أيضاً من جملة تصريحاته "إن تاج محل يجب ألا يكون له مكان في التاريخ الهندي"، مدعياً أن الإمبراطور المسلم شاه جاهان الذي بنى الضريح لزوجته المتوفاة كان قد "أراد محو الهندوس"، مضيفاً "إن كان هؤلاء جزءاً من تاريخنا، فهذا محزن جداً ولسوف نغير هذا التاريخ".
وتزيد الجدلَ لهيباً كتابات المؤرخ المتطرف بي إن أوك، الذي لم تكن أعماله ومؤلفاته تلقى رواجاً على مر السنين والعقود، أما الآن فهي تلقى رواجاً واحتفاء لا مثيل له في أوساط متشددي الهندوس، حيث يزعم المؤرخ أوك في كتاباته أن معظم أنحاء العالم كانت فيما مضى تحت حكم إمبراطورية هندوسية قديمة، وأن اللغة الإنكليزية ما هي إلا فرع عن السنسكريتية، وأن ويستمينيستر آبي هي في حقيقتها معبد هندوسي مخصص للإلهة "شيفا"، وأما عن تاج محل فقد قال إنه هو الآخر كان في أصله معبداً للإلهة شيفا من بناء المهراجا "جايبور"، وإن اسمه في الأصل كان "تيجو محلايا".
وطيلة هذا الشهر استشهد مشرعون في حزب "بهارتيا جاناتا" بنظرية أوك، من أجل إبداء شكوك حول أصل المبنى الأثري، وقد اعتقل الأسبوع الماضي 12 طالباً داخل مبنى تاج محل، وهم يصلون صلاة هندوسية للإلهة شيفا ضمن حرم المبنى.
وهذا الجدل أزعج الكثير من المؤرخين من بينهم، المؤرخ البارز للطراز المعماري في العصر المُغلي الهندي، إذ يقول "الأمر برمته خطأ وعارٍ عن المنطق"، فتاريخ مبنى تاج محل هو التاريخ الأكثر توثيقاً من بين كل المباني والمعالم الهندية، إذ دوَّنه وسطَّره في ذلك العصر 3 من مؤرخي البلاط. يشرح آن ناث قائلاً "نعرف بالضبط كيف تمت حيازة الأرض وكيف وضعت الأساسات وكيف تم البناء، وما من دليل واحد يدعم هذه النظرية القائلة إنه كان معبداً لشيفا".
مؤرخة أخرى هي "رنا صفوي" في حوزتها نسخة نادرة من سند التملك الفعلي الذي استخدمه "شاه جاهان" كي يحصل على قطعة الأرض لإنشاء المبنى. تقول "الأدلة واضحة على أن الموقع كان لقصر ضخم منيف"، وترى صفوي أن تاج محل ضحية حملة سياسية تهدف إلى إظهار التاريخ الهندي على أنه عبارة عن حرب واقتتال دائر بين هندوس البلاد ومسلميها، وتقول "ثمة اختلاف كبير بين المستعمرين كالبريطانيين وبين حكام البلاد كالمُغل الذين عاشوا في الهند وتزوجوا فيها وماتوا فيها".
وتتابع "باستثناء فترات وجيزة تحت حكم الإمبراطور المُغلي محيي الدين محمد أورنك زيْب عالمكير، فإننا لا نلحظ أي فترات كبيرة من الاقتتال بين طوائف المجتمع؛ فقد كانت تلك استثناءات، لا الوضع الطبيعي".
كانت الآمال معلقة على أن تضع زيارة أديتياناث للمعلم حداً لتلك العاصفة الأخيرة، سيما أن زيارته تمثل استدارة استراتيجية لمواجهة نار الحدث. ولكن لم يمض يوم على تلك الزيارة إلا و صدرت عن الهيئة التاريخية في مجموعة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، وهي أكبر تجمع للهندوس القوميين، مطالبات علنية بمنع المسلمين من الصلاة في حرم تاج محل.
أما شارما، رئيس غرفة سياحة "أغرا" فيتابع أحداث وجولات الجدل المستمر بقلق بالغ، ويقول "متى ظهرت اضطرابات أو حتى ظهرت أقاويل وتقارير عن وجود اضطرابات، فإن السياحة تتأثر. إن تاج محل يعود علينا بالكثير من العملة الأجنبية، وحتى السياحة المحلية ذات كم كبير جداً."
ويختم شارما بالقول "لو كان لأهالي "أغرا" الاختيار، لاختاروا تاج محل على هذه الحكومة".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/10/31/story_n_18427272.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات