الخميس، 30 نوفمبر 2017

في ظل الحصار.. ماذا يعني أن تقضي 10 دقائق في اليمن؟

في ظل الحصار.. ماذا يعني أن تقضي 10 دقائق في اليمن؟

في إحدى قرى مديرية العدين وسط اليمن، استيقظ الأهالي على فاجعة هزّت جميع البطون الخاوية، ثمة امرأة في العقد الثالث من العمر وُجدت ميتة برفقة بناتها الثلاث، كان السبب الجوع المغلّف بالخوف فقد فقدت هذه المرأة زوجها في الحرب، وانقطع على أثر ذلك مصدر دخل الأسرة، ومع الحصار الشديد الذي تشهده اليمن، وصعوبة الحصول على الطعام، وحتى لا تذلّ نفسها بسؤال الناس، تناولت مع بناتها العشاء الأخير بعد أن وضعت فيه كمية كبيرة من السم ثم سلَّمت روحها وأرواح بناتها للموت دون ضجيج، كان فعلها هروباً للأمام من ألم الجوع الذي فتك بأسرتها الصغيرة، فقد قررت الأم أن تغلق باب بيتها وتغلق معه ألم الجوع إلى الأبد.

هذه ليست قصة الجوع الوحيدة هناك مئات القصص التي صرنا نسمع عنها كل يوم، فالبلد الذي تم تحويله إلى سجن كبير لسكانه بات يشهد أكبر مأساة يمكن أن يشهدها بلد، فهناك 28 مليون إنسان يسكنون اليمن تتم محاصرتهم براً وبحراً وجواً، ويُمنع عنهم دخول المواد الغذائية الأساسية، في ظل انتشار مخيف لوباء الكوليرا الذي أصاب حوالي 900 ألف إنسان حتى الآن، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية.

قبل عامين تعرّفت على جمال وهو رجل في الأربعينات يعمل في تنظيف السيارات في شوارع صنعاء، لجأ لهذا العمل بعد أن فقد وظيفته بسبب الحرب، بعدها بأشهر يخبرني جاري أنهم عثروا على جمال بالقرب من جسر الزبيري ميتاً من الجوع، مات وهو يربط على بطنه حجراً، لكن الحجر عجز أن يمنحه مسافة أطول من الحياة، فامتد على الرصيف وعانق الرحيل للأبد.

في منتصف العام 2016 قامت السعودية بقصف قوارب الصيد التي كان يعتمد عليها العديد من سكان الساحل الغربي في اليمن، راح على أثر ذلك عشرات الضحايا وانتشرت بعدها مجاعة مخيفة حصدت الآلاف من البشر، ورغم التقارير التي كانت تتحدث بها هيئات الإغاثة الإنسانية، فإن المجتمع الدولي لم يُحرك ساكناً وكأن الإنسانية مستويات تقتضي أن نتعاطف مع البعض ونغمض أعيننا عن آخرين.

لقد صار مجرد المرور في إحدى المدن أو القرى اليمنية كفيلاً بأن يجعلنا نعرف كيف غيَّرت الحرب وجه اليمن، وكيف أن الحصار المطبق على المدنييّن جعل الموت جاثماً فيها.

هذه المأساة الإنسانية تزداد سوءاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس، فموظفو القطاع العام مر عليهم قرابة العام ونصف العام بدون رواتب، أدى ذلك إلى إغلاق جميع المدارس والمصالح العامة ومع انقطاع مستلزمات الرعاية الطبية أُغلقت أيضاً الكثير من المنشآت الصحية.

في تصريحها الأخير ونتيجة لضغط بعض المنظمات الإنسانية، أعلنت السعودية أنها ستقوم بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة لوصول المساعدات الإنسانية، لكن للأسف لم يكن هذا الأمر سوى استهلاك إعلامي، فالإعلان جاء بعد قيام طيران تحالف السعودية بقصف أجهزة الملاحة الدولية التابعة للمطار مما يعني خروجه عن الخدمة الكاملة، فضلاً عن أن الطائرات التي وصلت لاحقاً لم تكن سوى طائرات تنقل بعض موظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة في حين ما زال ميناء الحديدة مغلقاً.

مع مرور الوقت تزداد مأساة اليمن سوءاً بسبب هذا الحصار المطبق، ويزداد معها أعداد الضحايا في ظل غياب أُفق لوقف الحرب التي أنتجتها السعودية وأخواتها على أرض اليمن ثم أصبحت لاحقاً زعيمة لحفلة عشاء مميت على صورة عشاء أمل، ومن سوء الأحوال صار اليمنيون يلتمسون بعضاً من أخلاق الحرب حتى، فالمطالبة بفتح معابر ومنافذ يعيشون من خلالها هو جُل ما يطلبونه كي لا يقفوا غداً في طوابير الموت الجماعي.

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة هناك 20 مليون يمني، أي حوالي 80% من عدد السكان، يواجهون شبح المجاعة من بينهم 11 مليون طفل، بينما لا يستطيع حوالي 15 مليون إنسان الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، أي أن الكثير من أفراد المجتمع يصبحون عرضةً للموت من أسباب صحية يمكن تلافيها بسهولة، وبحسب اليونيسف فإن حوالي 4 ألف أُم و23 ألف طفل حديث الولادة ماتوا خلال العام الماضي، والسبب الأساسي هو غياب الرعاية الصحية.

والآن عزيزي القارئ.. إن كنت قد استغرقت 10 دقائق في قراءة هذا المقال، فإن هناك طفلاً قد مات في اليمن على الأقل خلال العشر الدقائق هذه، وهناك أيضاً 15 طفلاً قد أصيب بمرض الكوليرا خلال المدة نفسها، وقد ربما يكون هناك ضربة طيران خطفت حياة العشرات بلمح البصر.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-naji/-10-_23_b_18657132.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات