الأحد، 1 أكتوبر 2017

أن تكون رقمًا فى سجلات الظلم

أن تكون رقمًا فى سجلات الظلم

كان سبب الوفاة الأشهر في تاريخ وزارة الداخلية هو (هبوط حاد في الدورة الدموية). كل من لا يستطيع أن يتحمل الضرب والتعذيب كان يموت دائماً بهبوط حاد في الدورة الدموية. تطور الأمر وأصبح هناك من ينتحر بكوفية في عز الصيف على غرار أفلام هوليوود، أو يختفي لمدة شهور ثم تُلقى جثته على جانبي الطريق الصحراوي.. ثم ظهرت أخيراً موجة التصفية.

تقرأ خبراً أن الشرطة تقوم بتصفية خلية إرهابية بعد تبادل في إطلاق النار.. أصبح هذا عادياً ومألوفاً، وتقرأه بين الحين والآخر تماماً مثلما تقرأ حالة الطقس. الأسوأ من الظلم هو تعوده. الداخلية تتهم، وتحكم، وتقوم بتنفيذ الحكم في الحال. حتى في موضوع التصفية خارج إطار القانون، في الماضي القريب كانت الشرطة تقوم بعقد مؤتمر صحفي صغير -بعد قتل من تريد- لعرض الأسلحة التي استخدمها "الإرهابيون" أو القنابل التي كانوا يقوموا بتصنيعها. حتى هذا المؤتمر الصحفي الوهمي والأدلة الخادعة لم يعد هناك حاجة إلى القيام بها!

منذ أيام، قررت النيابة حفظ التحقيق في قضية المرحوم جيكا، الذي قُتل في أحداث محمد محمود في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012. أصيب بمقذوف في رأسه ومات بعد 5 أيام من وصوله إلى المستشفى. بعد 5 سنوات من موته، قُيدت القضية ضد مجهول؛ لعدم التوصل إلى الجناة!

في تصريح الدفن، كُتب سبب الوفاة: "قرار نيابة رقم 79 لسنة 2017 أمن دولة". هكذا بكل بساطة، سبب الوفاة هو قرار النيابة المتمثل في مجموعة أرقام!

نعم، يوجد في العديد من تصاريح الدفن أن سبب الوفاة هو قرار للنيابة. لكن الأمر يبدو غريباً عندما تقرأه وتراه عيناك وتسأل: كيف يكون قرار النيابة سبباً للوفاة بشكل أو بآخر. هل يكون تأخير العدل سبباً للوفاة؟ أن يُسجن متهم 3 سنوات حبساً احتياطياً، أيُعتبر ذلك نوعاً من أنواع القتل؟! أن تُستخدم السلطة القضائية لمساعدة إخفاء الحقائق وأحياناً تزييفها، أذلك جريمة؟!

منظومة العدل من الألف إلى الياء هي منظومة ظالمة ولا بد أن تتغير وتتطور. لن يعود أي شيء لما قبل يناير/كانون الثاني 2011، وهذا ما يتجاهله النظام. لن تستطيع إخفاء جرائم التعذيب. تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة سوف تستمر في فضح الحقائق ولن تستطيع حجبها إلى الأبد. الدول الغربية لها برلمانات حقيقية حرة ذات سيادة تسأل حكوماتها عن جهات إنفاق المعونات والحكومات التي تتلقاها. بدلاً من محاولة تعطيل الحق وإخفاء الحقيقة، لا بد من مواكبة هذه الدول؛ حتى يصبح الفساد والظلم أموراً شاذة وأن يكون العدل هو الطبيعي والمتوقع.

والله، لو سخّرت ألف مليون شيخ وقسيس وداعية يخطبون ليل نهار بشرعية حكمك، لو إشتريت كل القنوات الفضائية والإذاعية والجرائد والمجلات كي يتغازلوا بالإنجازات الوهمية، ولو حجبت كل المواقع المستقلة وكسرت كل الأقلام ذات الألوان المختلفة- فلن تستطيع حماية نظام كهذا إلى الأبد.

ربما يتأخر العدل، ولكنه لا بد سيعود. الشرعية تُصنع وتُكتسب من حرية الشعوب. الحرية فقط هي التي تمنح الدولة قوة وهيبة حقيقية، وليست تلك الهيبة الزائفة التي يُسجن بها المعارضة.

عندما يكون الشعب حراً، يحب وطنه بدلاً من أن يكرهه هذه الكراهية التي تحنق المواطنين إلى حدود بعيدة وتدفعهم إلى أنواع بشعة من القسوة. القسوة تولد الغضب الذي سيكون انتقاماً للكرامة المهدورة والوعود الخائبة والرجاء الكاذب.

لن تفلح محاولات أي نظام يريد من شعبه أن يتحمل كل شيء بمذلة وأن يخضع خضوعاً تاماً دون أي احتجاج ليكون مجرد رقم في قائمة حكومية للمعتقلين والمسجونين والمقتولين. ببساطة شديدة جداً، لا يمكن تدمير الإنسان بسبب إرادته البسيطة في أن يكون حراً. هكذا قال وليام فوكنز.



ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/raafat-rohaiem/story_b_18085310.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات